العلوم الإنسانية والإجتماعية

المفاهيم الذاتية في المجتمعات الصناعية وضرورة الاعتراف بالإنسان وحقوقه

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

المفاهيم الذاتية وتعريفات الإنسان: العام والخاص

تستمد التأكيدات عن حقوق بني الإنسان من بعض النظرات لطبيعة كونه إنسانا. 

ويتضمن ذلك تساؤلات إجاباتها العلمية الصحيحة غير قريبة المنال.  فماذا يعني أن يكون الكائن بشريا؟  ما معنى الحياة الواعية المستجيبة؟

هل للكائنات الحية التي لديها خاصية الوعي بالذات والاستجابة أحقية في الحقوق والامتيازات التي تتجاوز ما هو ممنوح للكائنات الحية التي يفترض أنها غير مستجبية مثل الرئيسيات العليا الشبيهة بالإنسان والحيوانات والنباتات؟

 

قد تفهم كل إجابات الاسئلة ذات المعنى والحقوق على أنها هياكل اجتماعية وعناصر مادية للثقافة، وهي مخططات لحياة المجتمع الموروثة اجتماعيا (كلوكهون Kluckhohn ، 1944) بكل قيمها الأساسية. 

وفي إطار مضامين معينة، يعطي الناس لأنفسهم نوعا من الإجابات المتوافقة مع الثقافة، والتي تهدف اساسا إلى الحفاظ على بنيان حياتهم. 

وعلى ذلك فالشعوب التي تعيش في مرحلة ما قبل التعلم وما قبل الصناعة غالبا ما تصف نفسها بأنها شعب الله أو الشعب المختار.  ذلك لأنهم كانوا يشعرون بتمركزهم وحدهم في الكون، قبل الاحتكاك بالاوروبيين، وأصبح ذلك أمرا ثابتا في أذهانهم .

 

وتعكس صياغة الحقوق عند المجتمعات الصناعية أيضا الافتراضات المشتركة للمجتمع عن الطبيعة الإنسانية لاعضائه وعن العالم المحيط بهم وعن الكون الذي هم جزء منه. 

فيكشفون عن مفاهيمهم الذاتية، والحاجة إلى إثبات الذات، والحاجة إلى إثبات الإحساس بغرض الحياة ومعناها. 

بيد أن المفاهيم عن الذات وعن الإنسانية في العالم الصناعي أو الحديث، بخلاف ما لدى العالم المتخلف، تتميز بأنها واعية بالعلم بكل ضغوطه التي تبتعد عن الذاتية وتتجه للموضوعية. 

 

فموضوعية ذات الإنسان تؤخذ في العالم المعاصر على انها شرط ضروري للسيطرة على النفس وللوصول إلى الغاية المنشودة.  وتقوي تكنولوجيا الطب الرفيعة إدراك ممارسيها بقوتهم الشخصية، وتدفعهم نحو موضوعية النظرة إلى مرضاهم على أنهم نظم تدخل في السياق البيولوجي، وتبعدهم عن التعامل مع هؤلاء المرضى كأشخاص. 

ويعتبر هذا أيضا لصالح سيطرتهم على المرض والعجز، وباعتبار أن المفاهيم عن الذات أو المفاهيم الذاتية في أواخر القرن العشرين، أي مفاهيم ما بعد العصر الحديث (إنجلهارت Engelhardt، 1991) تعكس الخلاف بين ما يصفه تيلور (1989) بأنه "موقف محايد تجاه العالم، مأخوذ عن متطلبات العلم" (ص8) وكذلك الرأي المنبثق عن الشعور بالذات الذي يقتضي وجوب معالجة أعمق غرائزنا الاخلاقية، وشعورنا الذي لا يتغير عن ضرورة احترام الحياة البشرية، على اعتبار أنها وسيلتنا للدخول إلى العالم الذي يتحقق فيه إدراك مطالبنا الوجودية (ص8). 

 

وسواء كان لهذا الموقف أسس لاهوتية أو علمانية فإن فيه اعترافا بوجود بعض الأسس في الطبيعة البشرية أو الحالة الإنسانية التي تجعل الكائن البشري ملائما للأشياء الدافعة للاحترام (تيلور، 1989، ص 10)، وهو احترام يعزي إلى الحقوق وإلى الامتيازات؛ والمفروض أيضا أن يعزي إلى الالتزامات.

والمفروض أن الكائن الذي يستحق الاحترام اللازم لتحقيق الذات، لديه قيمة داخلية أو كرامة، ويملك قراره بنفسه في إطار حدود معينة.  وقد لا تكون هناك حرية إرادة أو حرية جسدية خارج نطاق الحدود التي فرضتها الطبيعة البيولوجية للجنس البشري.

ويقابل الناس جميعا هذه الحدود المفروضة بواسطة أطر ثقافية معينة (بما فيها الاخلاق)، وهي التي تتحول في بعض الاحيان إلى شكل قانون.  ويشتمل ذلك على كل العناصر التي تتحكم في معاناة الاشخاص.

 

وتكون المبررات الخاصة ببعض القضايا الاخلاقية دائما محاطة بالانفعالات العميقة.  وربما كانت أقوى الانفعالات العاطفية في الولايات المتحدة هي التي ثارت حول الصحة التناسلية (مثل، الإجهاض، ومنع الحمل، والتلقيح الصناعي).

وإطالة الحياة طبيا في حالة الغيبوبة، وحالة الاشخاص المعوقين عقليا وحالات إنهاء حياة من يعانون من الآلام المبرحة.  ويواجه إنجلهاردت (1991) بصورة مباشرة مشكلة تحديد قواعد وآداب السلوك الخاصة في مقابل القواعد العالمية عند تقدير ما هو مسموح به في الرعاية الصحية. 

وهو ينظر إلى الإنسانية العلمانية على أنها ذات أهمية محورية في الاخلاق والتحديات الثقافية المعاصرة: مما يبرر إيجاد إطار اخلاقي يمكن أن تشترك فيه الأخلاقيات الغريبة في عصر التفتت الاخلاقي واللامبالاة، (ص 11م المقدمة). 

 

وتعتبر الإنسانية العلمانية بمثابة الحل الفلسفي (لاختلاف صفة الاعراف والتقاليد الاخلاقية، وبخاصة الدينية، ومضامينها المتضاربة بالنسبة للرعاية الصحية… وهناك أمل طبيعي في أننا قد نشترك معا كبشر في الاخلاقيات البيولوجية العامة (إنجلهاردت، 1991، ص 11م). 

وبدون إطار أخلاقي يكون مفتاحا لمشاركة الاخلاقيات الغريبة، يرى إنجلهاردت ان سياسات الرعاية الصحية، التي لا شك انها غريبة على بعض قطاعات الشعب سوف تفرض نفسها على الجميع طبقا للرؤية الاخلاقية للسلطة السياسية الحاكمة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى