الفيزياء

قصة اكتشاف “البوصلة المغناطيسية” واستخداماتها وتحسينات العلماء عليها

2016 علوم العصور الوسطى المتأخرة وعصر النهضة

جون كلارك مع مايكل ألابي وإيمي جان بيير

KFAS

الفيزياء

تكمن جذور قصة تطور البوصلة المغناطيسية في الصين. لكن فروع هذه القصة أينعت ثمارا وفيرة عند انتشارها في أوروبا خلال العصور الوسطى.

تاريخ البوصلة تاريخ لا تنفصم عراه عن المغناطيسية. عرف الناس المغناطيسية منذ آلاف السنين عندما لاحظوا الخواص غير المألوفة لأحجار معينة أسموها حجر المغناطيس.

يتميز حجر المغناطيس بغناه بمعدن المغنيت، وهو خليط من أكسيد الحديد ، وهو بطبيعته مادة ممغنطة. ويحسب ما يذكر الكاتب الروماني بليني الأصغر (٦٢ – ١١٣) اكتشف راعي أغنام اسمه ماغنوس خصائص هذا الحجر عند ملاحظته التصاق الرأس الحديدي لعصاه به (ومن هنا أتت التسمية «مغناطيس»).

الأرض نفسها مغناطيس هائل. ويتولد المجال المغناطيسي للأرض عن حركة الشحنات الكهربائية وتيارات الحمل في اللب الخارجي للأرض – يتكون اللب من صهير من الحديد والنيكل.

ومثلما هو الأمر مع المغناطيس البسيط فإن للأرض قطبان مغناطيسيان: الشمال والجنوب. ولو قمت بوضع قضيب مغناطيسي على سطح نثرت عليه برادة حديد لوجدت البرادة تترتب لتتخذ اتجاه خطوط المجال المغناطيسي النابعة من قطبي المغناطيس.

 

ولذلك، وبالطريقة نفسها، يحاول الجسم الممغنط من مثل الحجر المغناطيسي أو الإبرة المغناطيسية أن يعدل اتجاهه ليصطف على خط المجال المغناطيسي للأرض.

بحلول القرن الأول الميلادي استخدم حجر المغناطيس في عدد من الأجهزة سميت دليل الجنوب (المتجه الجنوبي) والتي استخدمها الصينيون في أعمال الشعوذة. يؤدي وضع حجر المغناطيس على قاعدة مصقولة مستوية إلى تحركها لتصطف على المحور الشمالي – الجنوبي.

وكان يتم تشكيل الحجر على هيئة ملعقة، وتعلم الاتجاهات الأصلية (الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب) على القاعدة المستوية بالإضافة إلى وجود اسماء البروج ورموز أخرى يستخدمها المنجمون والمتنبؤون.

ظهر ذكر مثل هذا الجهاز في كتابات الفيلسوف الصيني وانغ تشوانغ عام ٨٣ ميلادي دون أي ذكر لاستعماله في الأغراض الملاحية.

 

استبدل حجر المغناطيس في البوصلة الصينية خلال القرن الثامن الميلادي بالإبرة المغناطيسية. صنعت الإبرة المغناطيسية بوضعها بمحاذاة حجر مغناطيس عالي الشدة وباتجاه خط مجالها المغناطيسي.

ظهر أول مقال يصف بشكلٍ لا يقبل الشك استخدام البوصلة المغناطيسية في الملاحة عام ١٠٨٦ وذلك في كتاب مقالات حوض الأحلام للعالم الصيني شن كوا (١٠٣١ – ٩٥).

وخلال بضع سنين بعد ذلك وصف الصيني تشو يو في مؤلفه حديث طاولة بينغتشو استخدام البوصلة في البحر، لكن الأداة لم تصبح أداة ملاحة متطورة حتى حلول عصر الاستكشافات الأوروبية.

 

مثلما هو الأمر مع الكثير من الابتكارات التي بدأت في الشرق الأقصى، يعتقد أن العرب هم من جلبوا البوصلة إلى الغرب. كان الملاحون الغربيون قبل ذلك يستعينون بالشمس أو النجم القطبي لتحديد الشمال والجنوب.

وعلى الرغم من الدقة المتناهية في النتائج المستخلصة بواسطة هذا الأسلوب البسيط، بيد أنه أسلوب قاصر لا يمكن اللجوء إليه إلا في حالات السماء الصافية. وبذلك أعاقت فترات المناخ السيئ الملاحة وأدت إلى حدوث نتائج كارثية تبعاً لذلك.

هناك احتمال بالطبع أن الفايكنج استخدموا البوصلة في رحلاتهم حول شمال أوروبا في القرن الحادي عشر. لكن الإشارة القطعية الأولى لاستخدامها في الغرب تضمنها كتاب حول الأشياء الطبيعية الذي نشر عام ١١٨٠ لمؤلفه المفكر ورجل الدين الانجليزي ألكساندر نيكام (١١٥٧ – ١٢١٧).

 

تكونت البوصلات الأوروبية الأولى من إبرة مغناطيسية مغروزة أفقياً في قشة في وضع معتدل تطفو على سطح ماء في وعاء. وفر الجهاز دقة معقولة في تحديد الشمال والجنوب، لكنه لم يكن محمولاً بسهوله من ناحية كما لم يكن يسير الاستخدام في السفر من ناحية ثانية.

بحلول عام ١٢٥٠ ثبتت الإبرة على مرتكز حر الحركة قابل للدوران لتطفو في مركز قطعة دائرية مُعلمة عليها الجهات الأصلية. ومع دوران الإبرة تدور القطعة الدائرية أيضا.

أول من شرح القوانين المسيطرة على المغناطيس (وبالتالي البوصلة) هو العالم والجندي الفرنسي بتروس بيريغرينوس (بيتر الحاج أو بيتر دي ماريكورت) وذلك عام ١٢٦٩. وإلى جانب وصفة للأقطاب المغناطيسية طور بيتر الحاج مدرجة (قرصاً مدرجاً) توضع الإبرة في مركزها مما سمح بتحديد الاتجاهات بدقة تصل إلى درجة واحدة.

ومن التحسينات الأخرى في تكنولوجيا البوصلة تثبيت الإبرة والمدرجة داخل حافظة. استخدم الخشب والعاج في صنع الحافظات الأولى – نظراً لعدم تأثر هذه المواد بالقوة المغناطيسية المؤثرة على الإبرة.

 

وفي نماذج متأخرة استخدم البرونز للحافظة، وللسبب السابق ذاته. بدأ في القرن السادس عشر تثبيت بوصلات السفن على كرسي تحميل يقوم ذاتيا بتصحيح الأخطاء ويسمى «الغمبل» وهو أداة لإبقاء البوصلة في وضع أفقي على الرغم من تمايل السفينة مع الموج.

خلال فترة وجيزة أصبح الاستغناء عن البوصلات أمراً غير ممكن. وتدليلاً على ذلك وصف الفيلسوف الانجليزي فرانسس بيكون (1561 – 1626) «الإبرة» عام 1594 بإحدى ثلاثة تطورات الأكثر أهمية في العالم المتحضر (الابتكاران الآخران هما البارود والمطبعة).

فخلال كل سنة حمل آلاف البحارة أرواحهم على أكفهم معتمدين على كِسرٍ حديدية صغيرة مرتعشة تبين مسارات رحلاتهم. ومع مرور الزمن اكتشف الملاحون أن أبره البوصلة لا تخلو من الأخطاء، إذ

يمكن أن تنحرف بوجود أجسام معينة بقربها، وبخاصة تلك المصنوعة من الحديد. كما يمكن للبوصلة في عرض البحر أن تتأثر بوجود كتل كبير من الأرض (جزر أو صخور على مقربة من السفينة)، علاوة على ذلك لاحظ الملاحون الحاجة إلى تصحيح قراءة البوصلة عند السفر شرقاً أو غرباً وذلك لتأثرها بظاهرة الانحراف المغناطيسي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى