شخصيّات

نبذة عن حياة السيدة “فيكتوريا كوفاليفسكايا” وعلاقتها بالمناجم

1995 نساء مخترعات

الأستاذ فرج موسى

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

السيدة فيكتوريا كوفا ليفسكايا المناجم شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

ثمة صورة ستظل مطبوعة في ذاكرة "فيكتوريا كوفا ليفسكايا Victoria Kovalevskaya" : مشهد حدث في أحد مناجم الفحم تحت الأرض، حين رأت فيكتوريا، وهي في الثانية عشرة من عمرها أباها يجري عملية بتر ساق أحد عمال المناجم.

لقد قدم والد ((فيكتوريا)) . وهو جراح متخصص في الجراحة الرضية وتجبير العظام الكثير لضحايا حوادث المناجم في هذا الجزء من أوكرانيا المليئة بالمناجم.

وكان على ابنته أن تقضي حياتها بأسرها في المنطقة، ومنها أكثر من أربعين عاما في معهد دونتسيك للمناجم.

 

وكان مقدرا ((لفيكتوريا)) أن تتبع – كخريجة للعلوم التقنية – خطا والدها بطريقتها الخاصة؛ وكرست حياتها لخدمة عمال المناجم، الذين يدين كثير منهم بحياته لأجهزة التهوية التي اخترعتها.

فمن المعروف أن كميات كبيرة من غاز "الميثان" وغيره من الغازات الضارة توجد عند فتحات المناجم، ويمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 30 درجة مئوية.

ومن الضروري، لكي يتمكن العمال من التنفس والعمل في ظروف محتملة، أن يتزودوا على الدوام بالهواء النقي.

 

وتبدو أهمية وجود أجهزة تهوية يعتمد عليها واضحة، إذا عرفنا أن بعض السراديب تمتد عشرات الكيلومترات بعيدا عن فتحات التهوية.

وعبر حياتها المهنية الطويلة – التي انتهت بها إلى منصب كبير المصممين – كانت حياة عشرات الآلاف في يدها، إذ يدين لها عمال المناجم بأكثر من خمسين نوعا مختلفا من أجهزة التهوية، التي استمرت تتزايد كفاءة وتتطورا.

ومع أن "فيكتوريا كوفا ليفسكاتيا" قد كتبت 149 دراسة علمية، منها ثلاثة كتب، فإنها لا تقضي يومها خلف أحد المكاتب أو لوحات الرسم، بل ترتدي (الأفرول)، وتحمل معدات الأمان حول خصرها، وتلبس حذاء طويلا، وتضع، خوذة ومصباحا على رأسها، وتهبط مع الآخرين إلى باطن الأرض، حتى عمق مئات الأمتار، بل حتى عمق يزيد عن الألف متر.

 

وأحيانا ما يتردد مهندسوها وفنيوها في مصاحبتها في جولاتها التفتيشية، حيث يضطرون إلى الزحف على أربع في الأماكن التي يصعب الوصول إليها: وتقول فيكتوريا ساخرة: "إذا كان رجالي يجدون من الصعب عليهم أن يتبعوني، فإن الخطأ خطأهم".

ثم تضيف ضاحكة، وهي التي ولدت في عام 1925 منذ أكثر من ستين عاما: "إنهم حفنة من الكسالى، ينسون أن يؤدوا تمارينهم الرياضية كل صباح".

غير أن هناك رجالا آخرين في حياة هذه المخترعة، رجالا لا يتبعونها، بل سبقوها ودعموها، ومنهم على سبيل المثال، أستاذها في مدرسة التصميم الهندسي، الذي قال لها ذات يوم عبارة لن تنساها أبدا: " لا تخافي من بداية مشاريع تبدو أكبر منك أبدا!".

 

كما كان دعم زوجها "فيتولدوفيتش باك"، رئيس قسم الرياضيات والديناميكا الهوائية بمعهد دونتسي الهندسي أمرا جوهريا بالنسبة لها.

وتقول عنه ((فيكتوريا)): "إنه مجنون بالرياضيات، وهو يترك كل ما في يده إذا طرأت له فكرة وأراد أن يختبرها في الحال".

وذات يوم وهو يربط ربطة عنقه استعداد إلى الذهاب للأوبرا – فالزوجان يهيمان بالموسيقى – جلس فجأة، وأخرج قلمه، واستدار إلى زوجته قائلا: "سأثبت لك رياضيا خطأ الفكرة القائلة أنه كلما زاد عدد ريش المراوح في جهاز التهوية زاد التعرض للخطر!".

 

ولا تخفي ((فيكتوريا)) أبدا أن مناقشتها وحسابات زوجها؛ وخياله كانت وراء أكثر من نصف اختراعاتها. والحق أن اسم "فيتولدوفيتش باك" يظهر في كثير من براءات اختراعات زوجته.

ولما كان "العِرْق دسّاساً" فإن "مرجريتا" – إحدى ابنتيهما- استجابت للنداء نفسه، وأصبحت – كأمها – مهندسة مناجم.

وقد حصلت "فيكتوريا كوفا ليفسكايا" عن اختراعاتها وابتكاراتها على عديد من الجوائز، ومنها جائزة الدولة في الاتحاد السوفيتى (سابقا) عام 1981.

 

غير أن الجائزة التي تعتز بها أكبر الاعتزاز، هي ميدالية حفرت عليها عبارة، "مفخرة عمال المناجم" ، وهي رمز لما تشعر به المخترعة في أعماق قبلها.

وتعترف ((فيكتوريا)) بأن أفكارها تتملكها تماما : "عادة ما تأتيني أفضل أنواع الحدس في الصباح الباكر، في الفترة التي تقع بين النوم واليقظة، شأني شأن الممثل أو الكاتب الذي تسيطر عليه شخصياته.

واختراعاتي لا تغادر عقلي الواعي أو عقلي الباطني أبدا، كما أن أجهزتي تبدو لي شبيهة بأولادي إلى حد ما، ومع أنهم يستطيعون التصرف وحدهم، فإنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من متابعتهم عن بعد، ومن القلق عليهم".

 

وهذه العبارة الأخيرة هي عبارة نسائية تماما تسمع في عالم شاق، عالم للذكور والبيروقراطيين، بل عالم صعب حتى بالنسبة لأمرأة ألمعية ذات خيال خصب.

حقا، إن فيكتوريا كوفا لفيسكايا هي المرأة الوحيدة في الاتحاد السوفيتى (سابقا) التي شغلت منصب كبير المصممين في صناعة ثقيلة.

وهذا هو السبب في أنها لم تقابل أي أمرأة أخرى في اجتماعاتها رفيعة المستوى، وتقول ضاحكة: "لقد بحثت عنهن، لكنني لم أجد أي واحدة منهن".

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى