البيئة

دور الكائنات الحية في إحداث “الاتزان البيئي”

1987 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الأول

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الكائنات الحية الاتزان البيئي البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

إننا لا نعيشُ وحدَنا في هذه الأرض، بل يعيشُ معنا ملايينُ من أنواع النباتِ والحيوان. بعضُها يعيش حولَنا، وبعضُها يعيش بعيداً عنَّا، بعضُها يعيش في البر وبعضُها يعيش في الماء،

بعضها صغيرٌ لا نراه إلا بالمِجْهر وبعضها كبيرٌ نراه بأعيننا، بل قد يكون أكبرَ منَّا حجماً. وكلُّ نوع من هذه الأنواع محتاجٌ إلى غذاء حتى ينموَ وحتى يحصلَ على الطاقة اللازمة لحياتِه وكلِّ نشاطٍ يقوم به.

والشمسُ هي مصدر الطاقةِ لجميع الأحياء، ولكنَّ النباتات وحدَها هي القادرةُ على أن تستفيدَ من طاقةِ ضوء الشمس استفادةً مباشرة. 

فهي تستخدم هذه الطاقةَ في صنع أنواع السكر و النَّشَا، و السليولوز، و البروتين و الزيوت النباتية، وتبْني من هذه المواد أجسامَها . وكلُّ هذه المواد تَخْتِزُن الطاقة في جزيئاتها.

 

أما الحيواناتُ فإنها تعتمد في غذائها على النبات، فمنها ما يأكل النباتات، كالأرانب والأبقار، ومنها ما يأكل هذه الحيوانات، كالنسور والثعالب والذئاب.

وتحصل الحيوانات على ما يلزمها من طاقةٍ بهضم ما تأكلُ ثم حَرْقِه في داخل أجسادها، فتنطلق من الغذاء المحترق الطاقةُ التي كان النباتُ أصلاً قد تَصَيَّدَها من ضوء الشمس واختزنها فيما صَنَع مِنْ مواد.

ومعظمُ الكائنات الحية محتاجٌ إلى الهواء، وهي جميعاً محتاجةٌ إلى الماء الذي تحصل عليه مباشرة، أو بأكلها نباتات وحيوانات فيها ماء.

 

وكلُّ كائن حي محتاجٌ أيضاً إلى مكان ليُثَبِّتَ فيه جذورَه وتَنْبُتَ فيه بذورُه إن كان نباتا، أو ليرعى فيه أو يصطادَ، ويربِّيَ صغارَه إنْ كان حيوانا. والبيئةُ هي المكان الذي يحيا فيه الكائن، ويجد فيه مقوماتِ حياتِه من هواء وماء وغذاء ومجال يمارس فيه نشاطه.

وفي كلِّ بيئة من البيئات عددٌ من أنواع النبات والحيوان التي تستطيع الحياة  في تلك البيئة. ولا بدَّ أن تقوم علاقات مختلفة بين هذه الأنواع.

ففي برْكة ماء، مثلاً، تختزن الطحالبُ الدقيقة والنباتاتُ المائية الأخرى طاقةَ الشمس وتبني موادَّ الغذاء، وتأكلُ اليرقاناتُ والحيوانات صغيرةُ الأحجام الطحالبَ ثم تصبحُ بدورها طعاماً لصغار الأسماك

 

أما الأسماك الأكبرُ حجماً فإنها تأكل النباتاتِ المائيةَ وصغارَ الأسماك، ثم تصبح هي بدورها طعاماً لأسماك أكبر، وهكذا.

وتلتقط الطيورُ البحريةُ بعضَ الأسماك، وكذلك يصيدُها الانسان ليأكلَها. وكلُّ الكائنات الحية التي تموت في البركة تحللها البكتيريا فتتحول إلى مواد غذائية بسيطة تذوب في الماء فتنتفع بها الأحياءُ التي تعيش فيه.

وكذلك الطيورُ والناس الذين أكلوا الأسماك مصيرُهم إلى الموت، ودَفْنِ أجسامهم في التربة فتحللها البكتيريا أيضا. وهكذا ترى أن الكائنات تتابع في غذائها وكأنها حَلْقاتٌ في سلسلة يطلق عليها اسم سلسلة غذائية. مثل :

طحالب   يرقانات  أسماك صغيرة  أسماك أكبر .

 

وكذلك في بيئة البر تتغذى على النباتاتِ كائناتٌ كبعض الحشـرات والطيور آكلة الحبوب كالدجاج، والفئران والسناجب والأرانب.

والحشرات آكلةُ النباتات تصبح طعاماً للحشـرات المفترسة والعناكب. وهذه تصلح طعاما للطيور آكلةِ الحـشرات، وهذه بدورها تبتلعُها الثعابينُ. أمَّا الثعابينُ فيفترسها الصقورُ والبوم. والحـشـراتُ آكلةُ النبات

وآكلةُ الحشـرات تصيدها الضفادع، والضفادعُ تبتلعها الثعابينُ. كذلك نحن نرى، من ناحية أخرى أن الثعالبَ وغيرَها من آكلاتِ اللحم تأكلُ الطيورَ والفئرانَ والسناجيب والأرنب،.

وهكذا نرى أن هناكَ سلاسلَ غذائية متعددة، وأن من الحيوانات ما هو آكل ومأكول، ومنها ما يأكله أكثر من حيوانٍ مفترس، ولذلك نسمي هذه السلاسل المختلطة "شبكة غذائية".

 

والنباتات هي أكثرُ ما في الشبكة عدداً لأنها أساسُ الغذاء لكل ما فوقَها، وكُلَّما صعدنا في درجاتِ سلاسلِ الشبكة وجدنا أنواعاً من الحيوانات أكبرَ حجما وأفرادُها أقلُّ عددا.

ففي قسمٍ من الغابة قد نجد، مثلاً، ثعلبيْن أو ثلاثة ونحوَ مئة أرنب ومِئَتْي فأر وعدداً كبيراً من الحشراتِ ونباتات وفيرة.

وتظل هذه النسبُ ثابتة تقريباً، قد تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً في بعض المواسم أو السنين، ولكنها سرعان ما تعود إلى نسبها المعتادة.

 

ومعنى هذا أن هذه المجموعةَ من الكائناتِ تعيشُ في اتزانٍ بيئي، ولذلك فهي كلُّها تستطيعُ الحياةَ في بيئتها المشتركة.

ولو تَصَوَّرْنا مثلاً أن الحيواناتِ المفترسة قد قتلَها الصيادون، فإن الحيوانات آكلةُ النباتات سوف تزدادُ أعدادُها كثيراً فتأكل النباتاتِ كلَّها، ومن ثم تموت جوعاً وتفني الشبكةُ كلُّها.

ولو ماتتْ الضفادعُ والطيورُ آكلة الحشـرات تفنى معظمُ الثعابين، فتكثر الحشـراتُ العناكبُ.

 

وهكذا، فأي خلل في حَلْقة من إحدى السلاسل سوف يُحدث آثارَه الضارة في معظم الشبكة الغذائية أو فيها كلِّها.

ولو أَنَّ نوعا عاش وحدَه في بيئةٍ مناسبةٍ له، لتكاثر حتى زادت أعدادُه لتغطِّيَ سطح الأرض ثم يفني. خذ مثلاً ذكراً واحداً وأنثى واحدة من الذبابة المنزلية، سوف تضع الأنثى 120 بيضة، ولو قُدِّر لهذا البيضِ كلِّه وذرياتِه كلِّها أن تبقي إلى أربعة أجيالٍ فقط، لبلغ عددها نحو 26 مليون ذبابة.

وهذا رقم هائل نتج في زمن قصير (ويمكنك أن تتحقق من الرقم بعملية حسابية بسيطة). ولكنَّ هذا لا يحدثُ أبداً في الطبيعة، فكثيرٌ من البيض لا يفقس، وكثيرٌ من الذباب تفترسُه العناكب والضفادع والسحالي والطيور.

 

والتوازن البيئي لا يصاب عادةً بأي خَلَلٍ في الطبيعة، ولكن هذا الخلل يحدث بفعل الإنسان. والأمثلة كثيرة، ولكن القصةَ الآتية تكفي.

منذ بضع سنوات شَنَّتْ هيئة الصحة العالمية حرباً بالمبيداتِ الحشرية على البعوض الناقل لمرض الملاريا الوبيل في قرى بورنيو بماليزيا. وفعلاً نجحت الحملة وقضـى على البعوض وتخلصت تلك القرى من الملاريا.

ولكنْ بعد شهور فوجئ السكانُ بازديادٍ هائل في عدد الجرذان التي أخذتْ تلتهمُ محاصيلَهم وطعامَهم وتهددهم بانتشار مَرَضْين خطيرين جداً، وهما الطاعون وحمى التيفوس! ولكن كيف حدث هذا؟

 

أتضح أن السبب هو أن المبيدات الحشرية قد سَمَّمَتْ الصراصيرَ أيضاً، ثم أَكَلَتْ الأبراصُ الصراصيرَ المسمومة، ثم افترست القططُ الصراصيرَ والأبراص فتراكمت في أجسامِها السمومُ فماتَتْ. وهنا كَثُرَتْ الجرذان.

ولحلِّ هذه المشكلة الجديدة استخدموا سلاح الطيران لإسقاط عددٍ كبير من القطط بالمظلات في أنحاء متفرقةٍ من القرى. وهكذا عاد إليها الاتزان والأمان.

وقد يُفسد الإنسانُ التوازن البيئي بطريقتين أُخْرَيَينْ، وهما زراعة نبات واحد في حقول واسعة، أو إدخال حيوانات غريبة على البيئة. وفي الحالتين تنشأ آفات مقلقة مخربة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى