التاريخ

العلم في عصر النهضة الأوروبية

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

عصر النهضة الأوروبية العلم التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

وهكذا بدأ ظهور "الحركة العربية" في أوروبا، وكانت حركة نشيطة لها دورها الذي لا يُنكر في تطوير النهضة الأوروبية .

وكان من أول تلاميذ تلك الحركة "روجر بيكون" و "ألبرت الكبير" وغيرهما من العلماء والمترجمين. وسجَّلت الفلسفة العربية نجاحاً باهراً في أوروبا ، وخاصة كتابات الكندي والفارابي والغزالي وابن رشد، مما كان له أثره الضخم في تطوير الفلسفة الأوروبية.

كذلك كانت المراجع العربية في الطب والرياضيات والفلك والطبيعيات هي المراجع الأساسية حتى القرن السابع عشر. أما علم الصيدلة فقد استمر أثره لما هو أبعد من ذلك، إلى القرن التاسع عشر !!

إلاّ أنه سادت إبَّان عصر النهضة الأوروبية فترة صمت وغموض فيما يختص بنشر الإنتاج العربي، والاعتراف بتقدم العرب العلمي ، لدرجة أن بعض مترجمي المراجع العربية كانوا ينسبون النص الأصلي إلى أنفسهم!.

وأوضح مثل لذلك قسطنطين الأفريقي الذي وضع اسمه على الكثير من النصوص العربية!. واستمر هذا النكران للجميل حتى بدأت حركة الاستشراق خلال القرن التاسع عشر، وأصلحت من ذلك الوضع بدرجة ما .

 

والحق أن الفضل – على نحو ما يقول عبدالرحيم عمران في كتابه المشار إليه – في معرفتنا بالإسهامات التي قدَّمها العرب إلى أوروبا إنما يرجع إلى تلك المجموعة من العلماء المستشرقين المتفانين في عملهم كما يرجع الفضل إليهم أيضاً في حث المعاصرين من العرب على البحث والتنقيب في تراثهم . ويبدو أننا ما زلنا في انتظار سماع القصة الكاملة للعبقرية العربية الأصيلة.

وجدير بالذكر أنه من مظاهر الغموض في معرفة "عربية" المؤلفين أن الأسماء العربية التي حُرَّفت أثناء ترجمتها إلى اللاتينية، بحيث بعُدَ في بعض الأحيان الاسم اللاتيني عن الاسم العربي.

فمثلا كيف نعرف أن الاسم اللاتيني "أفيروس" Averros هو اسم ابن رشد، أو أن "الجازيل" Algazel هو اسم الغزالي، أو أن "الكيندوس" Alkindus هو اسم الكندي، أو أن "هلياباس"  Halyabas  هو اسم على بن عبَاس، أو أن "الباتيجنيوس" Albategnius هو اسم البتَّاني، أو أن "جيسو هالي" Jesu Haly هو اسم عيسى بن علي أبو طب العيون عند العرب (المتوفي عام 925 ه)، أو أن "جوهانيتوس" Johannitus هو اسم حنين بن إسحق رئيس المترجمين في العصر العبَّاسي (والمتوفى عام 873 ه).

وإن كان البعض من الأسماء قريباً جداً من العربية مثل "إدريسي" Idrisi وهو اسم الشريف الإدريسي، و "خلدون" Khaldun وهو اسم عبدالرحمن بن خلدون، و "جيبر" Geber وهو اسم جابر بن حيَّان

 

ولا مراء في أن أثر العرب في النهضة الأوروبية واضح لا يجحده إلاّ مكابر، فقد كانت للعرب :

1- عقيدة وفلسفة تنظم حياتهم وتوجه سلوكهم .

2- كما كان لهم نظام للحكم أشاع روح العدل والتسامح والإنصاف، فتعايش ذوو العقائد والأجناس المتباينة متجاورين يسودهم الأمن والسلام، فتجاور المسجد والكنيسة والمعبد في كل مدينة حتى بعد انحسار حكمهم عن البلاد التي فتحوها .

3- كما كان لهم منهجهم العلمي، الذي يحلُّ تشريح الجثث الآدمية. الأمر الذي كان موضع تحريم رجال الكنيسة ، ويقوم على اسسٍ ثابتة منها الملاحظة والتجريب والاستقراء والاستنباط والدقة والتثبت في إصدار الأحكام ، إلى جانب ملكة التصنيف والتبويب والتفسير .

 

وقد استمر العرب في أسبانيا زهاء قرونٍ ثمانية طوال ( 92 – 897 ه : 711 – 1492 م) ، يشعون على أوروبا والعالم نوراً وحضارة. ولم ينته هذا الإشعاع العربي بسقوط مملكة غرناطة آخر معاقلهم في شبه الجزيرة، بل استمر بعد ذلك متمثلاً في "الموريسكيين" أي المسلمين الذين أُرغموا على التنصر، حيث بقوا في أسبانيا حتى القرن السابع عشر حين اضطروا للهجرة إلى شمالى أفريقيا.

قرون ثمانية، بطولها وعرضها، كانت كافية لأن يترك العرب في الشعبين الأسباني والبرتغالي من رواسب حضارتهم ما لا يزال سمة فيهما حتى اليوم! وكانت أسبانيا بالذات معبراً انتقلت من خلاله الحضارة العربية إلى كلٍ من أوروبا وأمريكا! .

 

فلقد قُدِّر لأسبانيا (الأندلس) أن تقوم بدور كبير خارج حدودها منذ أوائل القرن السادس عشر، فمدّت نفوذها في اتجاهين : أحدهما إلى القارة الأوروبية، والآخر إلى القارة الأمريكية وذلك مذ كشف كولمبس أمريكا.

وكان من الطبيعي أن يحمل الفاتحون الأسبان إلى العالم الجديد كثيراً مما استقر في دمائهم ونفوسهم من سماتٍ عربية . وكان هذا هو الميدان الأول للقاء الشرق العربي بأوروبا …

وكان الميدان الثاني هو جزيرة صقلية والشطر الجنوبي من إيطاليا، وتكررت في صقلية ظاهرة التأثير المتبادل بين الحضارتين العربية والأوروبية .

ثم كان اللقاء الثالث خلال الحروب الصليبية التي استمرت زهاء قرنين من الزمان ! .

وأما اللقاء الرابع فكان عن طريق الإمبراطورية العثمانية شرقي أوروبا! .

 

وكان أهم ميادين الالتقاء فعلاً في الأندلس ثم في صقلية، حيث تعرَّبت الأندلس في مدىً قصير وكذلك صقلية، وظهرت أجيال من المستعربين الذين تشبَّعوا بالثقافة العربية .

ومن الإنصاف أن نذكر هنا – وعلى ما يقول عبدالحليم منتصر في كتابه المشار إليه – إن كثيراً من الإنجازات العلمية التي قام بها علماء العرب نُقلت عنهم إلى أوروبا، التي كان من حسن حظها أن اخترع أحد أبنائها، جوهان جوتنبرغ، الطباعة في أواسط القرن الخامس عشر، فطُبعت الكتب العربية وتُرجمت إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية، وظلت المراجع المعتمدة لدى معاهد العلم في أوروبا قروناً وقروناً في الطب والفلسفة والرياضيات والفلك والطبيعيات وغيرها .

والواقع أن عصر ترجمة العلوم من العربية إلى اللاتينية قد بدأ قبل اختراع الطباعة في أوروبا بكثير، وقد تكامل بشكلٍ جدي في القرن الثالث عشر.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى