العلوم الإنسانية والإجتماعية

البحوث والدراسات التي تم إجراؤها حول آراء “بياجيه” في مجال الفراغ

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

آراء بياجيه في مجال الفراغ العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

رفض بياجيه ما انتهت إليه نظريات إدراك الفراغ ، والقائلة بأن إدراك الفراغ إما أن يرجع إلى ما زود به العقل من إمكانيات الحدس الأولي التي تتمايز نوعياً من خلال الخبرات الحسية ، أو أن يرجع إلى ما يتولد عن التناسق التام بين خصائص المدركات المكانية ومختلف حواس الإنسان.

رفض بياجيه ذلك بناء على ما توصل إليه من أن الفراغ ، بنية عقله مثل بقية المفاهيم الأخرى ينتج عن تفاعل متبادل بين عمليتي الاستيعاب والمواءمة وأن أحد العقبات الرئيسية التي تواجه الدراسات النمائية للفراغ ، إنما تنبثق من حقيقة أن تطور مفاهيم العلاقات المكانية تتقدم على مستويين ، المستوى الإدراكي ، وفي نفس الوقت ، مستوى التفكير والتخيل (Voyat, 1982, p. 51)

ويصف بياجيه تطور المفاهيم المكانية من خلال مرحلتين اثنتينن لهما صفة الثبات ، في أولاهما يستطيع الطفل أن يلتقط العلاقات الطوبولوجية وليس الإقليدية أو الإسقاطية (Brainerd, 1978, p 196) أي أنه وإن كان قادراً على تحديد مفاهيم الداخل والخارج والمحيط الذي يتحرك فيه، إلا أنه لا يستطيع ترتيب الاشياء في الفراغ المتاح له ولا أن يحدد المسافات الفاصلة بينها.

 

في المرحلة الثانية تظهر كل من المفاهيم الإسقاطية والمفاهيم الإقليدية ، تلك المفاهيم التي تسمح له بتمثيل التغيرات التي تطرأ على مواقع الأشياء وأن يضعها في مجموعات قابلة للفهم) (Gruber & voneche, 1977, p. 576)

ومن خلال مجموعة الإختبارات التي أعدها بياجيه للمرحلة الأولى ، والتي تتضمن إختبارات التقارب ، التباعد ، التتابع ، والغلق والاستمرار ، توصل بياجيه إلى القول بأن مثل هذه العلاقات جميعاً يستطيع طفل ما قبل العمليات أن يتفهمها ، في حين أنه من خلال الإختبارات التي أعدها للمرحلة الثانية مثل إختبارات تدوير المسطحات والإحتفاظ بالمساحات والأطوال وغيرها ، توصل بياجيه إلى أن مثل هذه العمليات قد يتوصل إليها الطفل في مرحلة العمليات المحسوسة وليس مرحلة ما قبل العمليات .

ومن الملاحظ أن كتابي بياجيه (Piaget & Inhelder, 1956; Piaget, Inhelder & minska, 1960)  لم يستثيرا من البحوث ودراسات إعادة التطبيق مثلما أثارت كتبه الاخرى عن الإحتفاظ أو العدد او غيرها ، وذلك لاسباب متعددة ومجموع المتوافر من مثل هذه البحوث يكشف عن اثنين من النتائج التي تستحق المناقشة :

 

– أن العمر الذي يستطيع فيه الطفل أن يجتاز إختبارت المحتوى المعرفي للهندسة الإقليدية مثل المساحة ، المسافة الأفقية وغيرها ، لا يأتي إلا متأخراً بكثير عما قدرته كتب بياجيه حول العلاقات المكانية التي يمكن أن نتوقع من خلالها أن يصل الطفل إلى هذا المستوى من العمليات في فترة العمليات المحسوسة في حين أن بحوث إعادة التطبيق كشفت أن ذلك لا يتحقق إلا في مطلع المراهقة . 

وقد توصل إلى مثل هذه النتيجة كل من (Beilin, 1964, 1966; Goldschmid & Bentler, 1968, Smedslund 1963) أما التجربة التي أجراها (Thomas, Jamison & Hummel, 1973) فقد كشفت عن أكثر النتائج إثارة حيث وجدوا أن طلبة جامعيين لم يكن أداؤهم كاملاً على اختبارات الافقية ، فضلاً عن أن محاولتهم في تدريب بعض هؤلاء الطلبة قد باءت بالفشل إلى حد ما.

وبصفة عامة ، فإن البيانات المتوافرة عن الدراسات الخاصة بالأفقية توضح أن أصغر عمر يمكن أن نتوقع فيه وصول غالبية الأطفال لاجتياز هذه الاختبارات هو اثنا عشر عاما ، الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بأن السيطرة المقبولة على مثل هذا النوع من العلاقات المكانية المكانية لا يتم إلا في مرحلة العمليات الشكلية .

 

– النتيجة الثانية التي تستحق المناقشة تخص فرض بياجيه بأن المحتوى المعرفي للهندسة الطبولوجية هو الذي يتطور أو ينمو في ثبات قبل كل من الهندسة الإقليدية والإسقاطية . 

ومثل هذا الفرض رغم أنه يبدو طبيعياً بسبب بساطة وسهولة الأفكار الطبولوجية بالمقارنة مع أفكار الهندسة الاقليدية والاسقاطية ، إلا أن عدداً من بحوث إعادة التطبيق مثل (Daadwell, 1963; Lodwell. 1954; Laurendeau & pinard, 1970; Lovell, Healy & Rowland 1962) قد أكدت جميعها أن صغار الأطفال يمكنهم اجتياز الاختبارات الطوبولوجية في حين يفشلون في الاختبارات الإقليدية أو الإسقاطية .

 

وفي ظل قلة البحوث ودراسات إعادة التطبيق حول آراء بياجيه في مجال الفراغ عموماً أو العلاقات المكانية بشكل خاص ، فإن هناك بعض البحوث المرتبطة بالمجال بشكل غير مباشر والتي قد يكون مفيداً عرض بعض منها مثل :

– أجرى (Emler & Valiant, 1982) دراسة حول " أثر التفاعل الاجتماعي والتعارض المعرفي على تطور مهارات التنسيق المكاني" وذلك من خلال تجربتين تمثل إطار النظري فيما قرره (Doise & Mugny, 1979) من أن عمل اثنين من الأطفال في مهام التعبير المكاني يمكن أن يحدث تقدماً أكث بكثير مما قد يحدثه طفل واحد ، وذلك بعد إجرائهما سلسلة من التجارب على فرض بياجيه بهذا الخصوص . 

وكانت المهمة المستخدمة في التجربة الأولى متمثلة في عمل نسخة من نموذج لقرية بالرجوع إلى علامة تؤدي إلى تدوير الشكل المطلوب نسخة بزاوية 90 وبزاوية 180 وتكونت العينة من 80 طفل يتراوح عمرهم بين 5-8 سنوات من أبناء طبقة وسطى منخفضة في منطقة صناعية.

وتضمن التصميم التجريبي ثلاث مراحل : المرحلة الأولى الاختبار القبلي ويتكون من ثلاث مشكلات ، ثم المرحلة الثانية وتتكون من أربع مشكلات للتدريب ، وأخيراً المرحلة الثالثة التي تكون من مشكلتين للإختبار البعدي . 

 

وأجريت التجربة الثانية وكذلك بنفس العينة ونفس التصميم التجريبي تقريباً مع التوسع في مرحلة التدريب ، وكذلك في حساسية الاختبارات أو المشكلات المستخدمة للكشف عن التطور الذي يمكن أن يطرأ على مفاهيم التناسق المكاني تحت الظروف التجريبية المأخوذ بها . 

وقد أسفرت نتائج التجربة الأولى عن أن التدريب باستخدام كل طفلين مع بعضهما يحقق نتائج أفضل من التدريب فرداً فرداً ، لكنه لم يترك آثاراً فعالة على التدريب المصمم لإبراز التناقض المعرفي داخل الفرد الواحد.

كما كشفت التجربة الثانية عن أن التحسن الذي يحدثه التدريب فردين فردين يرتبط بكمية عدم الموافقة التي تحدث بين الشركاء وذلك كله في إطار من الربط بين هذا التفاعل الاجتماعي والتعارض المعرفي والتعارض المعرفي علي  تطور مفاهيم العلاقات المكانية لدى الطفل .

 

– الدراسات الثانية قام بها (Bryant, 1982) حول " دور التناقض والاتفاق في الاستراتيجيات العقلية للطفل على أفكاره عن القياس" وانبثق الإطار النظري لهذه الدراسة من الدور المهم الذي يلعبه القياس في تعليم الطفل.

وما يتضمنه استخدام الطفل للمقيايس من مبادئ عديدة لعل من أهمها الاستدلال المتعدي (Bryant, 1982, p. 87) وقد اجرى بريانت 4 تجارب لاختبار الفرض القائل بأن الموافقة وليس التعراض بين الاستراتيجيات هو الذي يحدث التغير المعرفي لدى صغار الأطفال . 

وقد اعتمد التصميم التجريبي على التجربة المشهورة لبياجيه حول القياس (Piaget et al, 1960) والتي عرض فيها بياجيه برجاً مبنياً من مجموعة من المكعبات وموضوعاً على طاولة عالية نسبياً ، على أن يقوم الطفل المزود بعصا تسمح له بالقياس ببناء برج مماثل من مكعبات مماثلة على طاولة منخفضة نسبياًن بيحث يكون وضع الطاولتين مؤدياً إلى صعوبة الرؤية المباشرة والمقارنة بين البناءين مما يجعل الطفل مضطراً لاستعمال عصاه في القياس . 

 

تكونت العينة في التجارب الأربع تقريباً من 20 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6-7 سنوات .  وقد كشفت نتائج هذه المجموعة من التجارب عن تدعيم للأفكار التي تقول بأن الطفل يختبر ما لديه من استراتيجيات في مقابل بعضها البعض.

وفي حالة حدوث اتفاق بينها فغن ثقته فيها تزداد ، وذلك ما لا يحدث في حالة وجود تناقض بين هذه الاستراتيجيات وإن كان يعيب هذه النتيجة كونها اجريت على عينة صغيرة نسبياً ولم تطبق إلا في مهارة واحدة من المهارة المعرفية وهي القياس .

 

– الدراسات الثالثة قام بها (Allen, kirasic & Rebecca, 1989) " حول تعبيرات الأطفال عن المعرفة المكانية" ويذكر الباحثون في مقدمة بحثهم ، أن كثيراً من البحوث حول تمثيل الأطفال لما لديهم من معرفة مكانية قد تركز سواء ضمنياً أو بشكل صريح حول الإجابة عن سؤال : كيف يمكن قياس المعرفة المكانية ، مثلما فعل كل من (Siegel, 1981; Newcombe, 1985).

لكن (Liben, 19820 ميزت بني ثلاث دلالات أو تضمينات للتمثيل المكاني ، وهي تخزين المعلومات المكانية، التفكير المكاني ، ثم الإنتاج المكاني ، وقد نال كل من التخزين والتفكير حظه من الدراسة على امتداد العقد الماضي ، وبالتالي فقد يكون من المفيد دراسة الناتج المكاني للوصول إلى وجهة نظر أكثر شمولاً حول التغيرات النمائية التي تطرأ على الذاكرة والسلوك المكاني .

 

ولقد اختبر الباحثون مختلف التعبيرات المتاحة عن المعرفة المكانية من خلال قيام الأطفال بثلاث مهام : بناء نموذج ، وصف لفظي ، اجتياز عكس طريق سبق تعلمه في متاهة . 

تكونت عينة البحث من 3 مجموعات من الصف الأول ، الرابع ، السادس كل منها مكونة من 20 طفلاً في أعمار تتراوح بين السادسة حتى العاشرة.

ولقد كشفت النتائج عن تحسن ملحوظ مرتبط بالعمر في معدل تعلم اجتياز المتاهة وفي دقة الوصف اللفظي مما يشير إلى تعلم المتاهة يتخذ وسائط لفظية ، كما أن اجتياز عكس الطريق في المتاهة كان دقيقاً بعد التعلم وكان أيضاً متساوياً في المجموعات الثلاث مما يشير إلى أن المهارات المكانية العامة والمهارات الخاصة بهذه المهام قد تم تضمينها في مختلف نتائج المعرفة المكانية .

 

وفي تفسير الباحثين لما توصلوا إليه من نتائج ، يشيرون إلى مجموعة من الاعتبارات النظرية الجديرة بالأخذ في الاعتبار ، منها أنه على الرغم من أن كثيراً من الطرق التجريبية المتبعة في دراسة تطور المعرفة المكانية من السهل إرجاعها إلى بياجيه ، إلا أن مناهج البحث وليس الأسس النظرية هي التي وجهت البحث في موضوع المعرفة المكانية بصفة عامة . 

لكن هذا البحث كما يصفه أصحابه (P. 128) يعتبر محاولة للتوسط بين مناهج البحث والأسس النظرية فهو يركز على مفهوم الناتج المكاني وليس على كيفية قياس حالة من المعرفة بأقصى كفاءة ممكنة .

ولقد سبق أن ركزت (Liben, 1982, p. 88) على الدور الذي يلعب نمو المفاهيم ، انطلاقاً من القاعدة البايجية في التفرقة بني العمل الذي يوحى بنشاط في البيئة المحيطة ، والتعرف الذي يوحي بحالة معرفية داخلية.

هذه التفرقة بني العمل والتعرف تضع مسئولية تحديد الافكار المعروفة عن تطرو المعروف المكانية على درجة الاختلاف الظاهرة في تعبير الطفل عما لديه من معرفة مكانية، وهذا ما أيدته الدراسة الحالية .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى