العلوم الإنسانية والإجتماعية

تفسيرات نتائج “عدم وجود فروق أداء الأطفال المنتميين لبرامج الخبرات التقليدية والمتكاملة”

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

تفسيرات نتائج عدم وجود فروق أداء الأطفال المنتمين لبرامج الخبرات التقليدية والمتكاملة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

هناك مسألة أخرى في هذه النتائج في حاجة إلى تفسير وتوضيح وهي عدم وجود فروق إحصائية دالة بين أداء أطفال الروضة المنتمين إلى برامج الخبرات التقليدية وأداء الأطفال المنتمين إلى برامج الخبرات المتكاملة أن هذه المسألة توحي للوهلة الأولى.

أن محاولات تطوير برامج الخبرات في رياض الأطفال بدولة الكويت والتي استمرت سنوات قاربت العشر ، قد ذهبت سدى ، وأن المحصلة النهائية للتطوير المتمثلة في التوصل إلى الخبرات المتكاملة لم تؤد إلى أي تغيير في المستوى العقلي المعرفي للطفل.

 

كما انعكس في أدائه على اختبار تناول عدداً من العمليات العقلية المعرفية وبمستويات متعددة وبنماذج متنوعة لكل عملية من هذه العمليات ، لكن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتأني للوصول إلى تفسير مقبول لما أسفر عنه هذا البحث من نتائج ،  خاصة فيما يتعلق بالمقارنة بين أداء الأطفال بالروضة ذات البرنامج التقليدي والروضة ذات البرنامج المتكامل. 

أول تفسير أخذ به الباحث لهذه النتائج .  جاء من مراجعة التقرير الختامي للجنة تقويم الخبرات التربوية في رياض الأطفال بدولة الكويت والصادر في مايو 1988 عن إدارة المناهج والكتب المدرسة ، حيث اتضح من هذا التقرير.

 

بعد استعراض أهداف الدراسة ومنهجها وأدواتها وعيناتها ، أن الاختبارات التحصيلية التي أعدتها اللجنة المكلفة بتقويم الخبرات التربوية ، وطبقتها على مجموعات من الروضات ذات البرنامج التقليدي في مقابل مجموعات ذات برنامج متكامل قد اوضحت عدم وجود اي فروق إحصائية دالة بين أداء الأطفال في كل من برناجي الخبرات وذلك بالنسبة لخبرة : من أنا – أسرتي – صحتي وسلامتي- المواصلات.

وذلك في المستوى الثاني والمستوى الثالث من الروضة ، حيث لم تتعامل الدراسة مع المستوى الأول ، والتفسير الوحيد الذي قدمه التقرير المشار إليه لعدم وجود فروق بين أداء الأطفال في برنامجي الخبرات على الاختبارات التحصيلية المعدة لذلك ، هو أنه ربما يرجع ذلك إلى تسرب معظم أدوات الخبرة وإجراءات تدريسها في الروضات ذات البرامج المتكاملة إلى الروضات ذات البرامج التقليدية ، وحرص معلمات الرياض في الروضات التقليدية على الاستفادة من منهج الخبرات المتكاملة (التقرير الختامي لتقويم الخبرات التربوية 1988، ص 97-114) .

والحقيقة أن التفسير الوارد في هذا التقرير في حاجة إلى التوقف عنده ليس فقط لأهميته ، بل وايضاً لدرجة الاتفاق بينه وبين النتائج التي أسفر عنها البحث الحالي مع الأخذ في الاعتبار اختلاف متغيرات وإجراءات كل منهما.

 

حيث وجد الباحث أن المسألة ليست مجرد تسرب ادوات وأساليب من روضة إلى أخرى ، ولا هي مجرد حرص معلمة على تحسين أدائها ، بل إن المسألة تبدأ – خاصة فيما يتعلق بالمتغيرات التابعة لبحثنا الحالي – من الأهداف الموضوعة لكل من برنامج الخبرات التقليدية وبرنامج الخبرات المتكاملة ، ثم أساليب عرض وتقويم كل منهما.

إذ تبين للباحث أن برنامج الخبرات التقليدية والذي يشتمل على مجموعة الخبرات الدينية والتهذيب – الخرة اللغوية – الخبرة العددية – الخبرة الاجتماعية – الخبرات العلمية – الخبرات والمهارات الحركية ، يتبنى في الخبرة العددية على سبيل المثال اهدافا تتمثل في : إدراك الأشياء باستخدام الحواس ، التصنيف على أساس صفة مشتركة ، تداول الأشكال الهندسية ومسمياتها ، تكوين المجتمعات ، المقارنة بين المجموعات ، مدلول العدد أو ما يطلق عليه الإدراك الكمي للعد ، العد المتسلسل ، العد الترتيبي ، التعرف على اتجاهات فوق وتحت وأمام وخلف وداخل وخارج ويمين ويسار ، التعامل بالنقود . 

وعند التعرض لاساليب تحقيق هذه الأهداف وتحديد ما يناسب منها كل مستوى من المستويات الثلاثة بالروضة تصدر إدارة رياض الأطفال عن طريق التوجيه الفني مذكرات سنوية تحت على استخدام الألعاب والقصص والأناشيد والمحسوسات وترسم أساليب تتطور سنة بعد أخرى لكيفية التعامل مع الأطفال ، وصولا لكل هدف من الأهداف المشار إليها ، سواء في مجال الخبرة العددية أو غيرها من الخبرات الأخرى التي يتضمنها برنامج الخبرات المتكاملة .

 

كما وجد الباحث أن برنامج الخبرات المتكاملة قد تبنى أهدافا مماثلة ، ويتقصر ما نذكره هنا على مثال واحد من خبرة صحتي وسلامتي ، حيث ورد فيها من الاهداف في المجال العقلي المعرفي : تصنيف الفاكهة والخضروات تبعا للنوع أو الحجم – يذكر ثلاث مأكولات متشابهة – يدرك التشابه والاختلاف بين أنواع المأكولات – يستخدم مفهوم المكان (فوق ، تحت ، يمين ، يسار)

ويستخدم مفهوم الزمان (صباحا) – يميز بين الكبير والصغير – يميز بين الطويل والقصير – يتعرف على مفهوم الدائرة – وذلك بالنسبة للمستوى الثاني فهناك من الأهداف على سبيل المثال : يميز بين الأعداد 1، 2 مع ربط العدد بالمدلول دون خطأ – يعد من 1 – 7 آلياً.

يشير إلى الاول والثاني من مجموعة مفردات مرتبطة بالخبرة – يستخدم العلاقات المكانية فوق وتحت ، يستخدم العلاقات الزمنية قبل وبعد، يقارن بين مجموعتين تختلفان في عنصر واحد ، ويقارن بين طويل وقصير ، يرتب أربعة مجسمات من طويل إلى قصير أو كبير إلى صغير وبالعكس ، وفي المستوى الثالث تتزايد الأهداف لتشتمل على : تصنيف محسوسات مرتبطة بالخبرة حسب خاصية (النوع ،  اللون ، أو غيرهما).

 

يرتب محسوسات وفقاً للطول أو الحجم ، يعد آلياً من 1 –  10 ، وترتيباً من 1-4 ويرتبط بين العدد ومدلوله حتى 4، يستخدم بعض المفاهيم المرتبطة بالزمن (صباحا – مساء) ، يستخدم بعض المفاهيم المرتبطة بالمكن : فوق – تحت – يمين – يسار (دليل المعلمة للخبرات التربوية : خبرة صحتي وسلامتي ، 1986) يرتبط بكل من الأهداف المشار إليها تحديد الأنشطة والتقنيات والوسائل والأركان ومساحتها ، والتي يمكن أن تختار المعلمة من بين نماذج متعددة لها ما تراه مناسبا لتحقيق ما هو محدد لها من أهداف في كل خبرة وفي كل مجال من مجالات الخبرات المختلفة .

إن هذا الالتقاء في الأهداف بين برنامج الخبرات التقليدية وبرنامج الخبرات المتكاملة وبصرف النظر عن درجة الاختلاف في أساليب العرض والتقديم والنشاط والتقويم ، هذا الاتفاق في الأهداف هو الذي أدى – من وجهة نظر الباحث – لعدم وجود فروق إحصائية دالة في الأداء بين الأطفال الذين يعيشون كل نمط من نمطي الخبرة التقليدية والمتكامل . 

لأن هذه الأهداف المشتركة بين البرنامجين هي التي أتاحة الفرصة أمام معلمات بل وناظرات وموجهات الروضات التقليدية من خلال سعيهن الدائم لتحسين الأداء في عملهن إلى تتبع الجديد في الروضات المتكاملة والتأثر به . 

 

بل إن الموجهات الفنيات في الروضة التقليدية كن هن أنفسهن أعضاء في لجان بناء الخبرات المتكاملة ، ولذا لم يكن من الغريب أن تتضمن توجيهاتهن لمعلمات الروضات التقليدية ما يعتقدون في صحته وما يردن إضافته في مشروعات تطوير الخبرات.

ومن هنا كنانت الروضات التقليدية في طريقها إلى تبني أساليب تقديم  وعرض وأنشطة تتفق مع الروضات المتكاملة طالما أن البرنامجين بينهما درجة عالية من الاتفاق في الأهداف وليس عليهن حرج في ذلك. 

المسألة إذن كانت في حاجة إلى تبني أهداف تنبع من إطار نظري صحيح ومن فلسفة تربوية محددة وواضحة لتصحح التوجهات الأساسية للرياض وليس مجرد تحسين في أساليب العرض والنشاط .

 

نقطة اخيرة تضاف إلى هذا التفسير وتتعلق بمدى كفاءة الاستعدادات التي اتخذت للانتقال ببعض الروضات من البرنامج التقليدي للخبرات إلى البرنامج المتكامل للخبرات ، وبخاصة فيما يتعلق بكفاءة تدريب وتأهيل المعلمات والمشرفات فات الفنيات والناظرات والموجهات الفنيات على متطلبات البرنامج الجديد .

وكذلك مدى توافر التقنيات التربوية والوسائل التعليمية وأدلة المعلمات والإمكانات المختلفة لمثل هذا الانتقال ، إذ إن الباحث يرى أن كل ثغرة في هذا الجانب قد أدت بشكل ما إلى تقليل الفارق بين ما يكتسبه الطفل في كل من البرنامجين إلى الدرجة التي أدت في النهاية إلى عدم ظهور مثل هذه الفروق على الإطلاق .

 

إن السمة الأساسية التي يتميز بها برنامج الخبرات المتكاملة هي اهتمام هذا البرنامج بتنوع الاستراتيجيات والأنشطة التربوية المستخدمة في عمليات اكتساب الخبرة وتعلمها من خلال التعامل بين المعلمة والطفل . 

ومن خلال قيام المعلمة بإعداد البيئة التربوية التي تحرك دوافع الطفل نحو البحث والاستكشاف والتعلم الذاتي ، ومن خلال اتباعها للاساليب العلمية في إدارة الصف وتقديم الاساليب المناسبة من التدعيم للاطفال وفقاً لفهمها لخصائص نموهم واساليب تعملها معه.

 

وتقييمها لما يطرأ على كل منهم من تغيرات ونمو (الشريف 1990: 63) ، وهذه السمة الأساسية لم تتحقق بالقدر الذي يكفي لإبراز الفروق في الأداء بين الأطفال المنتسبين لكل نوع من أنواع الخبرة في البرنامجين التقليدي والمتكامل .

تفسير آخر رأي الباحث أهميته للنتيجة التي كشف عنها قبول الفرض الخاص بعدم وجود فروق إحصائية دالة بين أداء  الأطفال الكويتيين الملتحقين بالروضة ذات برنامج الخبرات التقليدية وأداء الأطفال الكويتيين الملتحقين بالروضة ذات برنامج الخبرات المتكاملة في مجال اكتساب العمليات العقلية المعرفية المحددة في التصنيف ، التسلسل ، العد ، الفراغ ، والزمن.

 

ويأتي هذا التفسير من نظرة بياجيه إلى المعرفة على أنها ليست شيئاً يناله الفرد بسلبية من البيئة ،  لكنها مشروع بنائي ، نوع من المغامرة يلعب الطفل فيها دورا نشطا ، يقوده إلى بناء نظام ما يحكم حياته العقلية (Mandler, 1983, p. 96)، هذه المعرفة عند بياجيه لها ثلاثة أنواع كماً أسلفنا .

عند عرض النظرية ، معرفة طبيعية ، ومعرفة اجتماعية ، معرفة منطقية – رياضية (Wadsworth, 1989, p. 51).  وما يهمنا ونحن بصدد مناقشة فرضنا الحالي هو المعرفة المنطقية – الرياضية التي يرى بياجيه أنها تبنى من خلال التفكير حول خبرات الفرد مع الأشياء والأحداث ولا يمكن أن يتطور هذا النوع من المعرفة إذا تعامل الفرد مع الاشياء فقط.

ولكن لا بد من عملية كشف تتم في عقل الطفل حول أفعاله مع الأشياء ، إن أفعال الطفل مع الأشياء تخدم فقط كمجرد وسيط للسماح بحدوث البناء العقلي والمفاهيم العددية على تنوعها وتعدد مستوياتها خير مثال على ذلك . 

 

وما رآه الباحث من واقع برنامج الخبرات التقليدية وبرنامج الخبرات المتكاملة هو أن البرنامجين معا لم يحققا إلا الشطر الأول مما يتصوره بياجيه وهو تعامل الطفل مع الأشياء . 

أما الشطر الثاني من هذا التصور وهو الخاص بحدوث عملية كشف تتم في عقل الطفل حول أفعاله مع الاشياء فهو لم يتحقق لا في الأساليب المستخدمة في برنامج الخبرات التقليدية ولا في الأساليب المستخدمة في برنامج الخبرات المتكاملة ، مما اسفر عن عدم وجود فروق إحصائية دالة بين الأطفال في أي من البرنامجين.

ولعل هذا هو ما يدفع الباحث إلى الاعتقاد في أنه عند التعامل مع طفل الروضة فإن الأكثر تأثيراً على ما يكتسب الطفل – سواء في مجال العمليات العقلية المعرفية او غيرها من مجالات النمو – ليس ما يقدم ولكن من يقدم وكيف يقدم ، وهذا ما يجعل أمر إعداد معلمة رياض الأطفال أمرا بالغ الحساسية والخطورة .

 

أمامنا الآن مجموعة من التفسيرات يمكن أن نلحظها على النحو التالي :

– تسرب أدوات وأساليب العمل من الروضات ذات البرامج المتكاملة إلى الروضات ذات البرامج التقليدية .

– حرص معلمات الروضات التقليدية على تحسين الأداء أسوة بما يجري في الروضات المتكاملة .

 

– تبني أهداف تكاد تكون متماثلة في البرنامجين التقليدي والمتكامل .

– الانتقال إلى تطبيق البرنامج المتكامل دون أن تتوافر المتطلبات اللازمة له بالدرجة الكافية .

 

– عدم توصل معلمة البرنامج المتكامل إلى تحقيق السمات المميزة لمثل هذا النوع من البرامج ، رغم الاجتهادات المبذولة في تدريبها وإعدادها للقيام بهذا الدور .

– اتفاق البرنامجين التقليدي والمتكامل في المحصلة النهائية لهما – طبقا لبياجيه – وهي تهيئة الفرصة للطفل لكي يتعامل مع الأشياء وليس حدوث عملية كشف تتم في عقله حول أفعاله مع الاشياء وبدون حدوثهما لا يتحقق القدر المطلوب لا من النمو ولا من التعلم .

 

إن هذه التفسيرات تنطبق على ما اظهرته النتائج من عدم وجود فروق إحصائية دالة بين الأداء في المستويات الثلاثة بمثل ما تنطبق على عدم وجود فروق في الأداء بين الأطفال الملتحقين بأي من نمطي الخبرة ككل.

ولقد وجد الباحث أن هناك تفسيراً آخر ظهر أكثر وأكثر من خلال مراجعة نتائج كل مستوى على حده ، ومن خلال دراسة محتوى البرنامج التقليدي والمتكامل في كل مستوى على حده ، هذا التفسير ظهر من خلال متابعة عملية انتقال بعض رياض الأطفال بدولة الكويت من تطبيق برنامج الخبرات التقليدية إلى تطبيق برنامج الخبرات المتكاملة.

إن من يتابع عملية الانتقال هذه ويرى النقلة النوعية من البرنامج التقليدي إلى البرنامج المتكامل ، يمكن أن يكتشف أن المسئولين عن عملية التطوير أو الانتقال ، قد نظروا إلى برنامج الخبرات التقليدية ، نظرتهم إلى أي منهج دراسي تقليدي ، ونظروا إليها – ومن خلال تقارير الموجهات الفنيات والناظرات والمشرفات الفنيات والمعلمات أيضا – على أنها تقوم على مجموعة من المواد الدراسية.

 

تقدم للطفل وحدات من تلك المواد وتتمركز حول الأنشطة وتهتم بمضمونها وبأبعادها وبصرف النظر عن درجة ارتباطها بذات الطفل وشخصيته ، وتمارس من خلال برنامج يقيد حرية كل من المعلمة والطفل ، بحيث تجد المعلمة نفسها مطالبة بتعليم الطفل بعضا من الخبرات اللغوية والحسابية والاجتماعية والفنية وغيرها . 

وبصرف النظر عن درجة استعداد الطفل لاستقبالها في هذه الفترة المبكرة من عمره ، التي يكون فيها متمركزاً حول ذاته أو لم يخرج بعد – بالقدر الكافي – من هذه المركزية حول الذات حسب اتفاق الكثير من الباحثين .

 

ترتب على نظرة المسئولين عن التطوير إلى برنامج الخبرات التقليدية على هذا النحو أن نظروا إلى دور الطفل في هذا البرنماج التقليدي على أنه مجرد مستجيب – السلبية التي حذر منها بياجيه وغيره كثيرون – وإلى دور المعلمة على أنها صاحبة المبادرة والإيجابية وإمكانية التدخل بل إنها المصدر الرئيسي بل الوحيد لمعلومات الطفل ، وإلى الهدف من الروضة على أنها تهيئة الطفل إلى اكتساب المهارات الأساسية الثلاث فهي تعده لكي يستطيع في المرحلة التالية أن يقرأ ويكتب ويحسب ، وأساليب التعلم المقررة في هذه النظرة هي التقليد والنمذجة والتكرار .

إن نظرة المسئولين عن التطوير إلى البرامج التقليدية على هذا النحو، لا تخلو من مبالغة ، بل إنها قد أهملت ما أدخل من تطوير على محتوى هذه البرامج ، ما أدخل من تحسين في الأداء عبر عمليات تقديم وعرض الأنشطة والأركان وتقويمها خلال سنوات من التطوير التي امتدت من 1973 وحتى 1984 وهذا ما تؤكده الأفكار والآراء التي تم تبينها في البرامج الجديدة ، لان الكثير منها كان موجودا بالفعل في البرامج المسماة بالتقليدية .

 

هذا التفسير يتأكد أكثر من خلال متابعة الأفكار والآراء التي تبنها السئولون عن تطوير البرامج ، حيث كشفت تقارير اللجان التي قامت بالتطوير وعبر عدد من السنوات من أن برنامج الخبرات المتكاملة ، هو برنامج يتركز حول الطفل ، والخبرات التي يتضمنها خبرات ترتبط بالطفل وتنبثق عنه وتحقق مطالبه وتتنوع مجالاتها معرفيا ووجدانيا وحركيا.

ولا تستند إلى مواد دراسية جامدة، بل تهتم بمفاهيم حياته محسوسة يمكن للطفل تداولها وإدراكها عن طريق حواسه ، ويتحدد دور الطفل في هذه الخبرات بالمبادرة الإيجابية والتدخل ، أما دور المعلمة فيكون الاستجابة للطفل وتوجيهه والإشراف عليه كلما تطلب الأمر ذلك.

وتتمثل أساليب التعلم في هذا البرنماج في التعلم بالاستكشاف والبحث والتعلم بالمحاولة والخطأ ، والتعلم بالتدعيم ، واستخدام أساليب حل المشكلات والأهم من ذلك كله أن هناك تنوعا في أساليب التعلم يمكن المعلمة من اختيار انسب ما تراه لمجموعة معينة من الاطفال لهم خصائص نموهم المحددة .  إن مثل هذه الأفكار والآراء قد لا تكون محل اختلاف كثير.

 

لكنه فضلا عن الاهتمام بالكثير منها في ثنايا برامج الخبرات التقليدية ، مثل الاهتمام بأن تشتمل كل من الخبرات اللغوية والحسابية والاجتماعية والفنية على جوانب معرفية ووجدانية وحس حركية ، ومثل استخدام أساليب التدعيم والتعلم بالمحاولة والخطأ ، ومثل محاولات دؤوبة للارتباط بمفاهيم حياتيه محسوسة يمكن للطفل أن يتداولها وأن يدركها عن طريق حواسه، فضلا عن ذلك كله ، فإن السؤال الاهم ، كيف أمكن لبرامج الخبرات المتكاملة أن توفر البيئة التربوية الصحيحة لتحقيق هذه الافكار والآراء ، وهل تحقق ذك بالفعل أم لا؟

إن من يتابع عملية الانتقال من برامج الخبرات التقليدية إلى برامج الخبرات المتكاملة سوف يجد أنه قد تم الانتقال إلى برنامج جاء معبرا أصدق تعبير عن خليط من العدد من البرامج المتداولة في رياض الأطفال.

ففيه من برامج الهيدستارت Headstart الاهتمام بتوفير الخبرات المعرفية دون إهمال التكامل بين الخبرات الأخرى المكونة للبرنامج ، وفيه من برامج الديستارت (Distar) الاعتقاد بأن المدخل الصحيح لتعلم الطفل بل والحاجة الأساسية له هي لغته التي من خلالها يستطيع التعلم.

 

ومن هناك كانت سيطرة المهارات اللغوية على كافة جوانب الخبرات المتكاملة ، وفيه من البرامج ذات التوجه البياجي مثل برامج Kammi & DeVries وبرامج Furth & Wachs وبرامج Lavatelli فيه من هذه البرامج الاهتمام بالمبادئ وليس التطبيقات التي أكد عليها بياجيه ، مثل العمل على تطوير استقلالية الطفل واعتماده على نفسه ، وتشجيعه على التفاعل المتبادل مع أقرانه.

واستخدام ألعاب الطفل كمدخل للتعليمات ولتطوير المفاهيم ، وكذلك الاهتمام بالعمليات العقلية المعرفية في مجال العدد والفراغ وغيرها ، وفيه أيضاً ترك قدر من الحرية للمعلمة وابتكاراتها حيث تنطلق من دليل عمل واضح لتضيف عليه وفقا لما تواجه من ظروف المواقف التعليمية في برامج الخبرات المتمكاملة – وربما يكون هذا هو الاهم – من برامج منتسوري Montessori

 

فضلا عن مستوياتها وأركانها وهما محوران موجودان في كل من برنامج الخبرات التقليدية وبرنماج الخبرات المتكاملة ، فيه زيادة الاستخدام العملي لحواس الطفل الخمس ، الاهتمام باستخدام أساليب العرض والأنشطة العملية كمدخل للتعلم ، العمل على لفت وشد انتباه الطفل لموضوع التعلم التعلم بأكثر المنبهات وضوحا وتأثيرا ، الاهتمام المتزايد بلعب الأدوار .  وفيه ايضا اطلاع الطفل على ما حقق من نجاح باعتبار ذلك من افضل أساليب التدعيم .

إن هذا التنوع فيما أخذ به برنامج الخبرات المتكاملة في رياض الأطفال بدولة الكويت يمكن ان يكون صدر قوة للبرنامج ، كما يمكن أن يكون مدصر ضعف في نفس الوقت ، وهو لا يكون مصدر ضعف إلا إذا غاب عن هذا التنوع أساس نظري يتم في إطاره الاختيار والانتقاء من بين العديد من البرامج المتوافرة ، وفي هذه الحالة يصبح التنوع وكأنه مجرد حشر للعديد من الآراء والأفكار المتداخلة التي قد تسهل بعضها حدوث البعض الآخر وقد يعرقل بعضها تحقيق الآخر . 

 

إن وجود نظرية يستند عليها البرنامج هو الذي يجعل تحيد الأهداف ممكنا واختيار المحتوى المحقق لهذه الأهداف متاحا ، وتنويع الانشطة والممارسات وأساليب العرض والتقديم وشمول واستمرارية عمليات التقويم والتطوير أمرا ممكنا، وبدون الأساس النظري ، أصبح البرنامج المتكامل للخبرات ليس بعيد الصلة عن برنامج الخبرات التقليدية.

واصبح مجرد خطوة محدودة للأمام خاصة في مجال أساليب العرض والتقديم ، وفي تحويل الأهداف العامة إلى مجموعة أكثر تحديدا من الأهداف السلوكية ، ولذا جاءت النتائج بعدم وجود فروق إحصائية دالة بين أداء الأطفال الذين عايشوا هذا البرنامج أو ذاك في المستويات الثلاثة وفي كل العمليات العقلية المعرفية التي تناولها بحثنا الحالي .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى