البيولوجيا وعلوم الحياة

الأسباب الكامنة وراء وصول الإنسان والكائنات الأخرى لمرحلة الشيخوخة

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

مرحلة الشيخوخة البيولوجيا وعلوم الحياة

لا يصيب الهرم الإنسان وحده ، بل يصيب جميع الكائنات الحية من حيوان ونبات وكذلك فإن كل ما على هذه الأرض من مواد ومنتجات عرضة للهرم . 

فالإنسان يهرم والحيوان والنبات يهرمان ، وكذلك السيارة والطائرة والمعادن والألياف الطبيعية والاصطناعية كله عرضة للهرم .

وفيما يتعلق بهرم المواد غير الحية يمكن تفسيره بسهولة من خلال قوانين الديناميكا الحرارية او التغير في الشكل البلوري أو التفاعلات الكيميائية .  لكن هرم الكائنات الحية أكثر تعقيداً وأصعب تفسيراً نظراً لطبيعتها المعقدة . 

 

وحتى الدراسات على حيوانات التجارب يصعب أن نسحب نتائجها على الإنسان نظراً للفروق الكبيرة بينها .  وكما يقول العلماء فإننا أصبحنا خبراء فيما يجري في حيوانات التجارب ، لكن موضوع فهم هرم الإنسان ما يزال بعيداً وغامضاً . 

لكن لتطلع للوصول إلى حياة أفضل ، يدفع العلماء إلى تكثيف الجهود في مجال دراسة هذه الظاهرة في الإنسان وصولاً إلى توفير ظروف صحية أفضل وعمر اطول . 

وللمرة الأولى يزداد عمر النوع البشري برمته وذلك بفضل تحسن فرص الحياة للأطفال والنساء والكهول من خلال تحسن وسائل الحياة . 

 

ففي عام 1900 بلغت نسبة من وصلت أعمارهم من البشر 65 سنة حوالي %1 من سكان العالم ، أما في عام 1992 فقد وصلت هذه النسبة إلى %6.2 ويتوقع أن تصل هذه النسبة عام 2050 حوالي %20.

إن الهرم البيولوجي الطبيعي يعني فقدان الأعضاء التدريجي لوظيفتها .  وزيادة تعرض الكائن الحي للمرض والموت بمرور الزمن .  وهذا الامر يحدث نتيجة مؤثرات داخل جسم الكائن الحي وخارجه . 

وقد لوحظ أن قدرة فئران التجارب على تكوين الأجساد المضادة تتغير مع زيادة العمر ، إذ تزداد كثيراً في ريعان شبابها لتصل إلى أعلى مستوياتها عند عمر معين ، ثم لا تلبث أن تقل تدريجياً بمرور الزمن .  وبالإضافة إلى ذلك فإن مؤثرات خارجية تحدث أثراً على العمر الذي يعيشه الكائن الحي . 

ففي تجارب على الفئران ، وجد أن تخفيض السعرات التي يتعاطاها الفأر في وجباته تزيد من عمره حوالي في تجارب على الفئران ، وجد أن تخفيض السعرات التي يتعاطاها الفأر في وجباته تزيد من عمره حوالي 300  يوم مقارنة بالفئران التي تتعاطى وجبات تحتوي على السعرات العادية .  ولوحظ أيضاً أن هذه الزيادة في العمر صاحبها تاخير في النضج والنمو.

 

وقد لوحظ من دراسات أجريت في الإكوادور حيث يعمر الكثير من السكان إلى ما بعد مائة عام ، أن وجباتهم تتكون بشكل رئيسي من الخضار والفواكه ولا تتجاوز سعراتها 1700 سعراً في اليوم .

وقد أجرى العلماء أيضاً دراسة على تأثير حرارة المحيط على حياة بعض الأسماك ووجدوا أن خفض درجة حرارة الماء الذي يعيش فيه هذا السمك بمقدار 6-5 درجات سيليزية أدى إلى مضاعفة فترة حياتها او عمرها ، وإلى نموها بمعدل اسرع لتصبح أكبر من حجمها الطبيعي . 

وفي هذا السياق أيضاً ، نجح العلماء مؤخراً في إطالة عمر كل من حشرة الدروسوفلا وكذلك إحدى الديدان الأسطوانية وطراز من الخلايا البشرية .

ومن أهم الأسباب المعروفة لحدوث الشيخوخة التبدلات التي تحدث في منظومة الدنا DNA مما يؤدي إلى اختلاف وظائف الخلايا أو تراكم الأخطاء أو سياق الاصطناع الحيوي للبروتين أو التأثير في التركيب الكيميائي لدنا من خلال تفاعلات كيميائية غير محكومة مثل تفاعلات الجذور الحرة أو تفاعلات الترابط . 

 

ومن الناحية الكيميائية فإن الجذور الحرة هي تراكيب شديدة النشاط ولها قدرة عالية على التفاعل .  وتتكون هذه الجذور من أكسدة بعض المركبات لتتكون فوق الاكاسيد التي لها القدرة على القيام بتفاعلات كثيرة وغير محكومة . 

ويمكن للاشعة ايضاً توليد الجذور الحرة النشطة في النظم الحيوية ، مما يودي إلى تغيرات في الدنا .  والدليل على ذلك التجاعيد التي تصيب البشرة نتيجة التعرض الطويل للشمس ، أو لكمية كبيرة من الإشعاع مثل ما يحدث للإسكيمو الذي يتعرضون لكمية كبيرة من الاشعة فوق البنفسجية فتصاب بشرتهم بالتجاعيد المبكرة .

وللتأكد من دور هذه الجذور الحرة النشطة في التسبب في الشيخوخة ، قام بعض العلماء باستخدام بعض موانع التأكسد والتي تمنع بالتالي تكون الجذور الحرة مثل بوتيل هيدروكسي تولوين الذي يضاف إلى الطعام المحفوظ ، وقد اضافوا هذه المواد إلى طعام الفئران فأطالت عمرها المفترض بنسبة  %45.

 

وتجري حالياً العديد من الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع من جوانبه المختلفة .  وهناك من يعتقد أن ما يحدث من ترابط بين جزيئات البروتين يفقدها مرونتها ووظيفتها ويؤثر في طول العمر .

ويعتبر الغلوكوز وهو مصدر الوقود الرئيس لجسم الإنسان عاملاً رئيساً آخر في الشيخوخة .  حيث إنه يغير ببطء البروتينات طويلة الأجل مثل الكولاجين فيجعلها تترابط بوصلات مستعرضة فتتقيد حركتها وتفقد جزءاً من مرونتها .  وقد يكون لذلك علاقة في التيبس الذي يعتري النسيج الضام وعضلة القلب مع مرور الوقت .

 

وهناك نظرية "المناعة للذات" Autoimunity وهي عدم قدرة الخلايا المناعية على تعرّف خلايا الجسم نفسه مما يؤدي إلى رفضها، تماماً كما يحدث عند رفض الجسم لخلايا غريبة تدخل إليه.  وهناك التأثيرات العائدة للهرمونات والتي يؤدي الاضطراب فيها إلى خلل في العديد من العمليات التي تتم في جسم الإنسان .

ولا بد من القول إن هذا الموضوع ما زال قيد البحث وأن جهوداً كبيرة ومضنية لا بد من بذلها في مجال الكيمياء الحيوية وبيولوجيا جسم الإنسان ، حتى يتحقق حلم الإنسان في إطالة العمر .

ويعبر عالم الكيمياء  المعمّر "رايد" (Reid) عن هذا الحلم في كتابه " المائة سنة الأولى من حياتي" بقوله " إن قمة إنجازات البحث العلمي تتمثل في أن تمتد حياتنا سنوات إضافية نشعر خلالها بالسعادة " .

وقد كان حلم الإنسان ولا يزال .. أن ينعم بالخلود وأن يحتفظ بشباب دائم لا يفنى ولا يزول .  لذا لجأ الإنسان القديم إلى العديد من العقاقير الطبية أو الوصفات السرية للحفاظ على شبابه وحيويته.

 

وبين الحين والآخر يخرج علينا البعض بعقار جديد أو وضعه سحرية ويدعي أنها تحقق لنا الأمل الذي طال انتظاره .  ومن آخر هذه العقاقير هرمون اسمه "الميلاتونين" بياع في محلات الأغذية الصحية الطبيعية ويصفونه بأنه العلاج الأكيد للهرم والشيخوخة . 

وقد كتب عنه بعض الأطباء كتباً عديدة وصفوه فيها "بالميلاتونين المعجزة" وأنه يستطيع وقف التغيرات الطبيعية في الجسم ، تلك التي تؤدي إلى الهرم، فما هو الميلاتونين ؟ إنه هرمون تفرزه غدة معينة في دماغ الإنسان وينساب في دمائنا .

وهو يساعدنا على مواجهة أعباء العمل أثناء النهار وفي الفصول المختلفة ، ويعمل على توجيه الهرمونات الأخرى في الجسم لتؤدي وظائفها على أحسن وجه ، ويحدد للإنسان متى ينام ، وللحصان متى يتكاثر ، وللطيور متى تهاجر ، وللضفادع متى تغير لونها .. وبالنسبة للإنسان فإنه يقلل من الأرق ويساعد على مقاومة المعاناة من تغير الساعة البيولوجية عند السفر لمسافات طويلة ، ويمنع الحمل إن تناولنه السيدات بكميات كبيرة ، ويحمي الخلايا من التأثير المدمر للجذور الحرة ، ويقوي جهاز المناعة ويمنع الإصابة بالسرطان ، ويساعد على النوم ويطيل العمر .

 

لقد لاحظ الباحثون أن الكمية التي تفرزها الغدة الصنوبرية من هذا الهرمون تقل مع زيادة العمر ، فاعتقدوا بذلك أن نقصان كميته في الجسم هو الذي يؤدي لإصابة الإنسان بالهرم وظهور أعراض الشيخوخة . 

وقد ساعد على ترسيخ هذا الاعتقاد نتائج التجارب التي أجروها على الفئران ، إذ وجدوا أن إعطاء جرعات من الميلاتونين للفئران بحيث تبقى نسبته ثابتة مع مرور الزمن ، أدى إلى زيادة عمر هذه الفئران لما يقارب ثلاثين بالمائة عن تلك التي لم تزود بالميلاتونين وتركت على حالتها الطبيعية .

وانتقلت حمى الميلاتونين من التجارب المختبرية إلى الصحافة الشعبية واقبل الناس عليه إقبالاً منقطع النظير ، وساعد على ذلك توافره في محلات الأغذية الصحية ودون وصفة طبية إضافة إلى رخص ثمنه ، إذ أن الكمية التي تكفي الإنسان لمدة شهر كامل لا يزيد سعرها على عشرة دولارات .

 

ويذهب الباحثون المتحمسون للميلاتونين إلى أن تاثيره الإيجابي يعود إلى قدرته على التغلغل في سائر أنسجتنا وخلايانا لمقاومة عمليات التأكسد التي تصيب خلايانا وأنسجتنا بفعل الجذور الحرة النشيطة.

وتؤدي هذه الاكسدة إلى إضعاف ذاكرتنا وعضلاتنا مع تقدم العمر إضافة إلى أنها تساهم في إصابتنا بحوالي ستين مرضاً من أمراض الشيخوخة بما في ذلك السرطان وأمراض القلب ومرض الزهايمر (مرض الخرف) .

ولا تعتبر تفاعلات الأكسدة السابق ذكرها السبب الوحيد في هرمنا وضعفنا مع مرور السنين ، ولكن هناك سبب آخر وهو ضعف جهاز مناعتنا مع تقدم العمر .

 

ويعدو ذلك إلى ضمور الغدة الصعترية (التوتة : وهي من الغدد الصماء) مما يقلل من قدرتنا على تكوين الخلايا التائية (خلايا لمفية مشتقة من غدة التيموس التي تشترك في استجابات المناعة) التي تولى محاربة الاستهابات ، تقل قدرتنا كذلك على إنتاج جزيئات الأجسام المضادة التي تتصدى للأجسام الغريبة التي قد تهاجم اجسادنا مثل الفيروسات والبكتيريا .  ويدعى انصار – الميلاتونين أنه يستطيع منع هذا ايضاً والمحافظة على قوة جهاز المناعة في الإنسان .

وإذا كان العديد من التجارب التي أجراها الباحثون على فئران التجارب قد أظهرت أن الميلاتونين يساعد على إطالة العمر والاحتفاظ بقوة جهاز المناعة ومحاربة السرطان وتقليل نسبة الكوليسترول في الدم وعلاج مرض ارتفاع ضغط الدم والتمكين من نوم هانئ ومريح.

 

 إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن الأمر مختلف بالنسبة للإنسان ، إذ يعتقد هؤلاء بان المبالغة في تعاطي الميلاتونين وبكميات وفيرة قد يكون ضاراً بالإنسان ، وأن معظم الفوائد التي يتم الحديث عنها مبنية على أساس من التجارب التي أجريت على الفئران ولم يتم إجراء مثلها على الإنسان . 

ويستمر هذا الجدل بين الباحثين المؤيدين للميلاتونين وزملائهم الذين لا يعتقدون بصحة هذه الفوائد .  لكن ملايين الناس في أنحاء العالم كافة وبخاصة في الولايات المتحدة ، لا يزالون يتناولون كميات من الميلاتونين يحدوهم الامل في عمر مديد ، وشباب دائم ، وحياة خالية من الأمراض .  ويبقى السؤال حول فوائد الميلاتونين قائماً حتى الآن وهل هي حقيقة أم خيال ؟

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى