الطب

نبذة تعريفية عن عملية “زراعة الأعضاء والأنسجة” وأهم المصاعب التي واجهتها

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

عملية زراعة الأعضاء والأنسجة مصاعب عملية زراعة الأعضاء والأنسجة الطب

زراعةُ الأعضاءِ والأنسجة عمليّةٌ يتمُّ فيها نَقْلٌ الأنسجة أو أعضاءٍ من شخصٍ ما إلى آخر، أو إلى الشخصِ نفسه، مع المحافَظَةِ على استمرار عَمَلِ ذلك النسيج أو العضوِ لوظيفتهِ بعد نقلهِ إلى بيئتهِ الجديدة في جسم المريضِ الذي أجريتْ لهُ عمليةُ الزَّرْع.

والأعضاءُ التي يجري زَرْعُها تشملُ: قَرنيَّةَ العين، والكُلْية، والقلبَ، والكبِدَ، والبنكرياسَ، والشَّعْرَ. كذلكَ يُجرِّبُ العُلماُء زَرعَ بعضِ خلايا المُخِّ لعلاجِ الشّللِ الرعّاش.

وتُؤخَذُ الأعضاءُ إما من أشخاصٍ مُتبرِّعين أحياء وإما من أشخاصٍ أوصَوا بالتّبّرّعِ بأعضائهم فَورَ حُدوثٍ الوفاةِ لهم.

 

وقد انتشَرَتْ زراعَةُ الأعضاءِ وأصبحَتْ وسيلةً لإنقاذِ حياةِ الآلافِ من البشرِ في معظم بُلدانِ العالم. وفي الولاياتِ المتحدةِ مثلاً يتمُّ إجراءُ أكثرَ من ثلاثين ألفِ عمليةٍ سنوياً.

وتدُلُّ الإحصاءاتُ على تحقيق نِسَبٍ عاليةٍ من النّجاح حتّى في زِراعةِ الأعضاء الرئيسية، مثلِ القلبِ والكَبِد، مع التّقدم المُذهلِ الذي وصلَ إليه الطبُّ حالياً.

كان زرعُ قرنية العين أولَ عملياتٍ زرعِ أنسجةٍ تمّتْ بنجاح، فقد بدأتْ منذُ أكثرَ من خمسين عاماً.

 

وساعد على نجاح هذه العمليةِ عدمُ تعرُّضِها لعملية الطَّرْدِ. (إذا إن الجسم لا يقبلُ وُجودَ أنسجةٍ أو أعضاءٍ أجنبيةٍ عنهُ فيُحاوِلُ التّخلُّصَ منها بواسطةِ جهاز المناعة، حتى لو كانت نافعةً له).

والسّببُ في عدم تعرُّضِ القرنيَّةِ للطّردِ هو عدمُ احتوائها على الدّمِ والكرات البيضاءِ والأجسام المضادَّةِ التي تقومُ بعمليةِ الطّرد.

كذلكّ يُعتبرُ رزعُ الكُليةِ من أوَّلِ وأهمِّ وأنجحِ عمليات زرعِ الأعضاء أيضاً. فقد نجحتْ زِراعةُ أوّلِ كُليةٍ من توْأمٍ لأخيه في بُوسطن في عام 1954؛ وكانت نِسبةٌ كبيرةٌ من العمليات لا تنجحُ بسبب الطّرد. و

 

في الستينيات استُعملَتْ مركّباتُ الكورتيزون وأدويةٌ أخرى لِتُعيقَ عملية الطرد، وبهذا تحسَّنت النتائجُ.

كما أدَّى اكتشافُ دواء السيكلوسبورين العائقِ للطّردِ واستعمالهِ في أوائل الثمانينيات إلى تحسُّنٍ كبيرٍ وملموس في نتائجِ عملياتِ زرعِ الأعضاء.

على الجانبِ الآخر، يتحتّمُ على المريض الذي تُجْرى لهُ عمليةُ زرعِ عُضوِ أن يتناولَ العقاقيرَ المانعةَ للطَّردِ والمُثَبِّطةَ للجهاز المناعيِّ طولَ عُمره.

 

هذا في حدِ ذاتهِ يُضعفُ مُقاومتهُ للأمراضِ ويجعلُهُ معرَّضاً وأكثر قابليّةً للإصابةِ بالعدوى، كما يزيدُ احتمالَ إصابته ببعضِ أورام الجهاز اللّمفاويّ الخبيثة.

ومن أهمِّ عوامل نجاح عملياتِ زرعِ الأعضاء تطابقُ أو توافقُ أنسجةِ المانح (المُعطي) والمستقبل (الآخِذِ).

هذا فضلاً على أنّ تطويرَ وتحسين وسائل حِفظِ الأعضاءِ بعدَ نزعِها من جسم المانحِ، وحتى تصلَ إلى المسُتقبِلِ بحالةٍ جيّدة، ساعد كثيراً في نجاح هذا النوع من الجراحات، خصوصاً في عملياتِ القلب والكَبدِ التي يجبُ أن يتم زرعُها قبل أن تُحرمَ من إمدادها بالدّم فترةً طويلة.

 

ويُسمى النسيجُ أو العضوُ الذي يُزرعُ طُعماً. وهناكَ عدَّةُ أنواعٍ من الطُّعوم هي:

1- الطُّعمُ الذاتي: أي الذي يُؤخذ ُ من مكان ما منَ الشخصِ ليُزرعَ في مكانٍ آخرَ في جسم ذلك الشخص نفسه.

ومن أمثلةِ ذلك تطعيمُ العظم في حالاتِ الكُسورِ غير المُلتئمة، وزَرعُ الجِلدِ في حالات الحروق، وزرعُ جزءٍ من وريدٍ في حالاتِ انسداد الشرايين التاجية في القلب، ونقلُ أوتارِ العضلاتِ في جراحاتِ العظام. وهذه لا يَحدُثُ فيها طردٌ لانَّها ليست غريبة.

 

2- الطُّعْمُ المُماثِلُ: أي الذي يُنقَلُ من شخصٍ إلى آخر مُتماثلِ معهُ تماماً من الناحيةِ النسيجيةِ والفصائل الدموية.

وأفضلُ مثالٍ لذلك هو التوائمُ المتطابقة، أي التي تكوَّنت من انقسام بُويضةٍ واحدة، حيثُ تعطي عملياتُ زرعِ الأعضاء في هذه الحالةِ أفضلَ النتائج خصوصاً في عملياتِ زرع نُخاعِ العظم والكلية والكبدِ والبنكرياس وبقيّةُ الأعضاء.

 

3- الطُّعمُ المُختلفُ: وهو الذي يُنقلُ من شخص مانحٍ إلى مستقبلِ غير متماثلٍ تماماً مع المانح من ناحية الفصائلِ النسيجية.

ويُلجأُ إليها في حالاتِ زرعِ القلب والكُلية والرِّئةِ والكبد والبنكرياس والقرنية مع استخدام الأدوية المضادةِ للطّرد والمُثبطةِ للْمَناعةَ لِتَحسين النتائج.

 

4- الطُعمُ الغريبُ أو الأجنبيُّ: وهو عمليةُ نقلِ عضوٍ من جِنسِ إلى جنسِ آخرَ من الأحياء، مثلُ نقل قلب أو كُلْيَةِ قرد أو خنزيرٍ إلى إنسان. وفي هذه الحالة يواجهُ الطُعمُ أكبَرَ نسبةٍ من الفَشل.

 

وأهمُّ المصاعب التي تواجهُ زرعَ الأعضاءِ هي:

1- الرَّفضُ في حالةِ عدم التوافُقِ التام بين أنسجةِ العُضو المزروعِ وجسم المزروع فيه. ويتمُ التغلبُ على هذه الحالة بالأدوية الغالية الثمن.

 

2- بُعدُ المسافات بينَ المتبرّع والمريض، وزيادة احتمال تعرُّضِ الجزءِ المُرادِ زرعُهُ للتلفِ قبل زَرعِهِ. ويبحثُ العلماءُ حالياً عن طُرُقٍ يتمُّ بها حفظُ الطُّعَم مدةً أطولَ دونَ تلف. (يمكنُ حفظُ العضوِ المُرادِ زَرعُهُ حالياً مدةً تتراوحُ من بضعِ ساعاتٍ إلى 72 ساعة، وهذ يتوقّفُ على العضوِ المُراد زَرْعُه).

 

3- قِصَرُ الفترةِ الزمنية بينَ توافُرِ العُضْوَ المُتبرَّعِ به وإجراءُ العملية في حالة الحصولِ على العُضوِ بعد وفاة المُتَبَرِّع؛ وهذا يجعلُ من العسير عَمَلُ مقارنةٍ دقيقةٍ بينَ الفصائِلَ النّسيجيّة.

 

4- قِلَّةُ أعداد المتبرعين إذا قورنت بأعداد المرضى الموضوعين على قوائم الانتظارِ. وتُحَلُّ هذه المشكلةُ بتشجيعِ الناس على التبرُّعِ بأعضائهم بعدَ وفاتهم عن طريقِ التوقيع على بطاقةِ التبرُّعِ التي يحملُها الشَّخصُ بصفةٍ دائمة.

 

5- الخلافاتُ حولَ تعريف الموت، وهل هو تَوَقُّفُ القلبِ الذي لا يُناسِبُ الزَّرْع، أو هو الموتُ الدِّماغيِّ الذي يتمُّ فيهِ توقُّفُ التَنفُّس، ويوضعُ الشخص على جِهازِ تنفّسٍ صناعيّ يجعلُ القلبَ يستمرُّ في النَّبض، وتبقى الأعضاءُ في حالة صالحةٍ للزّرع.

 

ويرى عددٌ كبيرٌ من علماءِ المسلمين على اختلافِ مذاهبهم جوازَ التبرُّعِ بالأعضاء لإنقاذ حياة الآخرين، ويعتبرونَ ذلك صدقةً جارية، بل ذهبَ بعضُهم إلى وُجوبِ ذلك لما فيه من إحياء الأنفس.

فإذا تصادفَ وجود مريضِ مشرفٍ على الموتِ وآخرَ توفّاهُ الله، ويمكِنُ إنقاذُ حياةِ الأولِ بأخذِ عضوٍ من الثاني، وجبَ القيامُ بذلك.

وقد شهدَ العالَمُ تطوُّراً هائلاً في مجال زراعةِ الأعضاء من حيثُ التّقنيةُ والحصولُ على نتائجَ باهرة، كما يظهرُ في الجدول.

وترتَّبَ على ذلك وُجودُ مئاتِ الآلاف من المرضى على قوائم الانتظار للحصولِ على العُضوِ المناسب.

 

ولتسهيل الحصولِ على الأعضاء والتَّنْسيقِ بينَ مراكز زرعِ الأعضاء في بُلدانِ العالم المختلفة يتمُ إنشاءُ جمعياتٍ وطنية تعتبرُ أعضاءَ في شبكةِ تبادل الأعضاءِ الدّوليةِ التي تتولّى تنظيمَ عملية الزرعِ.

ويمكنُ عن طريق الحاسب الآلي تحديدُ الشَّخص المناسبِ للعُضْوِ «الطُّعْمِ» الذي يتوافرُ وتنقله إليه بالسرعة الممكنة.

 

وقد حرصَتْ دولةُ الكويتِ كعهدِها دائماً على المشاركةِ في هذا المجالِ. فقدْ أصْدَرَتْ قوانينَ وتشريعاتٍ تُنظِّمُ عمليةَ التَّبرُّعِ في إطارِ الشرع الإسلامي، كما طوَّرَتْ هذه القوانينَ مع تطوُّر زراعة الأعضاء في دولة الكويت وفي دولِ العالم.

ففي عام 1972 صدر القانون يُنظِّمُ عملية حِفظِ وزرعِ القرنية. (قانون بنك العيون). وفي عام 1983 صدر القانون الذي ينظّم عمليةَ التبرّعِ بالكلى.

وعندما تطوّرت زراعةُ الأعضاءِ لتشملَ أعضاءَ أُخرى، وأصبحت هناكَ حاجةٌ ماسّةٌ إلى قوانين أكثرَ تفصيلاً وشمولاً صدر القانون رقم 55 لسنة 1987 لينظِّمَ عمليةَ نقلِ وزرع الأعضاء، وليكونَ قانوناً عاماً وشاملاً لجميع جوانبِ هذا المجالِ الطبي.

وقد تكوّنتِ الجمعيةُ الكويتيّةُ لزراعةِ الأعضاءِ لتقوم بتوعية المواطنينَ وبثِّ رُوحِ التعاونِ على الخيرِ والتَّعاضُدِ في مجالِ التبرُّعِ بالأعضاء.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى