التاريخ

فن “اقتفاء الأثر”

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثالث

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

اقتفاء الأثر التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

اشتهر الأعراب وغيرهم من أهل البادية منذ القدم بدرايتهم باقتفاء الأثر، أي تتبعه والاستدلال منه على صاحبه والطريق الذي مشى فيه.

وقد برع بعضهم في ذلك براعة مذهلة. وأهم ما يعتمدون عليه في ممارسة هذا الفن آثار الأقدام الغائصة في رمال الصحراء، وكذلك آثار أخفاف الإبل وحوافر الخيل.

ويطلق على المشتغلين باقتفاء الآثار اسم «القصاص» (والمفرد: قاص)، لأنهم يقصون الأثر أي يقتفونه.

 

ويهتم القصاص بملاحظة طول أثر القدم أو قصرها، وشكل أصابع القدم ووضعها وتناسقها (إذا لم يكن صاحب الأثر لابسا حذاء).

وكذلك عمق أثر القدم في الرمال أو في الطين، فإن صاحب الأثر إن كان ضخم الجثة غاصت قدمه أكثر من قدم شخص خفيف الوزن.

وحتى لو كانت الأرض مغطاة بالحصى، حيث يصعب تتبع الأثر فيها، يستطيع القاص الماهر أن يسترشد بالحصى الذي تزحزح من مكانه، إذ قد يدل على الشخص الذي سار فوقه.

 

وبإمكان مقتفي الأثر البارع أن يعرف فيما إذا كان صاحب الأثر ضريرا أو أعور، أو أعسر (أي يستخدم يده اليسرى) أو أعرج، قصيرا أو طويلا، بل حتى إن كان مقطوع اليدين، إحداهما أو كلتيهما.

ويستطيع قاص الأثر معرفة الرجل من آثار قدميه حتى ولو غير حذاءه. كذلك يمكنه أن يكتشف إذا ما كان ممتطيا دابة أم لا.

أو إذا كان مسلحا أو أعزل. بل يحكى أن بعضهم يفرق بين قدم الشاب والشيخ وقدم الرجل والمرأة. وتروى روايات كثيرة عجيبة.

 

وقد اتفقت الآراء على أن قبيلة «بني مرة» هم أبرع الأعراب في اقتفاء الأثر، فقد مضت عليهم آلاف السنين وهم يقطعون الجزيرة العربية ذهابا و إيابا عبر الربع الخالي بماشيتهم وخيامهم، بينما لم يكن معظم القبائل الأخرى يجرؤ على ذلك خشية التيه في الصحراء.

ويقاربهم في هذه الشهرة المهارة بنو مدلج وبنو منذر. هذا ويعمل عدد كبير من بني مرة في الشرطة وفي دوائر المباحث لتميزهم عن غيرهم في اقتفاء الأثر.

وكثير منهم يرى الأثر فيقول هذا أثر فلان أو فلان، أو هذا أثر ناس لم يمشوا في هذه الأرض من قبل.

 

وينشأ الفتى منهم أولا على معرفة آثار أبيه و أمه و إخوته. وهو ما زال في سن الطفولة.

وكلما شب ونما ازداد خبرة وتدريبا، وقد يصبح بارعا في اقتفاء الآثار حتى أنه يتمكن من قراءة قصص كاملة من صفحة الرمال كما يقرأ غيره من الشباب من كتاب مفتوح.

وقد حاولت قريش أن تقتفي أثر الرسول، صلى الله عليه و سلم، عندما خرج إلى الغار مهاجرا مع رفيقه أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.

 

وقد انتهى القصاص إلى باب الغار فوجدوا حجرا صلدا لا رمل عليه ولا تراب تظهر عليه آثار الأقدام.

وهكذا حجبهم الله، سبحانه و تعالى، عن نبيه بما كان من نسيج العنكبوت وما أزالته الرياح من آثار وعلامات، وما لحقهم من الحيرة، فقالوا إلى هنا انتهت الأقدام، ونجا رسول الله ورفيقه الوفي.

وفي دوائر المباحث الجنائية يعتمد البحث عن المجرمين حاليا على بصمات الأصابع، وآثار الأقدام وعجلات السيارات، وما يتركه المجرمون من بقايا في مكان الجريمة ويستعان في هذا بقوة الملاحظة والتصوير والتحاليل الكيميائية، وغير ذلك من الوسائل العلمية الحديثة.

 

كذلك هم يستعينون بالكلاب البوليسية المدربة على تتبع المجرمين والإمساك بهم بفضل حاسة الشم القوية عندها.

ولهذا قد يلجأ بعض المجرمين إلى استخدام التوابل أو الروائح القوية حتى تغطي على روائحهم الباقية في مكان الجريمة، أو في طريق هروبهم.

 

أما الكلاب السلوقية فيستخدمها، بالإضافة إلى البدو، هواة رياضة صيد الطيور والأرانب والغزلان فهي تطاردها وتهتدي إليها بسرعة وسهولة ثم تلتقطها بأفواهها.

وعلماء الحيوان وهواة دراسة الحياة البرية، خبراء في تمييز الآثار التي يتركها زحف الأنواع المختلفة من الثعابين على الرمال، واتساع خطوات الحيوانات، وآثار مخالبها أو أخفافها أو أظفارها أو أظلافها أو حوافرها، أو بقايا الحيوانات التي تفترسها، وغير ذلك.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى