إسلاميات

استخلاف الإنسان في إدارة البيئة من حقوقه في الإسلام

2007 في الثقافة والتنوير البيئي

الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع

KFAS

استخلاف الإنسان في إدارة البيئة من حقوقة في الأسلام إسلاميات علوم الأرض والجيولوجيا

اعترافا "بحق الإنسان" في البيئة ومواردها، فقد استخلفه الله عز وجل على إدارتها، ووصاه عليها. 

فإذا كان المولى جلت قدرته قد خلق الكون وبيئته، فهو لم يخلقه باطلا أو عبئا بل لغاية قدرها، قال عز وجل ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ (آل عمران/191)، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ (الأنبياء/16)، ثم بعد ذلك خلق الإنسان لغاية قضت بها حكمة الإرادة الإلهية.  والغايتان تلتقيان: تحقيق خلافه الإنسان في الكون. 

وكما يقرر العلماء فإن الإنسان هو خليفة الله عز وجل في الكون، يعمره ويعمل على إصلاحه، واتساع عمرانه وإظهار أسرار الله عز وجل فيه، وإقرار الخير والسعادة في نواحيه ومهمة الخلافة وتعمير الأرض منزلة لا يستهان بها، فقد كانت الملائكة ترغب في النهوض بها بدلا من الإنسان ولكن الله عز وجل منعهم منها، ومنحها للإنسان.

 

واستخلاف الإنسان في البيئة الكونية ليعمرها ويدير مواردها، أشار إليها العديد من آيات القرآن الكريم، فقد قال عز وجل ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة /30). 

وقال عز وجل ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ (الأنعام/165)، وقال الله عز وجل﴿وَاذْكُرُوا ِإذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي  الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ ﴾ (الأعراف /74). 

 

وقال سبحانه:  ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ص/26).

غير أن التساؤل يثار حول سلطان الإنسان في مواجهة موارد البيئة الطبيعية التي استخلفه الله عز وجل فيها، أي مدى ونطاق تلك الخلافة، وما يلحق بها من صلاحيات وسلطات. 

 

وللرد على ذلك التساؤل يحسن أن نقسم موارد البيئة حسب إمكانية حيازتها وإحرازها من جانب الأفراد فتنقسم إلى:

1- الموارد التي يمكن حيازتها للانتفاع بها، كالأرض والحيوانات والزروع وسائر المنقولات.

2- الموارد التي لا يمكن حيازتها وإحرازها، كالشمس والقمر والنجوم والهواء والبحار وهي ليست بأموال يمكن تملكها وحيازتها على وجه الاختيار.

3- الموارد المشتركة بين القسمين السابقين، وهي الموارد المباحة أو ما يقال عنها "المال المباح"، ويدخل فيها كل ما خلقه الله عزوجل لكي ينتفع به الإنسان على وجه معتاد، وليس في حيازة أحد، وبإحرازها تخرج عن إباحتها وتدخل في حيازة من أحرزها.  وكذلك الاسماك في البحار والأنهار والحيوانات البرية في البوادي والقفار ما دامت لم تدخل في حرز أحد.

 

ولما كانت النظم الوضعية تعرف فكرة  "حق الملكية"، فيمكن القول إن للإنسان حق ملكية على القسمين الأول والثالث من موارد البيئة الطبيعية، وبالتالي يكون له سلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف فيما يملكه منها بالطرق السائغة له. غير أن هذا القول لا يبدو مستقيما من منظور الإسلام الذي يعرف حق الملكية وينظمه. 

فالواقع أنه إذا كان حق الملكية يرد على موارد الطبيعية التي تندرج لتقحيق مصلحته ومنفعته، فيجب ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار".  فمن يستخدم المبيدات الكيميائية لحماية محاصيله الزراعية أو يشغل مصنعا تصدر عنه أصوات مزعجة، أو ينفث أبخرة وغازات سامة، يجب منعه من ذلك أو غلزامه باتخاذ التدابير التي تكفل عدم الإضرار بالغير فجلبه مصلحة لنفسه لا ينبغي أن يكون على حساب المضار التي تلحق بغيره. 

ومن تلك القواعد أيضاً "قاعدة الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأخف"، وفي الأمثلة السابقة إذا كان يترتب على خطر استخدام المبيدات نقصان المحصول، أو كان الالتزام بالحد من نشاط المصنع ضرا لشخص، فذلك ضرر أخف ينبغي تحمله في سبيل منع الأضرار الصحية وغيرها التي تلحق بالناس.

 

ولا خلاف في أن القواعد الفقهية وغيرها تهذب من سلطات الإنسان على موارد البيئة الطبيعية، وتحمله على الحفاظ عليها حتى لو كان عليها حق ملكية بالمعنى المتعارف عليه، بل إن مبادئ الإسلام تقرر أن حق الملكية له وظيفة إجتماعية. 

فهو ليس حقا مطلقا يجعل للمالك حق استعمال واستغلال ما يملك كيف يشاء أو على النحو الذي يرى أو يتصرف أو يعدمه دون حسيب. 

ومقتضى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية من ناحية أنه إذا تعارض ذلك الحق مع مصلحة عامة فإن هذه المصلحة هي التي تقدم، فالحق الفردي في الملكية يجب ألا يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق المصلحة العامة. 

 

ومن ناحية أخرى أنه إذا تعارض حق المالك مع مصلحة خاصة هي أولى بالرعاية من حق المالك، فإن هذه المصلحة تقدم بعد أن يعوض المالك تعويضا عادلا.

ومن ثم تتأكد فكرة حق الانتفاع بالموارد البيئية، وتلك المحدودية الزمنية، وقد دل عليها القرآن الكريم، فقد قال عز وجل "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". 

وتفيد المحدودية الزمنية في ضبط سلوك الإنسان في تعامله مع موارد الطبيعة وثرواتها، ذلك أن تلك الموارد والثروات ليست ملكا لجيل دون جيل، بل هي ملك للأجيال كلها. 

 

وهذا يقتضي الحفاظ عليها وصيانتها من الملوثات التي تضر بها، وعدم الإسراف والجور في استغلالها، حتى نورثها سليمة قادرة على الإنتاج والتكاثر للأجيال القادمة. 

فمن واجب الإنسان تجاه نعم الله عز وجل، التي بثها في البيئة، الشكر والثناء بطريقة تتناسب مع طبيعة تلك النعم، وهو ما يكون بالمحافظة عليها وترشيد استهلاكها، حتى تعمر للأجيال والأمم اللاحقة.

وإذا كانت المبادئ المعروضة تخص، بالدرجة الأولى، الموارد البيئية التي تدخل في الحيازة والملك، وتلك التي يمكن أن تكون محلا لتلك الحيازة، وهي الموارد أو الأموال المباحة، فإنها تصدق كذلك بالنسبة للموارد البيئية التي لا يمكن حيازتها أو إحرازها، كالهواء، والأنهار، والبحار، والمناطق القطبية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى