البيولوجيا وعلوم الحياة

دور “الفيتامينات” في تحسين طريقة عمل الآلآت الجزيئية في جسم الإنسان

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الفيتامينات الآلآت الجزيئية دور الفيتامينات في تحسين عمل الآلآت الجزيئية البيولوجيا وعلوم الحياة

إن آلاتك الجزيئية شديدة الصغر لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها. وربما تعتقد أنه من غير الممكن أن يكون لك تأثير عليها، أو أن تستطيع أن تسرّع من معدل أدائها، أو إيقافها، على اعتبار أنها صغيرة جداً ولا يمكن الوصول إليها.

ولكننا نقوم بتعديل طريقة عمل آلاتنا الجزيئية كل يوم. فعندما تتناول أحد الفيتامينات كل صباح، فأنت تقوم بضبط آلاتك الجزيئية لكي تكون في قمة أدائها.

 

وعندما يقوم الطبيب بإعطائك البنسلين، فإنك تقوم بشكل فعال بمهاجمة الآلات الجزيئية للبكتيريا المسببة للإصابات المرضية.

ولو كنت غير محظوظ وأصبت بتسمم غذائي، فإن هذا يعني أن أحد أنواع البكتيريا قد قام بالدفاع عن نفسه، مهاجماً إحدى آلاتك الجزيئية.

وعند تناولك للأسبرين، فإنك تقلل من أداء آلاتك الجزيئية الموجودة بالأعصاب والدماغ. وبالتالي فإنه بتناول الفيتامينات والسموم والأدوية، فإننا نقوم – وعن عمد – بتعديل طريقة عمل آلات جزيئية معينة بالجسم، وعن طريقة العناية في إستخدم هذه المواد، فإننا نستطيع أن نحسن طريقة عملها وبالتالي نحسن جودة حياتنا (شكل 1.9).

 

شكل 1.9 أنت وجزيئاتك: لدينا اليوم مئات من العقاقير التي يمكنها تعديل طريقة عمل آلاتنا الجزيئية.

ويوضح الشكل عدداً قليلاً من أهداف هذه العقاقير.

فهناك عقاقير تقوم بإيقاف التقاط الناقلات العصبية (Neurotransmitters) بواسطة الجزئيات الناقلة (Transporters) في أغشية الخلايا العصبية ويتم استخدامها في علاج الاكتئاب، كما أن هناك عقاقير تعمل على إيقاف عمل الجزيئات الموصلة للإشارات العصبية المختلفة

ويمكن استخدامها في علاج عدد كبير ومتنوع من الأمراض التي تتدرج من الربو إلى الشيزوفيرنيا. ويستهدف عقار الأسبرين صوراً مختلفة من إنزيم السيكلوأوكسيجينيز (Cyclooxygenase

وذلك لمحاربه الصداع وسيولة الدم. كما يتم استهداف عامل تنخر الأورام (Tumor Necrosis Factor) عند علاج التهاب المفاصل الروماتزمي وغيره من الأمراض الالتهابية. ومن المتاح الآن أنواع من العقاقير التي تتناسب مع «نمط الحياة»، مثل العقاقير التي تقوم بإيقاف عمل الفوسفادي استيريز (Phosphodiesterase) في الأوعية الدموية ولذلك لتحفيز «الانتصاب»، كذلك فهناك عقاقير لإيقاف عمل مضخات البروتون والتقليل من تكون الحموضة في المعدة (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

تعمل الفيتامينات كروابط حيوية في عملياتنا الأيضية. ومن المثير للسخرية أنه برغم حاجتنا للجزيئات للوصول إلى صحة مثالية إلا أننا لا نستطيع صناعتها لأنفسنا. البكتيريا أكثر قدرة منا على تحقيق اكتفائها الذاتي من الفيتامينات.

حيث أن لديها قدرة على أن تبدأ بعدد صغير من المواد البسيطة وتبني بها كل جزيء تحتاج إليه. ويبدو أننا فقدنا مثل هذه القدرة على تخليق عدد صغير من الجزيئات الأساسية عند مرحلة ما في تطور خلايا الإنسان.

وربما حدث ذلك لأن هذه الجزيئات تكون متاحة فيما نتناوله من وجبات غذائية، وبالتالي فلم يعد لنا خيار اليوم سوى أن نحصل على هذه الجزيئات المهمة (الفيتامينات) من الغذاء.

 

هناك قدر هائل من التراث الشعبي الذي يتضمن وصف أغذية معينة لعلاج أمراض محددة. فعلى سبيل المثال،

يتم وصف الجزر أو الكبد لعلاج العشى الليلي، وزيت كبد الحوت (القد) لعلاج الكساح (Rickets)، وشاي ثمار الورد1 (Rose Hip Tea) وثمار الحمضيات (Citrus) للحماية من الإسقربوط (Scurvy) . وغالباً ما تكون هذه العلاجات الشعبية فعالة بسبب احتوائها على الفيتامينات.

ولقد أظهر التحليل العلمي لهذه الأغذية العلاجية احتواء كل منها على جزيئات معينة هي المسؤولة عن قدرتها على علاج الأمراض.

 

ولقد كان أول الجزيئات التي تم دراسة خصائصها هو الثيامين (Thiamine) والذي اشتق منه اسم «الفيتامينات» والذي يعني «الأمينات الضرورية للحياة».

يعتبر العديد من الفيتامينات كأدوات جزيئية لها صفات كيميائية غير معتادة، يتم استخدامها بواسطة الإنزيمات لإنجاز مهمات متخصصة.

فعلى سبيل المثال، فإن جميع الأحماض الأمينية تكون عديمة اللون، ولبناء بروتين من هذه الأحماض الأمينية يكون حساساً للضوء فإنه لا بد من أن يكون لدينا جزىء ملون.

 

ويعد فيتامين «أ»(Vitamin A) ، والذي يعرف أيضاً بالشبكي  (Retinal)، «مرشحاً» متميزاً للقيام بهذه الوظيفة. حيث يتركب من سلسلة من ذرات الكربون التي لديها القدرة والاستعداد لامتصاص الطاقة من فوتونات الضوء.

ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أنه عند امتصاصه للطاقة من الضوء، فإن شكله يتغير من الانثناء إلى الاستقامة (شكل 2.9).

وهذا التغير في الشكل يتم استشعاره بواسطة بروتين الرودوبسن (Rhodopsin)، والذي يعطي إشارة عصبية للدماغ ليخبره أنه قد قام للتو بالتقاط فوتون ضوئي.

 

شكل 2.9 فيتامين «أ» الشبكي، وهو ناتج من فيتامين «أ»، ويتم استخدامه بواسطة بروتين الرودأوبسن (Rhodopsin) في خلايا الشبكية بالعين وذلك للإحساس بالضوء.

ويأخذ شكلاً منثنياً (كما هو موضح على يسار الشكل)، ولكن عند امتصاصه لفوتون ضوئي، فإنه يتغير إلى شكل مستقيم. ويمكن الحصول على الشبكي مباشرة من الغذاء، أو يمكننا الحصول عليه بتكسير الكاروتين إلى نصفين (قوة التكبير بأعلى: 20 مليون مرة، وقوة التكبير بأسفل: 5 ملايين مرة).

 

ويمكننا أن نحصل على «الشبكي» مباشرة من الغذاء عند تناول الكبد. 

ولكن الجزر وغيره من الخضروات الملونة تحتوي أيضاً على جزيئات على نفس الدرجة من الجودة مثل «الشبكي» وهذا الجزيئات تعرف «بالكاروتينات» (Carotenes) وتكون صفراء أو برتقالية ناصعة ويتم تكسيرها إلى نصفين بواسطة الإنزيمات في خلايانا لتكوين جزيئات من «الشبكي».

يتم إستخدم فيتامينات «ب» (B vitamins)  لبناء جزيئات حاملة خاصة تعمل على نقل الهيدروجين، والنيتروجين، أو ذرات الكربون بين الأنزيمات المختلفة. وتحتوي هذه الجزيئات الحاملة على ذرة ذات قدرة عالية على التفاعل عند إحدى نهايتي الجزىء،

 

وتقوم هذه الذرة بأداء تفاعل يكون من الصعب جداً على الأحماض الأمينية في البروتين القيام به.

فالثيامين (فيتامين «ب1») لديه ذرة كربون ذات قدرة عالية على التفاعل ونحتاج لها لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون من الجزيئات الموجودة بالغذاء.

كذلك فالجسم يحتاج إلى الريبوفلافين (Riboflavin)  (فيتامين «ب2») والنياسين (Niacin) لتصنيع الجزيئين اللذين ينقلان الهيدروجين والالكترونات داخل الخلية، وللبيريدوكسين (Pyridoxine) (فيتامين «ب6») ذرة كربون خاصة يمكنها أداء تفاعلات لنقل النيتروجين من مكان لآخر.

 

 شكل 3.9 فيتامينات «ب»: تستخدم فيتامينات «ب» لبناء أدوات كيماوية لاستخدامها بواسطة الإنزيمات. وفي الأنواع الثلاثة من فيتامينات «ب» الموضحة هنا، فإن الجزء الذي يتم الحصول عليه كفيتامين من الغذاء محاط بدائرة في الصور، وتوجد أمثلة للإنزيمات التي تستخدم هذه الفيتامينات على يسار الصور.

ويستخدم الثيامين بيروفوسفات بواسطة الإنزيم النازع للهيدروجين من البيروفات (Pyruvate Dehydrogenase) للقيام بتفاعل كيماوي يتطلب قدراً من المهارة لإزالة ثاني أكسيد الكربون.

وهناك ذرة كربون معينة نشطة، مبينة باللون الأخضـر، تساعد في هذا التفاعل. ويتم استخدام الفلافين أدينين ثنائي النيوكلوتيد (FDA) وكذلك النيكوتين أميد أدينين ثنائي النيوكلوتيد (NAD) لحمل الالكترونات وذرات الهيدروجين (اللون الأخضـر)، ويستخدم الفلافوبروتين الناقل للإلكترون مركب FDA لنقل الإلكترونات بين الإنزيمات التي تقوم بعمليات التمثيل الغذائي للدهن، كما أن الإنزيم النازع للهيدروجين من الكحول (Alcohol Dehydrogenase) يستخدم مركب  NADفي التفاعلات التي تدمر الكحول (ولكن في البكتيريا فإن هذه التفاعلات تؤدي إلى تكوين الكحول) (قوة التكبير للجزيئات على اليسار: 5 ملايين مرة، وعلى اليمين: 20 مليون مرة).

 

ولفيتامين «سي» (Vitamin C)، والذي يعرف أيضاً بحمض الأسكوربيك (Ascorbic Acid)، تركيب بسيط لا يعكس حالته كأكثر الفيتامينات إثارةً للجدل.

فالدور الأكثر وضوحاً لهذا الفيتامين هو إستخدامه بواسطة أحد الإنزيمات لتعديل تركيب جزيئات الكولاجين (Collagen) حديثة التخليق.

وعند غيابه، فإن هذا يؤدي إلى إنتاج جزيئات كولاجين معيبة تؤدي إلى التأثيرات المدمرة لمرض الإسقربوط والتي تتضمن فقدان الأسنان، وبطء التئام الجروح، والنزيف الدموي.

 

ولكن هذا الدور يحتاج إلى كميات بسيطة من فيتامين «سي»، مما يجعل من الصعب تفسير وجود تركيزات كبيرة منه في أنسجة الحيوانات والنباتات.

ويشترك فيتامين «سي» مع فيتامين «أ» وفيتامين (إي) (E) في القيام بوظيفة أخرى في الخلية وهي العمل كمضادات للأكسدة (Antioxidants). وكما هو موضح في الفصل السابع، فإن لذلك دوراً أساسياً في التحكم في ظاهرة التقدم في عمر الخلايا والجزيئات والتي لا مفر من حدوثها

يلعب فيتامين «د» (Vitamin D) دوراً خاصاً كهرمون يمكنه تنظيم إدخال وإخراج الكالسيوم في العظام (شكل 4.9).

 

شكل 4.9 فيتامين «د»: يتكون فيتامين «د» من الكوليسترول وذلك من خلال تفاعل يستلزم وجود الأشعة فوق البنفسجية لحدوثه. ويعمل فيتامين «د» كهرمون بدخوله الخلايا والارتباط بالمستقبلات في النواة.

وترتبط هذه المستقبلات بالدنا DNA وتوجهه لتكوين البروتينات التي تشترك في التمثيل الغذائي للكاسيوم (قوة التكبير للجزيئات بأعلي: 20 مليون مرة، وبأسفل: 5 ملايين مرة).

 

ويؤدي وجود مثل هذا الفيتامين إلى توسيع تعريف الفيتامينات. حيث أنه يمكن تخليقه مباشرة داخل أجسامنا، ولكن هذا يحدث فقط عند تعرضنا لكمية كافية من ضوء الشمس. حيث تعمل الأشعة فوق البنفسجية على إنتاج فيتامين «د» بتكسير رابطة في مركب الكوليسترول في الجلد.

ولذلك فتحدث المشاكل عندما لا يستطيع الناس الحصول على ضوء الشمس، وخاصة من يعيشون في الأماكن المرتفعة التي تغطيها السُّحب، حيث لا تستطيع أجسامهم القيام بإنتاج كميات كافية من فيتامين «د».

وبالتالي فلا بد لهم من تناول مكملات غذائية مثل جرعات من زيت كبد الحوت (القد) ذي السمعة السيئة، والتي يتم إ جبار الأطفال الإنجليز على تناولها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى