علم الفلك

“الطريق اللبني” في تراث الشعوب المختلفة

2006 موسوعة علم الفلك والفضاء2

شوقي محمد صالح الدلال

KFAS

علم الفلك

احتلت الهالة الدائرية الساطعة التي عرفت بالطريق اللبني مكانة بارزة في الفلسفة الإغريقية ، وقد طرحت تساؤلات عديدة عن طبيعة هذه الدائرة السحابية الكبيرة التي تشذ عن دائرة الاعتدالين والانقلابين ، فَمِمَّ تتكون هذه السحابة الهائلة؟ .

اعتقد أناكساغورس (Anaxagorus) أنها تجمع كبير للنجوم حجب ظل الأرض جزءاً من ضوئها ، وفي رأي مماثل اعتقد فيثاغورس (Pythagoras) أنها تتكون من آلاف النجوم الغاية في البعد، وهذا يفسر ضعف تألقها.

وفي عام 460 قبل الميلاد ذكر ديمقريطس (Democritus) أن المظهر السحابي للطريق اللبني يعود إلى وجود عدد كبير من النجوم الصغيرة في تلك البقعة من السماء ، وأنها من الصغر والتقارب بحيث تضيء كل منها الأخرى.

 

واعتقد أرسطو (Aristotle) أن المجر (Galaxios) هي كتلة هائلة من البخار المتألق تفوق منطقة الأثير ارتفاعاً ولكنها أخفض من تلك التي للكواكب ، واعتقد بارمينيدس (Parmenides) أن الطريق اللبني مكون من خليط من الهواء المخلخل والعالي الكثافة .

أما مترودوروس (Metrodorus) وأونوبيدس (Oenopides) فقد رَأَيَا في الطريق اللبني مساراً سابقاً للشمس – وهو الطريق الذي سلكته منذ بداية العالم ، وقد اقترح ثيوفراستوس (Theophrastus) نظرية أخرى مفادها أن الطريق اللبني هو الخط الذي يربط نصفي الكرة السماوية .

وقد افترض أن هذا الربط لم يكن على درجة عالية من الكمال ، مما يعوق رؤية بعض الضوء الذي يملأ الفضاء اللانهائي!.

 

أما عند بقية شعوب العالم فقد امتزجت الفلسفة بالعلم وبالأسطورة في محاولة لتفسير هذه السحابة الهائلة التي تغرق السماء بنورها في الليالي الحالكة الظلام ، فذهبت الأساطير في جميع أنحاء العالم إلى أن الطريق اللبني هو نهر سماوي هائل .

 وقد سمي في وادي الرافدين "نهر تسيري" ، أي نهر الثعبان ، وعرف أيضاً بـ هد – إن – ني – نا ، أي نهر السيدة الإلهية، أو نهر نانا ، وهي إلهة سماوية ، وتقابل هيرا في الأساطير الإغريقية ، وسماه العرب النهر، وكذلك درب التبانة، وأم السماء، وسماه العبرانيون نهر دي نور، أي نهر النور.

وفي الصين كان يسمى تيان هو ، أي النهر السماوي ، وفي اليابان كان يمثل النهر الفضي الذي كانت تخشى فيه الأسماك الهلال ظناً منها أنه صنارة معلقة.

 

وقد تحدث البيروني عن وجود تقليد سنسنكريتي يسمى الطريق اللبني بموجبه أكاش غانغا ، أو قاع نهر الغانج . ومن جهة أخرى كان يسمى في شمال الهند ناغافيتي ، وتعني طريق الثعبان .

وفي العالم القديم كان الطريق اللبني عند الرعاة هو النهر العظيم ، بينما كانت النجوم التي تكونه هي قطعان الخراف التي تسكن السماء ، وكان راعي هذه الخراف هو نجم سهيل ، وصوروه وهو جالس على ضفة النهر يراقب خرافه وهي تشرب الماء .

وفي مصر ارتبط هذا النهر بالنيل وبإيزيس ، الذي ذر آلافاً من الحبوب بين النجوم في محاولة لتجنبه التايفون (مخلوق خرافي له مئة رأس وصوت مروع) ، وأصبحت هذه الحبوب الطريق اللبني .

 

وكان يسود الاعتقاد في أن الطريق اللبني هو النهر الذي ترتاده أرواح الموتى ، وتدخله من خلال باب يحرسه ساجيتوريوس (الرامي) ، وتنتظر هناك حتى يحين موعد تجسدها ثانيةً ، فتغادره من الباب الآخر ، وهو باب جيمني (التوأمين) .

وفي منطقة البحر المتوسط كان يحتفل قديماً بتجسد الأرواح كل عام ، ومن الطقوس السائدة ما كان يعرف باحتفال المروج، وهو احتفال سنوي تنثر فيه الزهور ، التي تمثل كل منها روح جسد عائد .

ويؤكد جيورجيو دو سانتيلانا (Giorgio De Santillana) أن تفسير الطريق اللبني على أنه نهر الأرواح هو عقيدة تشترك فيها العديد من شعوب العالم .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى