البيولوجيا وعلوم الحياة

طريقة حماية الخلايا لـ”DNA” من التلف والكسر

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

DNA طريقة حماية الدنا من التلف والكسر البيولوجيا وعلوم الحياة

تتعرض آلاتنا الجزيئية إلى الإنقضاض المستمر من قبل عوامل بيئية مهاجمة. حيث تعمل المواد الكيماوية النشطة على إتلافها، كما أن الحرارة تعمل على فك طياتها وتفقدها طبيعتها، وتقوم الأشعة فوق النفسجية (Ultraviolet Light) بتكسيرها.

وفي الكثير من الحالات ، فإن هذه الآلات تصبح مدمرة ولا تستطيع معاودة القيام بوظائفها. وتستطيع الخلية التخلص من البروتينات التالفة.

ولكن لا يمكن لها أن تقوم بنفس الفعل مع الـ "دنا" (DNA) حيث أنه لا بد من المحافظة على هذا المركب في أفضل صورة، نظراً لأنه يحمل المعلومات الوراثية الحيوية والتي تقوم بتوجيه الحياة داخل الخلية، والتي لا بد من نقلها إلى النسل.

 

ولضمان عدم فقدان هذه المعلومات الوراثية، فإن الخلية لديها عدة طرق مختلفة لحماية الـ "دنا" من التلف، وكذلك لإصلاح التلف في حالة حدوثه.

يعتبر ضوء الشمس مصدر خطورة رئيسياً للـ"دنا". فهو يحتوي على الأشعة فوق البنفسجية  (UV)والتي لديها طاقة كافية لمهاجمة النيوكليوتيدات في الـ "دنا".

 

وأخطر الإشعاعات للضوء فوق البنفسجي والمسماة UVC، يتم تصفيتها بواسطة طبقة الأوزون في الجزء العلوي من الغلاف الجوي، ولكن الإشعاعات الأضعف والمساة UVA و UVB، يمكنها النفاذ خلال طبقات الغلاف الجوي ويكون لديها من القوة ما يمكنها من إحداث تغيرات كيميائية في الـ "دنا".

حيث يتم إمتصاص هذه الأنواع من الأشعة فوق البنفسجية بواسطة أحد الروابط المزدوجة الموجودة في النيوكليوتيدتين ثيامين وسيتوزين، وهذا يدفعهما للتفاعل مع النيوكليوتيدات المجاورة لهما (شكل 3.7).

 

شكل 3.7 إنزيم فوتوليز ال"دنا" (DNA Photolyase): يرتبط إنزيم الفوتوليز بجزيئات ال"دنا" المحتوية على نيوكليوتيدات تالفة، بحيث يعمل على تكسير الرابطة الغير الطبيعية بينها .

ولا يتعامل هذا الإنزيم برفق مع ال "دنا" – حيث يعمل على سحب القواعد التالفة بقوة إليه لإخراجها من التراص الطبيعي للنيوكليوتيدات الأخرى وذلك مع القيام بهذا التفاعل في جيب صغير في الانزيم.

 

يوضح التخطيط العلوي بالشكل صورة عن قرب للقواعد التالفة (وفي هذا التخطيط المكون من كرات وعصـي، نلاحظ أن الروابط بين الذرات تظهر في شكل أسطوانات).

لاحظ كيف أن القاعدتين النيوكليوتيدين المرتبطتين بروابط غير طبيعية، واللتين تظهران بلون أرجواني،  يبدوان غير متناسقتين مع شكل التراص الطبيعي للقواعد النيوكليوتيدية الأخرى.

 

توضح الصورة السفلية إنزيم الفوتوليز وهو يقوم بمعالجة هذه المشكلة (الصورة العلوية مكبرة 40 مليون مرة، والصورة السفلية مكبرة 5 ملايين مرة).

فإذا كانت القاعدة المجاورة هي قاعدة أخرى من الثيامين أو السيتوزين، يحدث الارتباط بين القاعدتين، بما يؤدي إلى لصقهما معاً.

 

ويكوّن هذا الارتباط غير الطبيعي انحناءً غير طبيعي في الـ "دنا" يتسبب في مشاكل عند محاولة إنزيم بلمرة الـ "دنا" (DNA polymerase) القيام بدوره في عملية تضاعف سلسلة الـ "دنا"

وبصفة خاصة، فإن الرابطة بين قاعدتين سيتوزين متجاورتين غالباً ما تؤدي إلى ظهور طفرة وراثية، حيث إن إنزيم بلمرة الـ "دنا" يمكن أن يقوم بطريق الخطأ بمزاوجة وربط الأدينين مع هاتين القاعدتين التالفتين وذلك بدلاً من القاعدة المناسبة لهما وهي الجوانين. وكما سيتم وصفه لاحقاً، فإن هذا قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة مثل السرطان.

إن حدوث تلف بالـ "دنا" بواسطة الأشعة فوق البنفسجية ليس حدثاً نادراً. ففي كل ثانية يتعرض فيها جسمك للشمس، فإن ذلك يكون مصحوباً بتكوين 50 – 100 رابطة غير طبيعية بين النيوكليوتيدات في الخلية الواحدة من الجلد!!

 

وبالتالي فإنه لا عجب إذا علمنا أن لدى الخلايا طرقاً عالية الكفاءة لتصحيح مثل هذه الأخطاء. حيث تستخدم خلايانا عمليةً تُسمى « الإصلاح بإزالة النيوكليوتيدات » (Nucleotide Excision Repair)، والتي تتطلب جهداً تعاونياً منظماً من العديد من الإنزيمات. 

حيث يقوم البعض من هذه الإنزيمات بالتعرف على الانثناء المتصلب في الـ "دنا" والذي كونته الروابط غير الطبيعية، والبعض الآخر منها يقوم بقص وعزل جزء الـ "دنا" المحتوي على هذه الروابط، أما باقي الإنزيمات فتعمل على بناء نسخة جديدة من منطقة الـ "دنا" التي حل بها التلف.

وتعتمد هذه العملية بكاملها على وجود سلسلة من الـ "دنا" مكملة للسلسلة التي يتم إزالة النيوكليوتيدات منها ولكن لا بد أن تكون هذه السلسلة المكملة سليمة وغير تالفة، بحيث يمكن إستخدامها كقالب يتم على أساسه بناء أجزاء بديلة في السلسلة التالفة تحل محل الأجزاء التي يتم إزالتها.

 

وبعض الكائنات الحية الأخرى تنتهج أسلوباً أكثر مباشرة. حيث أن لديها إنزيمات تقوم بالبحث عن أزواج القواعد التالفة وتقوم بإصلاحها بشكل مباشر.

على سبيل المثال، يقوم إنزيم الفتوليز (Photolyase) المبين في شكل 3.7 بالإرتباط بالدنا التالف بحيث يعمل على تكسير الرابطة بين القاعدتين التالفتين. ومن المفارقات أن التفاعل الذي يقوم به هذا الإنزيم يستمد الطاقة اللازمة لإتمامه من الضوء المرئي.

تتعرض سلاسل الـ "دنا" الطويلة والضعيفة إلى الكسر أيضاً. حيث تعمل الأشعة السينية (X-rays) وأشعة جاما وكذلك إنزيمات عملية التنفس على إنتاج صور عالية التفاعل (Reactive Forms) من الأكسجين يمكنها إحداث تكسيرات في الـ "دنا" (سيتم وصف ذلك بتفاصيل أكبر فيما بعد).

 

وتحدث الكسور أيضاً عندما تقوم إنزيمات "البلمرة" (Polymerases) وإنزيمات "تغيير الشكل السطحي (Topoisomerases)  بعمل أخطاء.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخلايا تقوم أحيانا بكسر الـ"دنا" الخاص بها عن عمد، وذلك على سبيل المثال أثناء القيام بعملية "خلط الجينات"1 التي تقوم باستخدامها لإنتاج الأجسام المضادة.

وتحدث أحياناً أخطاء عند اعادة ربط سلاسل الـ "دنا ببعضها، إن حدوث كسر في سلسلة دنا تحتوي على جين مهم يمكن أن يؤدي إلى موت الخلية، ولذلك فإن للخلية طرقاً لإصلاح كسور الـ "دنا" والمحافظة على جيناتها كاملةً وسليمةً.

 

"إعادة الإتحاد المتجانس" (Homologous Recombination) هي الطريقة الأساسية لإصلاح الكسور في الـ "دنا".

وتعتمد هذه الطريقة على وجود نستختين مكررتين من الـ "دنا"، ويتم إصلاح كسر الـ "دنا" عن طريق إستخدام إحدى النسختين كقالب لمطابقة وربط السلاسل المكسورة. ويطلق على هذه الخطوة الرئيسية في هذه العملية اسم "التشابك" (Synapsis)، والتي يتم فيها وضع سلسلة الـ "دنا" المحتوية على كسر في وضع محاذاة تام لسلسلة "دنا" مزدوجة سليمة.

 

يلي ذلك فك الالتفاف في سلسلة الـ "دنا" المزدوجة السليمة، بحيث يمكنها الارتباط مع السلسلة المكسورة. ثم يتم استخدام تركيب الـ "دنا" الناتج عن ذلك في إعادة بناء الأجزاء المفقودة نتيجة الكسر مع إعادة ارتباط السلاسل.

ويتم تنفيذ هذه العملية المثيرة في خلايانا بواسطة بروتين يسمى Rad51 (شكل 4.7)

 

شكل 4.7 تبادل سلاسل ال"دنا": تعمل بروتينات Rad51 على تكوين شعيرة حلزونية تحيط بسلاسل ال"دنا".

وكما هو موضح في هذا الرسم التوضيحي فإن سلسلة فردية من ال"دنا" (باللون الأحمر) يتم تزاوجها مع سلسلة دنا حلزونية مزدوجة (باللون الأصفر) لها نفس التتابع من النيوكليوتيدات .

تدخل سلاسل ال"دنا" من أعلى التركيب الحلزوني الذي تكونه هذه البروتينات لتكون تركيباً حلزونياً آخر ولكنه ثلاثي هجين يتم من خلاله تبادل السلاسل وإعادة ارتباطها مع بعضها، ثم تخرج السلاسل الجديدة المزدوجة من أسفل (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

وفي الخلايا البكتيرية بواسطة بروتين مشابه له يُطلق عليه RecA (مبين في شكل 4.6).

حيث تقوم هذه البروتينات بتكوين شعيرات حلزونية طويلة تحيط بسلاسل الـ "دنا"، وتمسكها كي تصبح مجاورة تماماً لبعضها البعض وذلك بما يسمح بحدوث توافق تام بينها.

وللخلايا طريقة أخرى ولكنها أقل دقة وذلك لإصلاح كسور الـ "دنا" التي لا تحتاج إلى قالب لإصلاحها.

تُعرف هذه الطريقة باسم «ربط النهايات غير المتجانس»   (Nonhomologous End Joining) ،  وتعمل على إصلاح كسـر الـ "دنا" مباشرةً دون الحاجة إلى معلومات خارجية من سلاسل أخرى.

 

تبدأ العملية عندما يرتبط نوعان من البروتين بنهايتي السلسلة المكسورة عند موضع الكسر بحيث يعملان على جمعهما سوياً.

ثم تعمل مجموعة خاصة من إنزيمات التقطيع (Nucleases) والبلمرة (Polymerases) على تقليم النهايتين مع ملء أي فراغات بين النيوكليوتيدات، وذلك بما يجعل النهايتين قابلتين للإلتحام مرةً أخرى.

 

وفي النهاية، يقوم إنزيم «ربط الـ "دنا" »(DNA Ligase) بلصق النهايتين معاً.

ومن الممكن أن يتم فقد بعض النيوكليوتيدات أثناء عملية تقليم النهايات، وبالتالي فإن هذه الطريقة لإصلاح كسـر الـ "دنا" يمكنها أن تؤدي إلى تغيرات خطيرة في المعلومات الوراثية. إلا أن هذا يظل أفضل من وجود كسـر في الـ "دنا" قد يؤدي إلى موت الخلية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى