العلوم الإنسانية والإجتماعية

الظواهر السائدة في تفكير طفل ما قبل العمليات

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

الظواهر السائدة في تفكير طفل ما قبل العمليات العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

ويرجع بياجيه هذه الحالة ككل إلى وجود ثلاث ظواهر سائدة في تفكير طفل ما قبل العمليات وهي:

أ- الغائية : Finalism

تتعلق الغائبة بالطريقة التي يجيب فيها طفل ما قبل العمليات على أسئلة مثل Why, What, Where, how، وبخاصة أسئلة Why، ويلاحظ بياجيه أن الفرد البالغ ، يضفي معنيين على سؤالك لماذا ، يتصل الأول بالهدف وراء سلوك معين.

ويتصل الثاني بالسبب وراء وقوع حدث معين ، في حين أن طفل ما قبل العمليات لا يستطيع التمييز بين الأهداف أو الأسباب في أسئلة لماذا ، فهو عندما يستجيب لمثل هذه الأسئلة يستجيب تلقائياً وبشكل يغلب عليه الخلط.

 

حيث يميل الطفل إلى الإجابة عن كل من الأسباب والأهداف في تبادلية ، ويقول بياجيه إن ذلك أمر لا يثير الدهشة بالنسبة للمستوى الذي وصل إليه تفكيره .

هناك ملمح ثان لإجابات طفل ما قبل العمليات على أسئلة لماذا ، فهو على عكس الكبار لا يقبل بوجهة النظر القائلة بأن هناك ببساطة أحداث أو وقائع يمكن أن تحدث بالصدفة .  إنه يعتقد أن كل حدث لا بد وأن يكون وراءه سبب محدد.

ولهذا فهو يطرح سلاسل لا متناهية من الاسئلة المتعلقة بتلك الأحداث ، التي قد يجد الكبار أنه لا معنى لطرح أسئلة حول اسبابها ، إن هذا المعنى الثاني من الغائبة هو الذي يصور بدقة مفهوم الغائية عند بياجيه.

 

إنه عندما يقول إن تفكير الطفل غائي يقصد بذلك أن الطفل يبحث عن سبب بسيط ومباشر لكل حدث مهما كانت تفاهته او احتمالية ان يكون قد وقع بالصدفة . 

وبالنسبة لبياجيه فإن هذه الحقيقة تصور كأوضح ما يكون الطبيعة الاستيعابية لمفاهيم السببية عند اطفال ما قبل العمليات (Brainerd, 1978, P. 103).

 

ب- الاصطناعية : Artificialism

ترتبط الاصطناعية بالغائية ، إنها تشير إلى اعتقاد طفل ما قبل العمليات أن كل شيء موجود لا بد وأن يكون موجوداً بمعرفة الإنسان ، أي أن الإنسان مسئول عن خلقه ، هو أو الإله الذي يخلق الاشياء على النحو الذي يريده الإنسان.

والفكرة الخاصة بإيجاد الإنسان للاشياء قد تتعارض – من وجهة نظر الكبار – مع القوانين العلمية التي تحكم الأشياء الطبيعية ، لكن الطفل يعتقد أنه حتى تلك القوانين هي قوانين شخصية ، تطيع البشر ، وتستجيب لرغباتهم .

 

ومفهوم الاصطناعية عند طفل ما قبل العمليات يكشف عن أي الطفل يعتقد أن الحقائق جميعها مصنوعة طبقاً لما يرغب فيه الإنسان ، وكما كانت الحالة في الغائية ، فإن مفهوم الاصطناعية يتضمن أنه لا يمكن أن يقع حدث ما بشكل تلقائي.

وأن كل واقعة لا بد لها من سبب ، ويقدم بياجيه العديد من الشواهد التي يراها الأطفال مسئولة عن أحداث يلاحظونها ، فالجبال تكبر لأن الأحجار صنعها الإنسان ثم زرعها ولا بد أن تكبر مثلها مثل النبات وهكذا (Piaget, 1967, P. 28)

 

إن الطفل هنا لا يستطيع أن يفصل بين الأسباب الطبيعية والأسباب النفسية ، كما أن تفكيره الاصطناعي لا ينفصل عن تفكيره الغائي ، إنه في حالة بحث عن سبب.

دون أن يعترف بعامل الصدفة ، فلا يجد أمامه سوى أن يفترض أن سبب كل حدث محير يواجهه ينتمي إلى عملية الخلق أو التكوين التي يقوم بها الإنسان .

 

ج- الإحيائية : Animism

احد مظاهر التفكير السببي الثلاثة عند طفل ما قبل العمليات ، بل والأكثر أهمية بينها ، هو مفهوم الإحيائية ، وفي حين أن الإدعاء بالاصطناعية والغائية في تفكير هذا الطفل قد عجزت عن استثارة الباحثين من خارج مدرسة جنيف.

فإن الفرض الخاص بالإحيائية قد اثمر عن سلسلة مكثفة من البحوث التي بدأت منذ الأربعينات ، وما زالت مستمرة حتى الآن . 

ولا يختلف مفهوم الإحيائية عند بياجيه عن المفهوم القاموسي لمصطلح فهو يشير إلى أن الأطفال يضفون الحياة على الاشياء غير الحية ، ويشير بياجيه إلى أن نمو وتطور مفهوم الحياة عند الطفل يمر عبر أربعة مراحل ، الأولى والثانية منها تحدثان خلال مرحلة ما قبل العمليات ، في حين لا تكتمل الثالثة والرابعة إلا خلال مرحلة العمليات المحسوسة .

 

في المرحلة الفرعية الأولى يكون المحك الوحيد على وجود الحياة من وجهة نظر طفل ما قبل العمليات هو الاثر الذي يخلفه شيء ما على الإنسان ، وطالما أن هذا الشيء يمكنه أن يترك بعض أو أية ىثار على الإنسان ، يقول الطفل مباشرة إنه حي وأن له إرادته الذاتية الخاصة به ، مثل الدراجة ، السيارة ، الموقد ، لمبة الإضاءة وغيرها .  (Piaget, 1929, p. 196)

وفي المرحلة الفرعية الثانية ، يفرض الاطفال مزيداً من القيود على تعريفهم للحياة ، حيث لا يضفونها على الأشياء غير القابلة للحركة (مثل الجبل والبحيرة) والمحك المعمول به هنا هو أن تكون الحركة واحدة من وظائفها الطبيعية.

ولنتذكر مثلاً بعض الاشياء التي سبق الإشارة إليها مثل السيارة ، الدراجة ، الشمس ، التي يستمر طفل ما قبل العمليات في النظر إليها على أنها أشياء حية بسبب كونها قابلة للحركة ولا بد أن نلاحظ ان هذه الأشياء لا تتحرك من تلقاء نفسها ، ولكن لأن لمبات الضوء أو المواقد غير قابلة للحركة فإن الطفل يعدها غير حية .  أما المرحلة الثالثة فيزداد فيها حصر الأطفال لتعريفهم للحياة . 

 

حيث لا يضفون الحياة على الأشياء القابلة للحركة من تلقاء نفسها دون تدخل من الإنسان ، وفي المرحلة الرابعة يتوصل الطفل إلى موقف لا يضفي فيه الحياة إلا على الأشياء التي يتفق فيها مع الكبار ، مثل النبات والحيوان (Piaget, 1967, P. 202) (Brainerd, 1978, P. 109) ويعقب (Furth, 1968) على هذه الظواهر الثلاثة وعلاقتها بالمفاهيم السببية عند طفل ما قبل العمليات بأنها تعد تمثيلات عقلية تشير إلى صورة غير نقدية للأحداث .

وتقع بين الخبرة الحسية المباشرة والتي هي مادة الذكاء الحسحركي وبين العمليات العقلية التفسيرية التي تظهر في المراحل النمائية اللاحقة.

 

وبعد أن تم تقديم هذا العرض المختصر لأهم المفاهيم الأساسية في نظرية بياجيه للنمو العقلي المعرفي ، وتعرفنا كذلك على خصائص الطفل في مرحلة ما قبل العمليات.

يصبح من الطبيعي أن نحدد ماذا يستطيع هذا الطفل وماذا لا يستطيع أداؤه من عمليات معرفية (في حدود العمليات المختارة في هذا البحث وهي : التصنيف ، التسلسل ، العدد ، الفراغ والزمن) في ضوء مفاهيم النظرية وذلك على النحو التالي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى