الطب

الحالات المرضية المسببة لألم أسفل الظهر لدى كبار السن (60 سنة وما فوق)

2008 آلام أسفل الظهر

سعاد محمد الثامر

إدارة الثقافة العلمية

الحالات المرضية المسببة لألم أسفل الظهر لكبار السن الطب

غالباً ما تكون الخشونة (أمراض التقوّض ويقصد بها التآكل والتجريد أو الاضمحلال) والتهابات المفاصل الفقرية هي مصدر الألم، وتشمل هذه المرحلة بعض الحالات أهمها:

 

1) الانزلاق الفقري الأمامي بسبب عمليات التقوّض Degenerative Spondylolisthesis

يشكل هذا النوع 25% من حالات الانزلاق الفقري، ويرجع السبب هنا إلى التغيرات الانحلالية وعمليات التآكل والخشونة التي تحدث في مفاصل السُطَيْحات المفصلية (Degenerative Osteoarthritis). 

فهذه كلها عوامل تؤدي إلى اختلال في ثبات المستويات الفقرية، وبالأخص المستوى القطني ما بين الفقرتين الرابعة والخامسة، لكونه المستوى الذي يتحمل القسط الأكبر من المدى الحركي أثناء ثني الظهر إلى الأمام ومده إلى الخلف، لذا فإن هذا النوع يحدث في كبار السن. 

 

إذ يلاحظ أنه يحدث انزلاق للفقرة القطنية الرابعة أمام القطنية الخامسة، الذي يعد شائعاً في أغلب الحالات؛ إلا أنه في بعض الأحيان تنزلق الفقرة الثالثة أمام الفقرة الرابعة.

ولكن نادراً ما تنزلق الفقرة القطنية الخامسة أمام العجز في هذا النوع،وتدخل في هذا الانزلاق الفقري أسباب أخرى، مثل أمراض التقوض للأقراص الغضروفية التي تساعد على حدوث الانزلاق، إلا أنه تبقى الصفيحة الفقرية سليمة.

 

2) أمراض التقوض التي تصيب القرص الغضروفي Degenerative disc disease

تتمثل أمراض التقوض بعمليات التآكل والضمور في القرص الغضروفي الفاصل بين كل فقرتين، وتبدأ من سن الثلاثين بشكل بسيط.

ويمر القرص الغضروفي بعدة مراحل من التغيرات خلال عقود من حياة الإنسان، ويزداد التغير مع التقدم بالعمر، حيث يكون واضحاً ببلوغ سن الستين، وترجع هذه التغيرات أساساً إلى فقد المحتوى المائي وهو المكون الأساسي للنواة.

ونتيجة لاستمرار هذا الفقد التدريجي تظهر بعض التغيرات، مثل تصلب وتشقق الحلقة الليفية  المحيطة بالنواة، كما يصاحب ذلك مع مرور الوقت انكماش القرص إلى أن يصل في مراحله الأخيرة إلى الضمور والاضمحلال والجفاف.

 

وما يحدث لا يُعد تآكلاً بمعنى الكلمة وإنما هو ضمور في القرص الغضروفي فيقل سُمكه.  كما تحدث تشققات في سطح القرص الغضروفي، وهذا يجعله خشناً، ومع الوقت يفقد مرونته فيصبح قطعة جافة منكمشة ومتصلبة. 

ويشير هذا المصطلح (التقوض) إلى الأعراض المتزامنة التي يتسبب بها القرص الغضروفي المؤلم في حدوث ألم أسفل الظهر المزمن.

وبالرغم من أن هذه العمليات ترتبط أساساً بالتغيرات الفسيولوجية الطبيعية التي تحدث بالجسم مع التقدم بالعمر، فهناك حالات ربما تُسرع من حدوث مثل هذه التغيرات، منها تعرض القرص الغضروفي لحركة التوائية.

 

وهذا يضعفه ويتسبب في خلق حركة مجهرية زائدة في القرص المصاب (excessive micro-motion) على المستوى الفقري الموجود فيه هذا القرص، ويرجع ذلك إلى عدم قدرة القرص على ربط الفقرتين المتجاورتين ربطاً وثيقاً كما كان عليه من قبل حدوث الإصابة.

ونتيجة لكل من الحركة المجهرية المفرطة للقرص والتهاب البروتين داخل القرص، إضافة إلى انكشاف هذا البروتين للخارج وتهيج المنطقة المحيطة به، يحدث ألم في أسفل الظهر.

وخلافاً لما نراه في حالة إصابة عضلات الظهر، فإن القرص الغضروفي يفتقر إلى التروية الدموية الكافية، وهذا يؤخر عملية الشفاء.  لذا تستمر الأعراض المؤلمة الناتجة عن إصابة القرص الغضروفي فترة طويلة لحين اكتمال الشفاء، وهذا يجعل الألم مزمناً. 

 

وعلى الرغم من أن ألم أسفل الظهر الناتج عن الأمراض التقوضية للقرص الغضروفي من النادر أن يتزايد ويتطور، فإن هذا الألم يظل يتردد من وقت لآخر.

ومن المهم ملاحظة أن عمليات اهتراء واضمحلال القرص الغضروفي هي جزء من الفسيولوجية الطبيعية المصاحبة لتقدم السن، وليس بالضرورة أن تؤدي إلى الإصابة بألم في أسفل الظهر. 

ولقد أثبتت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أن حوالي 30% من حالات الذين تبلغ أعمارهم 30 سنة قد بدأت فيها علامات دالة على عمليات الاهتراء والاضمحلال في القرص الغضروفي، على الرغم من عدم شكواهم من ألم في أسفل الظهر. 

 

لذا يستنتج أنه ليس كل قرص يتعرض لعمليات الاهتراء والاضمحلال هو مصدر لألم أسفل الظهر،وعلى الرغم من أن هذه التغيرات في استمرار وتزايد فلا يشترط الشعور معها بالألم. 

وعندما يصل عمر الفرد 60 سنة، فإنه من المتوقع جداً رؤية التغيرات بوضوح في نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي، إلا أن الشكوى من ألم أسفل الظهر بسبب تقوض الأقراص الغضروفية تقل في هذا العمر.

حيث يكون القرص الغضروفي في هذا العمر متقوضاً كلياً، أي تصبح النواة صغيرة الحجم، ولا تحتوي على البروتين الذي يسبب الشعور بالألم، وتكون الطبقة الخارجية للقرص منكمشة بشكل واضح، وهذا يجعل القرص قطعة جافة متصلبة تثبت في وضعها من دون حركة أو مرونة.

وغالبية المرضى الذين يعانون أمراض تقوض القرص الغضروفي يبدون استجابة ممتازة للعلاجات التحفظية، إذ يمكن السيطرة على شدة الألم وتكرره باتباع برنامج تمريني مكون من التمرينات الهوائية (الأيروبكس) والتثبيتية للمنطقة القطنية.

 

3) التضيق الفقري (الشوكي) Lumbar spinal stenosis

هذا المرض ناتج عن وجود تضيق في القناة الفقرية ويصيب في العادة كبار السن الذين تزيد أعمارهم على الخامسة والستين، ويحدث هذا التضيق لأسباب عديدة، مثل :

حدوث إصابة رضية أو انزلاق فقري أو تشوهات خلقية في حجم وشكل القناة الفقرية والفقرات نفسها، ولكن السبب الأكثر انتشاراً لهذا المرض هو تضخم الُسطَيْحات المفصلية.

وكذلك حدوث التقوض في أجسام الفقرات، وهي عمليات التآكل والانحلال في العمود الفقري، التي تحدث مع التقدم في العمر، وما ينتج عن هذه التغيرات من خشونة في جسم الفقرات ونمو زوائد عظمية (Osteophytes). 

 

وإن وجود هذه الخشونة والزوائد العظمية في الفقرات القطنية، إضافةً إلى ازدياد حجم السُطَيْحات المفصلية في هذه المنطقة، يساعدان على حدوث ضيق في قطر القناة الفقرية التي يوجد فيها النخاع الشوكي.

ويمكن أن تصل درجة هذا التضييق إلى حد يسبب انضغاط الأعصاب الخارجة منها، ويمكن أن يحدث هذا التضيق في الثقب ما بين الفقرتين (Intervertebal foramen)، ويسمى التضيق الفقري الجانبي. 

وفي هذه الحالة يؤدي التضيق إلى الضغط على جذر العصب.  إلا أن هناك أسباباً أخرى من شأنها أن تسبب تضيق القناة الفقرية، منها: القرص الغضروفي المنفتق وانضغاط الرباط الأصفر في الظهر.  كما أن هناك حالات مرضية عديدة يمكن أن تؤدي إلى تضيق القناة الفقرية.

 

وطريقة إحساس المصاب بالتضيق الشوكي تختلف اختلافاً كبيراً بين مريض وآخر، بحسب مكان حدوثه، وما إذا كان الضغط واقعاً على النخاع الشوكي أو على الجذر العصبي الخارج منه.  فإذا وُجد هذا التضيق في المنطقة القطنية من العمود الفقري، فإنه يحدث انضغاط العصب الوركي.

وينتج عن هذا الانضغاط ألم شديد في منطقة أسفل الظهر، ويمتد على طول مسار هذا العصب في إحدى الرجلين، أو كلتيهما إذا كان الانضغاط حادثاً في الجانبين.  كما ياحب ذلك خدر وضعف العضلات وصعوبة المشي واضطرار المريض للتوقف فترات قصيرة خلال المشي بسب الألم أو الخدر. 

إن الوضع الذي يتخذه الشخص المصاب بالتضيق الفقري يمكن أن يؤثر في ازدياد الألم أو تخفيفه. 

 

فمثلاً يجد المصاب راحته أثناء الجلوس، لما قد يحدث هذا الوضع من اتساع في مساحة القناة الفقرية المتضيقة، كما يزداد الألم أثناء الوقوف فترات طويلة أو المشي مسافات طويلة وبخاصة المشي على المنحدرات والأرضيات غير المستوية. 

ويمكن أن يخف الألم أثناء المشي إذا استخدم المريض عكازه للاتكاء عليها. 

وهؤلاء المرضى في حاجة إلى بعض إجراءات التكيف والتعديل في أنشطة الحياة اليومية للتغلب على الألم، من خلال اتباع أسلوب الانثناء ما دامت أن آلامهم تخف في هذا الوضع،كما يحتاج المريض إلى فترات من الراحة يتم فيها الاستلقاء على أحد الجانبين مع ثني الوركين والركبتين إلى الداخل.

 

4) الالتهاب العظمي المفصلي التقوضي للعمود الفقري Degenerative Osteorthritis of the spine

يقصد بهذا المرض التغيرات المفصلية الناتجة عن العمليات الفسيولوجية الطبيعية للشيخوخة.  لذا فإنه لا يُعد مرضاً بحد ذاته، ولكنه حالة هرم تمر بها التراكيب التشريحية مع تقدم الإنسان في العمر.

وهذه الحالة يطلق عليها الالتهاب العظمي المفصلي Osteoarthritis، وترتبط بالتدهور البطيء والتدريجي للغضروف الذي يحيط بالمفاصل وبفقد السائل المسؤول عن تزييتها. 

ويُعد الالتهاب العظمي المفصلي أكثر الالتهابات التي تصيب مفاصل الجسم، بما فيها المفاصل الفقرية، ولكنها أقل ألماً وإعاقة وظيفية مقارنةً بالالتهابات المفصلية الروماتيزمية والفقرية التيبسية.

 

ففي هذا المرض تبدأ عملية التآكل والتجريد لمفصل أو أكثر من المفاصل، التي تتحمل معظم وزن الجسم، كالقدمين والركبتين والوركين؛ وكذلك المفاصل الفقرية في المنطقة القطنية العجزية من العمود الفقري (أسفل الظهر)، بما فيها مفاصل السُطَيْحات المفصلية (Facet Joint osteoarthritis).

إذ يحدث أن تنحل وتضعف الطبقة الغضروفية الموجودة في هذه المفاصل، وهذا يفقدها كثيراً من مداها الحركي ويتسبب في احتكاكها، فيشعر المريض بالتيبس والألم. 

وتتميز التغيرات الحادثة في السُطَيْحات المفصلية بإحداثها ألماً أسفل الظهر، عندما يستيقظ المريض في الفترة الصباحية؛ ثم يبدأ الألم يخف تدريجياً خلال ساعات النهار، إذ إن الأنشطة التي يقوم بها المريض تساعد على تنشيط إفراز السائل الذي يزيت هذه المفاصل ويخفف من احتكاكها.

 

وهذا يقلل من الشعور بالألم؛ إلا أنه في نهاية اليوم يبدأ المريض بالشكوى من معاودة الألم بسبب ما تحملته هذه المفاصل من إجهاد وتعب خلال أنشطة المريض اليومية.

كما تصاب الأقراص الغضروفية بالتلف والضمور والاهتراء (تفقد ثخانتها وسُمكها)، وهذا يجعل شكلها يتبدل، فلا تعود قادرة على أن تظل بطانة واقية للمفاصل. 

ومن أهم ملامح هذه التغيرات نشوء بروزات عظمية في أجسام الفقرات كنتيجة طبيعية لمحصلة الضغوط الواقعة على العمود الفقري طوال سنوات حياة الإنسان. 

 

إضافة إلى التضيق الحاصل في المفاصل الفقرية في المنطقة القطنية، وذلك للفقد الواضح لثخانة الأقراص الغضروفية، وهذا يجعل الفقرات تتقارب من بعضها. 

ويمكن التحقق من ذلك بوضوح بواسطة صورة الأشعة السينية، التي تظهر ضيق المسافة بين الفقرات المتجاورة نتيجة لاضمحلال الأقراص الغضروفية الفاصلة بينها. 

ونظراً لهذه التغيرات المصاحبة للالتهاب العظمي المفصلي فإن حركة مفاصل العمود الفقري تصبح خشنة مفتقدة لليونة، وهذا يؤدي للتعب السريع بعد الحركة. 

 

ولذلك يصبح الشخص في هذه الحالة أكثر عرضة لألم أسفل الظهر إذا أجهد عموده الفقري في أداء بعض الأعمال التي قد تكون مناسبة لغيره. 

ونود أن نشير هنا إلى أن هذه التغيرات، على الرغم من ارتباطها أساسً بالتقدم في السن، قد تظهر في سن مبكرة نسبياً. 

ويرجع السبب غالباً – في هذه الحالة – إلى تعرض المفصل لأذى متكرر ولو بصورة بسيطة، وأبسط مثال على ذلك ما يحدث للأشخاص الذين يقومون بأعمال مكتبية تتطلبك كثرة الالتواء والانحناء في أوضاع مغلوطة فترة طويلة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى