البيولوجيا وعلوم الحياة

طريقة “الأم البديلة التي تحمل وتلد بتلقيح ممنوح” وتنديدات عالمية لاستخدامها

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

البيولوجيا وعلوم الحياة

تتم هذه العملية كنوع من الترتيبات الاجتماعية التي يستخدم فيها التلقيح الصنعي بمنى أو نطفة ممنوحة. 

والأم البديلة هي أم تستاجر أو تطوع بلا مقابل (غالبا ما تكون في هذه الحالة فردا من الاسرة) ليتم تلقيحها صناعيا بمنى الرجل الذي سيكون ابا للطفل. 

فتكون بذلك بمثابة بديل الأم التي هي زوجة ذلك الرجل في حالة عدم قدرة هذه الزوجة أو أهليتها للحمل.  ولا بد لمثل هذه الترتيبات التطوعية غير التجارية أن تتفق نظريا مع قيم المجتمع الحديث، فيما يتعلق بحرية الاختيار الذي تكفله حقوق الإنسان. 

وتسمح هذه الطريقة للأشخاص أن يقوموا بعمل اي اتفاقيات فيما بينهم بما يحقق لهم الشعور بالارتياح.  وبالطبع من الممكن أن تظهر بعض الاعتراضات الثقافية. 

 

فالكاثوليكية ترفض التدخل في عملية التوالد الطبيعية مثلما تفرض تماما عملية التخليق ذاتها. أما اليهودية الأصولية فإنها تنظر إلى هذا العمل على أنه من قبيل الزنى، وتعتبره عملا غير شرعي، وفاحشة بالمحارم وسببا في اختلاط الأنساب (شاليف Shalev، 1992).

وعلى الرغم من أن الأم البديلة تلقح صنعيا وبدون جماع، إلا أنها من جميع الاوجه هي الأم البيولوجية الطفل الذي تلده، أو بمعنى آخر بمثابة الأم بالوراثة والأم بالحمل والوضع بالنسبة للطفل الذي تحمله ثم تلده لكي تسلمه لأبيه ومع ذلك فقد وافقت على أن تضيع أو تفقد مكافأة الأمومة المألوفة فهي تحمل الجنين وتلد الطفل دون أي تعبير عن نية قيامها برعايته وتنشئته.

ولقد استخدمت هذه الطريقة من قبل من سيكونان والدين كبديل للتبني، وكطريقة للحصول على طفل له صلة وراثية على الأقل بالأب في الأسرة التي ستتولى تنشئته. 

 

وبذلك فهي طريقة تسمح باستمرارية الصفات الوراثية للذكر، دون الانثى، وبأن يكون له وريث من صلبه وذلك بأسلوب يتفق مع الثقافة أو التقاليد السائدة في المجتمع الأبوي.

ولما كان الاطباء هم الذين يتولون دائما إجراء عملية التلقيح الصنعي، لأم بديلة مأجورة أو غير مأجورة، فإن مسئوليتهم إزاء كلا الطرفين قد تتجاوز ما يعتقدون.

ولا بد أن تتضمن هذه المسئولية عمليات التقصي الإلزامي الشامل بالنسبة للأمراض القابلة للتوارث سواء من الأب أو الأم البديلة، كذلك عليهم أن يقوموا بالاستقصاءات اللازمة وما يتطلبه الأمر من استشارات، أو عليهم أن يقدموا المشورة فيما يتعلق بالمسائل السابق ذكرها. 

 

وهناك أطباء كثيرون يصعب عليهم قبول التورط في مثل هذه العمليات.  وفي ألمانيا تمنع الجمعيات والاتحادات المهنية الأطباء من التورط في مثل هذه العمليات (تقرير بيندا Ben-daReport، 1985).

وهناك نقطة خلاف كبرى حول استخدام العقود التي تلزم الأم البديلة المستاجرة بأداء هذه الخدمة (فمن حق الأم البديلة ألا تجبر على أداء هذه الخدمة). 

وحتى عام 1992 كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تسمح باستئجار الأم البديلة على أساس تجاري، وبمراجعة الممارسة الفعلية يمكن إلقاء الضوء وتوضيح جوانب الحساسية فيها. 

 

إذ يتم الاستئجار عادة بمعرفة اسرة تكون الأنثى فيها مصابة بالعقم.  وإن كان الأشخاص المعنيون فقط هم الذين يدخلون في هذا الاتفاق إلا أن الأم البديلة يحصل عليها غالبا من خلال وكالة تجارية تتضمن المحامين والأطباء وفي بعض الأحيان الأخصائيين النفسيين الذين يعتنون بصحتها العقلية واستقرارها النفسي. 

وتدخل الأم البديلة طوعا في تعاقد يلزمها، في مقابل رسوم أو مبالغ معينة، بتقديم الطفل للأب والأم بعد ولادته.  وأهم ما يتضمنه العقد هو أن الجزء الأكبر من الأجر يدفع عند إتمام المهمة، أي حينما تسلم الأم الطفل (وتتنازل بذلك عن حقوق كأم) للأب الأصلي الذي سوف يتولى تنشئته عادة هو وزوجته الأصلية.

إذا تم تنظيم ظاهرة الأم البديلة في صورة مؤسسات تجارية فمن الواضح انه قد يسهم في تكوين طبقة من النساء الولادات أو المنسلات ذوات وضع متدن من الناحية الاقتصادية والاتماعية بطريقة تعيد إلى الأذهان النساء اللائي كن يعملن مرضعات لأطفال الأسر الغنية خلال القرن التاسع عشر خصوصا في إنجلترا. 

 

فبكل المقاييس يكون الزوجان الأصليان أحسن حالا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية من تلك الأم البديلة التي يستخدمانها.  ويؤيد هذا الانطباع مكتب الكونجرس الأمريكي للتكنولوجيا في تقريره عن نتائج بعض الدراسات، ومن بينها تقارير عن خدمات الأم البديلة (الكونجرس، 1988 / ب) فيتضح من البيانات أن النساء اللائي تطوعن للعمل كأمهات بديلات أقل في مستوى التعليم والمستوى الاقتصادي عن مستوى الأسر التي استأجرتهن. 

هذا بينما نجد أن الدوافع الشخصية التي عبرن عنها لتقديم هذه الخدمة تشمل اعتبارات غير تجارية منها على سبيل المثال الرغبة في ممارسة الحمل، فإنه ينبغي ملاحظة أنه بدون التعويضات المالية، قد لا نجد إلا القليل النادر من النساء اللائي يقبلن تقديم أنفسهن كأمهات بديلات.

 

وتثير مسألة دفع التعويضات أو الأجور، العديد من القضايا والمسائل المتعلقة بإيثار الغير والعلاقات القائمة على الإهداء.  وربما كانت هذه القضايا مماثلة للقضايا المتعلقة بالتبرع بالأعضاء أو التبرع بالدم أو بمنح النطقة أو البويضة. 

فدفع مقابل لمنح النطفة أو البويضة للإخصاب في رحم أم بديلة، وحتى دفع مقابل للقيام بوظيفة الأم البديلة تقلل من مدلول الغيرية أو الإيثار فيما يمكن أن يكون هدية. 

وتتأكد هذه الظاهرة حينما تتم ترتيبات استعارة الأم بمعرفة وكالة تجارية ولقد عارضت الجماعة الأوروبية (كلوفرز 1989) السماح لوكالات تجارية بتولي التعاقدات مع الأمهات البديلات.  لأن ذلك العمل، كما ذكر الكثير من المراقبين، يحمل في طياته خطر استغلال النساء الفقيرات. 

 

ولقد أدت الاساليب المتبعة في سوق الامهات البديلات إلى ظهور مشكلة قضائية تتمثل في عدالة فرص الاستفادة من خدمة نادرة.  وبهذا تصبح الوالدية بدون الحمل ولولادة سلعة اخرى تتوافر فقط لميسوري الحال.

وبلغ عدد الترتيبات التي تمت لامهات بديلات في الولايات المتحدة حتى أوائل عام 1988 نحو 600 حالة، وتكونت نحو 15 مجموعة خدمات اتصال، بعضها كان يضم العديد من التخصصات بما فيهم أطباء مدربون على الطب النفسي والبعض الآخر مؤسسات قانونية أصلا.

وقد قامت مجموعات الخدمات الاتصالية بعمل عقود تنظم دفع التعويضات للأم البديلة في حدود عشرة آلاف دولار. 

 

بالإضافة إلى كل نفقات معيشتها وتكاليف رعايتها الصحية وأجر أو أتعاب مجموعات التوفيق.  وبلغت جملة التكاليف التي تتحملها الاسرة التي ستحصل على الطفل نظير استخدام الأم البديلة نحو 60 ألف دولار أو أكثر.

وعادة ما ينص في العقد على تحديد سلوك وتصرفات الأم البديلة بما يتضمن سلامة الجنين الذي سوف يصبح الطفل المنشود، مثل منع التدخين وشرب الكحوليات وضرورة إجراء الفحص الطبي المنتظم قبل الولادة بما في ذلك بزل السائل الامنيوني أو السلى الإجباري للتحليلandatory aminocentesis  (الكونجرس Congress 1988/ب) (ولكن على ما يبدو لا ينص على الإجهاض الإجباري في حالة وجوب عيون في الجنين). 

 

وطبقا لمعظم عقود الأم البديلة هذه هناك نص على أن الوالد سوف يكفل ويرعى الطفل حتى لو كان معتل الصحة وفقا لما هو متوقع، وفي حالة وفاة الوالد تصبح الأم هي الحاضنة والمسئولة. 

بيد أن هناك جانبا من الغموض إذا ولد الطفل بمشكلة صحية قد يرجع سببها إلى عدم التزام الأم بالترتيبات المنصوص عليها في العقد.  والمثل يقال عن محاولات السيطرة على الصحة النفسية والبدنية للاسرة المستأجرة بما يناسب حقوق الأم البديلة وكذا الطفل الذي سوف تحمله، فهي أمور غير ثابتة وما زال الغموض يكتنفها.

فعلى سبيل المثال الموافقة الواعية من جانب الأم البديلة على قبول مختلف العوامل الاجتماعية الصحية واسعة النطاق في الإجراءات بما فيها تاثير هذه العوامل على علاقتها بزوجها (إذا كانت متزوجة)، وتقدير إمكان مسايرتها للسلوكيات الموصى بها لكي تنتج طفلا سليم الصحة (يلاحظ أن أمر الموافقة الواجب الحصول عليها من جانب زوج الأم البديلة على سير الإجراءات، لم يتم بحثه والتعامل فيه بطريقة منظمة، إلا أن معظم مكاتب خدمات الاتصال تحصل على هذه الموافقة).

 

وهناك اتجاه ولكن غير معمول به دائما يتعلق بالتقويم السيكولوجي أو النفسي وإسداء النصح والمشورة للزوجين المستأجرين أو الفحص الطبي لمانح النطفة وباختبار لمنى لكشف الامراض التناسلية أو الجنسية المعدية.

وكما سبق أن ذكرنا، هناك عدد من الأمهات البديلات المرتبطات  عاطفيا بالوليد الذي نما في داخلهن ثم وضعنه بعد الحمل قد رفضن تنفيذ العقود فهؤلاء الاولاد من الناحية البيولوجية ملك للأمهات كما لو كن قد لقحن بنطف ممنوحة دون عقد مدفوع الاجر يلزم الامهات بتسليم المواليد. 

والسؤال المطروح هنا هو هل يمكن قانونا أن ينسب الوليد الذي تكون بيولوجيا في رحم امرأة إلى امرأة اخرى او زوجين آخريين على اساس عقد مالي تم توقيعه قبل حدوث الحمل؟

وربما أن الطفل لن يتم تبنيه من قبل الآخرين المعنيين به، وحيث أنه لم يكن للطفل صوت او رأى في عم الترتيبات فإن هذه المعاملة التجارية تعتبر صنوا أو مثيلا لبيع الاطفال من الناحية النظرية، وقد تصل في النهاية إلى حد مقارنتها ببيع الاطفال ليكونوا عبيدا (على اعتبار أن الطفل يعتني به على انه فرد من الأسرة أكثر من أن يربى ليكون عاملا مسخرا لا يدفع له أجر).

 

وقد اعتبر بعض النقاد هذا العقد مضاهيا لما إذا الأم البديلة قد باعت نفسها ودخلت في عبودية مؤقتة، مما أثار التساؤل المألوف حول مدى تشابه ذلك مع بيع عضو من أعضاء الجسم، ومدى صحة وشرعية تدخل الدولة لحماية الافراد من قرارات تدمير أنفسهم. 

وتعترف النظرة النفسية الاجتماعية لحقوق الإنسان بأهمية مشاعر الأم البديلة نحو الطفل الذي كان جزءا من جسدها طوال فترة الحمل الطويلة. وربما حاولت تجنب الوقوع في شرك تجريدها من إنسانيتها، كما يفهم بعض المراقبين الذين يتحدثون عن مجرد رحم مؤجر كما لو كان لا يتصل بإنسان أو يعنى أحدا. 

ويعد هذا من بين أهم الاسباب التي جعلت كل دول العالم التي واجهتها المشكلة (وكثير منها لم يواجهها) قد اعتبرت استعارة الأمهات المؤجرات امرا خارجا عن القانون، ويستثنى من هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية. 

 

فتشريع الولايات المتحدة الذي يتعرض لهذه المسالة صدر في أكثر من نصف الولايات، ولكن لم تكن له نتائج متساوية بين الولايات.  فمعظم محاكم الولايات اصدرت أحكاما تعتبر عقود استئجار الامهات البديلات غير ملزمة، حتى لو تضمنت نصوصا صريحة على الإلزام (الكونجرس Congress 1988/ب، ص 13). 

وما زالت النتيجة القانونية غير محسومة بشأن هذا الموضوع.  ولقد قامت مجموعة عمل مشكلة من اليونسكو والجمعية الدولية للعلوم الاجتماعية والاتحاد الدولي للصحة العقلية WFMH (1987) بدراسة الموضوع في ضوء السياق العالمي وكل الاعتبارات المتعلقة به بما فيه ميل الام البديلة للارتباط بجنينها، ثم أوصت باستبعاد العنصر التجاري تماما من الإجراءات. 

وهذه التوصية مناسبة لمفهوم حقوق الإنسان المتجسم في هذا الكتاب وفيها أيضا اعتراف بعدم منع استعارة الأرحام تماما وإمكان قيامها كترتيبات غير رسمية وغير تجارية بين الأقارب.

 

ولقد أوصت لجنة الخبراء الخاصة بالاخلاقيات الحيوية CAHBIE التابعة للبرلمان الأوروبي (تقرير اللجنة CAHBE، التابعة للمجلس الأوروبي 1986) بأنه يمكن السماح بنظام الأم البديلة فقط في حالة عدم حصول هذه الأم البديلة على أي تعويضات مادية وعلى ألا تكون العقود التي تنظم الإجراءات ملزمة. 

أما توصيات لجنة وارنوك Warnok  في المملكة المتحدة (1984) فيغلب أنها تمنع نظام الام البديلة على اساس تجاري حيث ان التوصيات شملت قوانين صدرت بالفعل، وتنص على تحريم بيع الانسجة البشرية بما فيها المنى والبويضات والأجنة.

وهناك اتجاه أكثر تساهلا يعتبر ببعض المخاطر الواضحة للامومة البديلة التجارية (مثل سلوك الأم البديلة الذي قد يؤذي الجنين ورفض الزوجين المتعاقدين قبول طفل معوق). 

 

فيوصى بإيجاد مجلس حكومي للأمومة البديلة لا يهدف إلى الربح لتنظيم هذه العملية (سنجر Singer وويلز Wells 1985). 

ولا تعارض مثل هذه التنظيمات الإخصاب في الأنابيب مع قبول منح المنى أو البويضة أو الأجنة، ولكنها تفضل إخطار الطفل بظروف حمله ولادته، وتوصى بالاحتفاظ بسجلات تشتمل على بيانات (ولكن ليس من بينها تحديد هوية المخ أو المتبرع) لتقديمها للطفل إذا ما طلب ذلك.

ولقد منعت لجنة رسمية في ألمانيا الغربية (تقرير بندا Benda Report، 1985) نظام استعارة الأمهات تماما إلا في إطار الأقارب. 

 

وانتهت اللجنة التي شكلت في المملكة المتحدة (وارنوك Warnok، 1984) إلا أنه يوجد تضارب رئيسي بين مصالح الزوجين اللذين ليس لهما أطفال والأم البديلة، لهذا فقد أيدت القيود التي ستؤدي إلى التقليل الكبير للأمومة البديلة، مع التوصية بان الامومة البديلة لا تكون في حد ذاتها غير شرعية، ويعتبر قانون تنظيم الأمومة البديلة في المملكة المتحدة النوع التجاري منها جريمة جنائية. 

كما أوصت اللجنة الأوربية (Glover 1989) بألا يكون التعاقد ملزما ضد الأم البديلة.  التي قد تغير رايها في أي مرحلة من مراحل الحمل أو بعد الولادة.  وهذا يحفظ لها استقليتها الذاتية ويؤيد دعواها ضد دعاوى الاب البيولوجي للطفل. 

ومعنى ذلك كما اوضحنا، أنه إذا كان العقد ملزما فإن ذلك يعتبر مثيلا لبيع الإنسان نفسه كرقيق.  وإذا كان استعارة الأم البديلة غير قانوني فإن ذلك قد يؤدي إلى تحطيم الطفل عاطفيا أو وصمه بالعار.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى