العلوم الإنسانية والإجتماعية

كيفية تشجيع الأطفال على الإبداع

1995 نساء مخترعات

الأستاذ فرج موسى

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الأطفال الإبداع كيفية تشجيع الأطفال على الإبداع العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

يشبه الأطفال البذور؛ من حيث حاجتها إلى الماء والشمس لكي تنمو؛ وذلك من أجل مساعدتها على الإبداع والتطور والازدهار.

وباختصار، فإن الأطفال يحتاجون بصفة مستمرة إلى الحافز، من مرحلة الروضة مرورا حتى المرحلة الثانوية. ولكن ما المشكلة التي تعترضهم، وما الحافز الذي يستحثهم؟

إن أول مشكلة تواجههم، هي تلك التي تتعلق بالبيئة العامة للبلدة التي يعيش فياه الأطفال والشباب. فهل تثير تلك البيئة الإبداع لدى هؤلاء الاطفال وتغذيها؟

 

وهل تجيز تلك البيئة الأفكار الجديدة والمتباينة وتشجعها؟ في الحقيقة، إن هذه تعد أسئلة ضخمة لا يمكن الإجابة عنها في سطور قليلة.

والمشكلة الثانية هي أنه ليس كافيا – كما يعتقد البعض – زيادة المعرفة التكنولوجية لدى الشباب. بل والأكثر أهمية هو إدخال التعديلات اللازمة على المنظومات التربوية، بحيث يتوافر فيها المثير والحافز نحو التفكير الإبداعي والابتكاري.

ولهذا فإن التعليم يجب أن يقوم على كيفية اكتشاف المعرفة، وتنمية الاتجاهات النقدية، أكثر من الامتصاص السلبي للمعرفة. وهذه القاعدة يجب تطبيقها على جميع التخصصات.

 

ولسوء الحظ، إن العملية التعليمية في جميع مدارس العالم عادة ما تبنى على قدرة الطفل على التذكر، فنجد أن أعلى الدرجات غالبا ما تعطى إلى هؤلاء الذين يدرسون دروسهم جيدا!! أما التلميذ الذي يبرز عنده الجانب الإبداعي، أحيانا ما ينظر إليه على أنه مصدر إزعاج في الفصل.

ولهذا السبب، فقد قرر بعذ التربويين تشجيع الابتكار والإبداع بعيدا عن النظام المدرسى. فنجد أن الأندية العلمية التي تفتح أبوابها للشباب, في الدول المختلفة، قد أصبحت المتنفس الذي يستطيع من خلاله الشباب إطلاق العنان لأفكارهم وخيالهم.

ففي الوطن العربي، على سبيل المثال، نجد النادي العلمي الكويتي – الذي تأسس في عام 1974- هو من أبرز الأمثلة الحية والفعالة لهذا النوع من المؤسسات العلمية.

 

كما أن معارض العلوم للشباب تعد أيضا مفيدة، وفي هذا الصدد، نجد مؤسسة العلوم الكندية للشباب تقول:

"إن التعليقات التي كتبها الطلبة في هذا المجال تدعم فكرة معارض العلوم وتؤيدها كوسيلة تعليمية مفيدة ومثيرة.

فهي توفر الأصدقاء، والشعور الجميل بأنك لست وحيدا في مجال اهتمامك بالعلم والعلوم. كما أن هناك زيادة في المعرفة العلمية، وإدراكا لأهميتها، ورضا عن التجارب المباشرة، والتي عادة لا تيحها المدرسة.

 

فالمحكمين الذين تقابلهم، وفرص العمل التي تفتح لك، وغير ذلك من الأمور التي يفتقدها الشباب في المدارس، تصبح متاحة لهم في معارض العلوم".

كما أننا نجد أن بعض النوادي العلمية، ومعارض العلوم تفتح أبوابها فقط لطلاب المرحلة الثانوية، التي يتم تدريس العلوم فيها. أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 وحتى 12 سنة فيتم إهمالهم.

ومرة أخرى نؤكد أنه لا يوجد عمر محدد لتدريس التفكير الإبداعي، بل يمكن أن يكون من المفيد جدا البدء في تدريسه في سن مبكرة أفضل. ودعنا نلقي نظرة على تجربة بعض البلاد في هذا المجال.

 

 ففي اليابان، يقوم معهد اليابان للاختراع والابتكار (JIII) بتنظيم مسابقة سنوية، حيث يتاح للأطفال الاختيار بين موضوعين :

1- اتباع موضوع السنة الذي تحدده الجهة المنظمة للمسابقة (مثل اختراع معدات أمان يتم استخدامها في حياتنا اليومية، أو مواد للاستخدام في المجال التربوي).

2– أو يقوم الأطفال باختيار موضوعهم بحرية تامة. وفي كلتا الحالتين فإن الطفل المخترع مطالب بتقديم نموذج الاختراع، بالإضافة إلى التصميم الخاص به.

 

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأطفال الذين يشاركون في مسابقة الاختراعات التي تنظمها المجلة الدورية الشهيرة (القاريء الأسبوعي Weekly Reader)، والتي يتم توزيعها على المدارس الأمريكية منذ عام 1928، فهم غير مطالبين بتقديم نموذج الاختراع.

بل يكتفي بتقديم رسم أو صورة لدخول المسابقة، والهدف من ذلك هو استثارة التفكير الإبداعي بين جميع الطلبة في الفصل، بحيث يصبحون جميعا منغمسين في عملية الاختراع، إما بمفردهم أو بشكل جماعي، وبعد ذلك يقوم الفصل باختيار أفضل الاختراعات التي ستمثلهم فيما بعد في تلك المسابقة القومية.

 

ومرة أخرى نعود إلى اليابان، فنجد أن الطفولة المبكرة تلقى العناية الازمة لكل من الأولاد والبنات، فبعض الأطفال يكونون صغارا جدا، بدرجة لا يمكنهم معها صناعة نموذج لاختراعاتهم، لهذا يكتفي بتقديمهم رسما على الورق لتلك الاختراعات.

ومثال على ذلك، "حقيبة الكتب المدرسية ذات المظلة الآلية"، التي اخترعتها الطفلة "ناهو فوكوي Naho Fukui" البالغة من العمر ثمانية أعوام فقط. (انظر الرسم)

 

وفي هولندا تم الإعلان عن مسابقة، لأول مرة في عام 1990، للأطفال حتى الثالثة عشرة من عمرهم. حيث كانت المسابقة عبارة عن تقديم حلول – بواسطة الكتابة والرسم والتوضيح – لإحدى المشاكل الخمس التالية :

1- كيف تنظف أسنان الأسد؟

2– اخترع آلة للمرح.

3- اخترع آلة يمكنها أن تلاطف أو تمر برفق على شعر حيوانك الأليف عندما تكون بعيدا عن المنزل.

4- كيف يمكنك أن تحصى بسرعة عدد الشعر في رأس إنسان؟

5- كيف تستطيع قراءة كتاب في الحمام، أو تحت الدش، بدون أن يتبلل؟

 

وقد تلقى منظمو المسابقة نحو 6000 حل من البنين والبنات!! حيث بلغت الجوائز الممنوحة للبنين 60%، والجوائز الممنوحة للبنات 40% وكان من بين الجوائز الخمس الأولى ثلاث منها للبنات.

وهذا يعيدنا إلى موضوع البنات بصفة خاصة.

فيبدو أنه لا يوجد أي اختلاف بين البنات والبنين فيما يتعلق بمجال الإبداع حتى سن العشارة، عندما تدرك البنات أنهن "بنات فقط".

 

فيبدأن في الشعور بالنقص في الثقة في أنفسهن، بينما تزداد ثقة البنين في أنفسهم، خاصة عندما يتعاملون مع المعدات، والآلات, والأمور الفنية، وما شابه ذلك.

وفي الأماكن التي يختلط فيها البنون والبنات، نجد أن البنين يميلون إلى السيطرة، فيطلبون المزيد من العناية والاهتمام، وللأسف يحصلون عليها.

ونتيجة لذلك تلتحق أعداد قليلة من البنات بأندية العلوم. وفي هذا الخصوص يقول مر تربوي هولندي: "إن للمشكلة جانبين، أحدهما اجتماعي، والآخر نفسي.

أولا: إننا نجد في الأسرة، أن الوالدين لا يرون في بناتهم شخصية الفنيات أو العالمات. وثانيا: حتى إذا أقر الولدان بعكس ذلك، فإن ابنتهم غالبا ما تتأثر برأي زميلاتها في المدرسة اللاتي يقلن لها: لا تكوني سخيفة، فإن هذا العمل ليس لنا".

 

إن هذا الأمر حقيقي وواقعي، خاصة فيما بين الأعمار من 13 إلى 14 سنة، والتي تُعد أعماراً حرجة. فالبنات لا يشعرن بالراحة والاسترخاء بسبب وجود البنين.

وبما أن المنافسة تلعب دورا مهما في أندية العلوم، فإن البنات لا يكن مستعدات للتنافس مع البنين. فهن يخشين من أن تكون المقارنة في غير صالحهن.

ومراعاة لهذا كله شكلت في هولندا عام 1986 منظمة تسمى "Technical 10". وهدفها، هو إقامة نوادي علوم للفتيات وحدهن فيما بين سن العاشرة والثانية عشرة.

 

وترمي المنظمة – التي تديرها النساء- إلى التأثير على اختيار الفتيات قبل الالتحاق بالمدرسة الثانوية. وتقول لى مديرة المنظمة : "Technical 10" تجد البنات أنفسهن في بيئة آمنة من نفس الجنس، ويمكنهن بناء ثقتهن في أنفسهن.

وتضيف، إن البنات يبدين لها أنضج من البنين، "فالبنين عادة ما يشعرون بالمتعة عندما تنفجر الأشياء، ويصدرون الكثير من الضوضاء، ويدخنون، في حين ترى الفتيات في كل ذلك أمرا سخيفا".

وخلال سنوات قليلة تم إنشاء 100 ناد للهواة من البنات فقط، في 40 مدينة هولندية. وعمل فتيات منظمة "Technica10" تنحصر في الأخشاب، والمعادن، وإصلاح الدراجات، ودراسة التصوير، والكهرباء، والكمبيوتر، تماما كالبنين.

 

وجدير بالذكر أن النادي العلمي الكويتي أنشأ منذ عام 1986 فرعا خاصا للفتيات فوق سن التاسعة، كي تمارسن فيه هواياتهن في جو ملائم. وبعد عام واحد من تأسيس هذا الفرع أصبح عدد الفتيات المنتسبات إليه 591 عضوة.

أما اليوم فقد بلغ 870 عضوة. ويضم فرع الفتيات أقساما في مجالات العلوم المختلفة، مثل، الكيمياء، الزراعة، البيئة، الإلكترونيات، الكمبيوتر، الخ. وفي عام 1993 افتتح النادي العلمي الكويتي مقرا خاصا لفرع الفتيات بجوار المقر الرئيسي.

أما الفتيات الصغيرات (ابتداء من سن الخامسة) فهن ينتمين إلى فروع النادي الخاصة بالعلماء الصغار من الجنسين.

 

وقد كانت تجربة النادي العلمي الكويتي قدوة للنادي العلمي القطري، الذي قرر في عام 1993 إنشاء فرع للفتيات، إيمانا بدور الفتاة وأهميتها في بناء مجتمع حديث ومتطور.

وهناك صعوبة أخرى تواجه البنات، وهي افتقادهن للمثل والقدوة. فالكتب المدرسية، وكتب تبسيط العلوم لا تقدم إلا نماذج من الرجال لا تتعرف البنات على أنفسهن فيها.

والكتاب الذي بين يديك يحاول ملء هذه الفجوة، وذلك بتصوير النساء المخترعات، سواء من الحاصلات على جائزة نوبل، أو العالمات، أو ربات البيوت، أو مجرد طالبات في المدرسة.

 

إنني أرفض بشدة تلك الفكرة المسبقة القائلة بأن النساء غير موهوبات لدراسة الموضوعات الفنية والتطبيقية.

والدليل على ذلك، أن التجربة في بلاد عديدة قد أثبتت أن النسبة المئوية للفتيات المشاركات في مسابقات الاختراعات يزددن عاما بعد عام.

ففي فنلندا، وخلال 7 سنوات، ارتفعت النسبة إلى 39% وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مرور ثلاث سنوات من الإعلان عن مسابقة الاختراعات السابق الإشارة إليها، ارتفعت نسبة المشاركات من الفتيات لتصبح 49%.

 

وفي السويد، عندما بدأت مسابقة الطلبة في عام 1979، كانت نسبة المشاركات من الفتيات 12% فقط، وبعد مرور اثني عشر عاما ارتفعت النسبة لتصبح 53%!

الخلاصة: إنني أستطيع أن أعلن بكل صدق وأمانة، وبعد عملي ودراستي لهذا الموضوع على مر سنوات كثيرة، أن الإبداع والابتكار لا يعرف حدودا أو عمرا أو جنسا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى