شخصيّات

نبذة عن حياة القائد “طارق بن زياد”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

القائد طارق بن زياد شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

وُلِدَ طارِقُ بنُ زِيادٍ سَنَةَ 50هـ: 670م، وهو بَرْبَرِيٌّ من قبيلَةِ نفزةَ في شمالِ إفريقيا. وكانَ طويلَ القامَةِ، ضَخْمَ الهامَةِ، أَشْقَرَ اللَّوْنِ.

أَسْلَمَ عَلَى يَدِ القائِدِ المسلمِ موسَى بنِ نُصَيْر الّذي أُعْجِبَ بِجُرْأَةِ طارِقِ بنِ زِيادٍ وشجاعَتِهِ، فَأَصْبَحَ مولاهُ المُقَرَّبَ مِنْهُ.

وكانَتْ بلادُ المَغْرِبِ، بعدَ أنْ فَتَحَها موسَى بنُ نُصَيْرٍ في الفَتْرَةِ بينَ 86 و92هـ: 705 – 711م، الجِسْرَ الّذي لابُدَّ أنْ يَسْلُكَهُ المُسلمونَ إلَى الأَنْدَلُسِ.

 

وكانَ يحكمُ سَبْتَةَ وَقْتَها ليليانُ النَّصْـرَانِيُّ، نائِبُ الحُكْمِ القُوطِيِّ الغَرْبِيِّ في المدينَةِ، والّذي كانَ مُعاديًا لمَلِكِ القُوطِ الغَرْبِيِّينَ الّذينَ كانوا يَحْكمونَ أسبانْيا منذُ القرنِ الخامِسِ الميلادِيِّ. وكانَ مَلِكُهُم في ذَلِكَ الوقْتِ لذريق.

وبَعْدَها كتبَ القائدُ موسَى بنُ نُصَيْرٍ إلَى الخليفَةِ الوليدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ يَسْتَئْذِنُه في فَتْحِ الأَنْدَلُسِ، فأجابَه الخليفةُ بالمُوافَقَةِ علَى أنْ يَتِمَّ ذَلِكَ علَى مراحِلَ، حتَّى لا تَقَعَ للقُوَّاتِ الإسْلامِيَّةِ كارِثَة في البَحْرِ. وقَدْ نَفَّذَ القائِدُ موسَى بنُ نُصَيْر أوامِرَ الخليفةِ الوليدِ بنِ عبدِ المَلِكِ بِدِقَّةٍ وحِرْصٍ.

فأَرْسَلَ كتيبةً اسْتِطْلاعِيَّةً بقيادَةِ طَريفٍ عادَتْ بالبَشَائِرِ والغَنائِمِ، مِمَّا شَجَّعَ القائدَ موسَى بنُ نُصَيْرٍ علَى إتمامِ عَمَلِيَّةِ الفتحِ.

فَجَهَّزَ حملةً كبيرةً عَدَدُها سَبْعَةُ آلافِ مُحارِبٍ مِنَ البَرْبَرِ وثلاثُمِئَةٍ من العَرَبِ بقيادَةِ مولاه الفارِسِ الشُّجاعِ طارِقِ بنِ زيادٍ.

 

غَادَرَتْ الحَمْلَةُ طنجةَ في 5 من رَجَب سنة 92هـ: أبريل – نيسان سنة 711م في أَرْبَعِ سُفُنٍ كبيرةٍ نَقَلَتْ هؤلاءِ المُحارِبينَ إلَى جَبَلٍ جنوبَ أَسبانْيا كانَ يُعْرَفُ باسْمِ جبلِ كَالْبِي، ثُمَّ أَصْبَحَ يُعْرَفُ حتَّى الآنَ بِجَبَلِ طارِقٍ. فَلَمَّا تَمَّ نَقْلُ جميعِ المحاربينَ تَجَهَّزوا لاقْتِحامِ الأَنْدَلُس.

ويقالُ إنَّه في اللَّيْلَةِ الأَخيرَةِ عِنْدَما كانَ طارِقُ بنُ زِيادٍ نائِمًا في السَّفينَةِ رَأَى في مَنامِهِ رَسولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، والخُلفاءَ الرَّاشِدينَ، فَعَدَّ هذا الحُلم بَشيرَ خَيْر.

وعِنْدَما عَلِمَ المَلِكُ القُوطِيُّ الغَرْبِيُّ اقْتِحامَ المسلمينَ للسّاحِلِ الجنوبِيِّ للأَنْدَلُسِ، واستيلائِهم علَى الجزيرَةِ الخَضْراءِ انْزَعَجَ كثيرًا، وتَحَرَّكَ نَحْوَ جنوبِ الأَنْدَلُسِ في جيشٍ كبيرٍ عدَدُه نحوُ مِئَةِ ألفِ مُحارِبٍ وعُدَّةٍ ثقيلَةٍ.

 

فبادَرَ القائِدُ طارِقُ بنُ زِيادٍ بالكِتَابَةِ إلَى والِي إفريقيةَ موسَى بنُ نُصَيْر يطلبُ إمداداتٍ حربيَّةً فأَرْسَلَ لَهُ موسَى بنُ نُصَيْر خَمْسَةَ آلافِ مُحارِبٍ. فأصبَحَ مجموعُ عَسْكَرِه إثنا عَشَرَ مُحاربًا من المُسْلِمينَ المُتَحمِّسينَ لِلْجهادِ والشَّهادَةِ في سبيلِ الفَتْحِ الإسْلامِيِّ.

جَمَعَ طارِقُ بنُ زِيادٍ جيشَهُ في وادٍ خِصْبٍ يُسَمَّى وادِي كله، مُحَصَّنٍّ طبيعِيًّا منَ الجانِبَيْنِ، ثمَّ قامَ بإحْراقِ السُّفُنِ الأَرْبَعِ الّتي نَقَلَتْهُم إلَى الأَنْدَلُسِ حتَّى يَعْلَمَ الجميعُ أَنَّه إمَّا الفَتْحُ وإمَّا الشَّهادَةُ.

وقالَ عِبارَتَه الشّهيرَةَ: «أيّها النّاسُ، أَيْنَ المَفَرُّ؟ البَحْرُ مِنْ وَرائِكُم والعَدُوُّ أمَامَكُم ولَيْسَ لَكُم واللهِ إلاَّ الصِّدْقُ والصَّبْرُ، واعْلَمُوا أَنَّكُم في هذهِ الجَزيرَةِ أَضْيَعُ مِنَ الأَيْتامِ في مَأْدُبَةِ اللِّئام». فازْدادَ المحاربونَ حَماسًا للجِهادِ في سبيلِ نَشْرِ الدَّعْوَةِ الإسْلامِيَّةِ.

 

وأَقْبَلَ الملكُ القوطِيُّ الغَرْبِيُّ لذريقُ في جَيْشِهِ الكبيرِ، جالِسًا علَى عَرْشِهِ المُزَيَّنِ بالجواهِرِ الثَّمينَةِ. ووَقَعَتْ المَعْرَكَةُ الكَبيرَةُ، وكُسِرَ العَسْكَرُ القُوطِيُّ الغربِيُّ كَسْرَةً كبيرَةً، وقُتِلَ لذريقُ في المَعْرَكَةِ. واسْتَمَرَّ الزحفُ الإسْلامِيُّ نحوَ أشبيليةَ وأستجةَ وقُرْطُبَةَ ومَلَقَّةَ وطُلَيْطِلَةَ عاصِمَةِ الأَنْدَلُسِ.

ثُمَّ توجَّهَ الجيشُ الإسلامِيُّ بقيادَةِ طارِقِ بنِ زِيادٍ إلَى والِي إفريقيةَ موسَى بنُ نُصَيْرٍ بهذهِ الانتصاراتِ والغَنائِمِ الكثيرَةِ الّتي غَنِموها. فكتبَ موسَى بنُ نُصَيْرٍ بِدَوْرِه إلَى الخَليفَةِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ يُخْبِرُهُ بهذا الفَوْزِ العظيمِ في الأَنْدَلُسِ.

ولكنْ يبدو أنَّ تَوَغُّلَ طارقِ بنِ زيادٍ شمالاً في الأَنْدَلُسِ عَرَّضَ جُنْدَه للضَّعْفِ، كما أنَّ حشودًا قوطِيَّةً غَرْبِيَّةً كانَتْ تَرْصُدُ تَوَغُّلَهُ من الشَّرْقِ والغَرْبِ، فكَتَبَ إلَى موسَى بنُ نصيرٍ يَطْلُب المساعَدَة قائِلاً: «إنَّ الأُمَم قَدْ تَداعَتْ عَلَيْنا من كلِّ ناحِيَةٍ فالغَوْثَ … الغَوثَ».

 

جَمَعَ موسَى بنُ نصيرٍ جيشًا كبيرًا من العَرَبِ والبَرْبَرِ عَدَدُه ثمانيةَ عَشرَ أَلْفِ مُحارِبٍ وتَوَجَّهَ إلَى الأَنْدَلُسِ في رجب سنة 93هـ: أبريل – نيسان سنة 712م، واسْتَخلَفَ علَى القَيْرَوانِ وَلَدَه عَبْدَ اللهِ، وخَرَجَ مَعَهُ حبيبُ بنُ أبي عُبَيْدَة الفَهْرِيُّ.

وَصَلَ موسَى بنُ نُصَيْرٍ بعَسْكَرِهِ إلَى اسْتَرْقَةَ، والْتَقَى طارقَ بنَ زيادٍ في بَلْدَةِ طلبيرةَ. ووَبَّخَ موسَى بنُ نصيرٍ مَوْلاه طارِقَ بنَ زيادٍ علَى التَّوَغُّلِ في الفَتْحِ شَمالاً، فقالَ له طارِقُ بنُ زِيادٍ: «إنَّما أنا مَوْلاكَ، ومِنْ قِبَلِكَ، وهذا الفَتْحُ لَكَ». ثُمَّ حَمَلَ طارقٌ إلَى موسَى بنُ نصيرٍ كلَّ ما غَنِمَهُ من الغَنائِمِ والأَمْوالِ.

وبَدَأَ الاثْنان مَعًا يُخَطِّطانِ لاسْتِكْمالِ فَتْحِ الأَنْدَلُسِ. تَمَّ لَهُما فتحُ سَرَقُسْطَةَ سنة 96هـ: 714م. ثُمَّ ساروا نَحْوَ طَرْطوشَةَ وبَلَنْسِيَةَ وشاطِبَةَ ودانِيَةَ.

 

وكتبَ موسَى بنُ نصيرٍ إلَى الخليفَةِ الوليدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ يُبَشِّرُه بهذه الفتوحاتِ، كما أَرْسَلَ له جزءًا كبيرًا من الغنائِمِ.

وتَحْتَ قيادَةِ هَذَيْنِ البَطَلَيْنِ وَصَلَ الجَيْشُ الإسْلامِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى جِبالِ البَرَانِسِ الّتي تَفْصِلُ بَيْنَ أَسْبانْيا وفَرَنْسا، ثُمَّ عَبَرُوا هذه الجِبالَ الوَعْرَةَ الشاهِقَةَ إلَى فَرَنْسا.

وأَكْمَلَ المسلمونَ فيما بَعْدُ هذه الفُتوحاتِ إلَى تولوز سنة 103هـ: 721م، ثُمَّ أفينيون سنة 112هـ: 730م، ثُمَّ بُورْدُو.

 

وفي سَنة 96هـ: 714م وَصَلَ رسولٌ من الخَليفَةِ الأَموِيِّ أَبْلَغَ موسَى بنُ نُصَيْرٍ بضـرورَةِ العَوْدَةِ إلَى دِمَشْقَ. فعيَّنَ موسَى بنُ نصيرٍ وَلَدَهُ عبدَ العزيزِ بنَ موسَى بنِ نصيرٍ علَى الأَنْدَلُسِ، وغَادَرَها مَعَ طارِقِ بنِ زيادٍ إلَى دِمَشْقَ، ولكنَّهما عِنْدَما وَصَلاَ إلَى دِمَشْق كانَ الوليدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَدْ تُوُفِّيَ وتَوَلَّى الخِلافَةَ أخوه سليمانُ بنُ عبدِ المَلِكِ.

ويُرَجَّحُ أَنَّ طارِقَ بنَ زيادٍ أصبحَ بَعْدَ ذلِكَ مستشارًا في بَلاطِ الخليفَةِ سليمانِ بنِ عبدِ الملكِ.

وهكذا حَقَّقَتْ عبقريَّةُ طارِقِ بنِ زِيادٍ العَسْكَرِيَّةُ، مَعَ جُرْأَتِهِ وشَجاعَتِهِ وحَمَاسِهِ للجِهادِ في سبيلِ اللهِ تعالَى، فَتْحَ الأَنْدَلُسِ الّتي كانَتْ تاجَ الفُتُوحاتِ العَرَبِيَّةِ في أوروبا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى