العلوم الإنسانية والإجتماعية

أمثلة على المعارك التي خاضها العلماء في حياتهم

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

المعارك التي خاضها العلماء العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

نظراً لاختلاف الآراء وتباين الأهواء وتضارب وجهات النظر، أو حتى التعصب العنصري، كان لا بد لكثير من العلماء أن يدخلوا – طوعاً أوكرهاً – في معارك وخصومات .

وإذا ما استنطقنا التاريخ العلمي في هذا الخصوص، فإنه يبوح لذلك بأمثلة :

– معارك نيوتن :

تورَّط نيوتن في المعركة الدولية التي استعر أوُارها بين بريطانيا التي يمثلها وألمانيا التي يمثلها نده لايبنتز بخصوص الأسبقية إلى ابتكار حساب التفاضل.

وقد أخذ نيوتن على عاتقه أن يعدَّ دفاعاً عن سمعته العلمية بنشاطٍ لا يقل عن نشاطه الذي كان يبذله في محاولته إنشاء شجرة نسبٍ له ولأسرته!.

كما أنه دخل في خصومة أخرى عندما أرسل خطاباً إلى الجمعية الملكية في لندن يحوي نظريته الجديدة عن الضوء والألوان. إذ انهالت على الجمعية خطاباتٍ كثيرة تعارض نتائجه، وتُسخِّف آراءه، أرسلها من يساوي ومن لا يساوي. وانبرى نيوتن يحاج المعارضين دون أن يكسب منهم إلاّ واحداً .

وكان لهذا الجدل أثره الحاد على نفسه، حيث أقسم ألاّ ينشر كشفاً بعد اليوم، غير أنه اضطر إلى النزول على يمينه طمعاً في تقدير الأوساط العلمية .

 

– معارك جاليليو :

كان جاليليو من أتباع الفلسفة الكوبرنيكية، بيد أنه كان يخشى المجاهرة بها كي لا يلقى مصير أستاذه كوبرنيكوس الذي غدا، على الرغم من شهرةٍ أصابته، هدفاً لسهام السَّاخرين والمزدرين .

والحق أن الجرأة لم تكن لتعوز عالمنا، ولكن تعيينه في بادوا كان لمدة سنوات ست فلم يشأ أن يقطع على نفسه، بمجاهرته بتلك الفلسفة ، تجديد انتخابه لهذا المنصب. ففي عام 1698 أُعيد انتخابه وزيد مرتبه .

ومما لا ريب فيه أن ما حدث للفيلسوف الإيطالي برونو في ذلك العهد كان له في نفسه أثرٌ عظيم. فقد جهز برونو بقبوله لفلسفة كوبرنيكوس نظاماً جديداً للكون. فعُدَّ ذلك من قِبَل الكنيسة خروجاً وهرطقة فاضطهدته.

ففرَّ إلى البندقية ، بيد أنهم أحضروه وحاكموه في عام 1594،  وحكموا عليه وألقوا به في غياهب السجن، وبعد أن قضى به سنواتٍ ستا وهو ثابتُ على عقيدته لا يتزحزح أو يلين، رأوا أن السجن له لا يكفي وكان القرار: الإعدام حرقاً!

 

وكانت كلماته الأخيرة : "إنكم وأنتم الحاكمون أشد خوفاً مني أنا المحكوم عليه! لقد كافحت وهذا كثير، أما النصر ففي يد القدر.

أما كيف يكون حكم القدر فالعصور المقبلة لن تنكر عليِّ، أيَّاً كان المنتصر، أني لم أخش الموت بل آثرته على حياة الذل والهوان ".

لقد ترك ذلك الحادث الأليم الذي اغتيل فيه الفكر الحر أثراً غير يسير في أذهان المفكرين ومنهم جاليليو، لذا تريَّث كثيراً قبل أن يغامر بالجهر بآرائه. ومع ذلك كانت بوادر التمرد والتهور بادية عليه مذ شبابه.

ففي أثناء دراسته للطب تجرأ إلى حد محاولة التثبت من صحة عقائد أساتذته، معتمداً في ذلك على طريقته الخاصة، ومتجاهلاً كل ما قُدِّم إليه من نصح وتحذير . وكانت النتيجة رفض أساتذته إعطاءه دبلومه في الطب، وجعلوه يغادر جامعة بيزامشيَّعاً بأقذع النعوت وأحط السباب! – وهذه كانت واحدة .

 

والثانية أنه لما كتب تقريراً – ثبتت صحته فيما بعد – في غير صالح الأمير جيوفاني الذي كان قد اخترع آلة لتطهير مجاري المياه وأُرسل إليه نموذجاً ليفحصه، ثار الأمير لهذه الإهانة وطالب بفصل جاليليو من الجامعة، بعد أن عاد إليها في وظيفة أستاذ كرسي الرياضيات، بدعوى عدم كفاءته، وطُرد بالفعل من الجامعة ! .

وأما ثالثة الأثافي، أنه هاجم الكتاب المقدس، في رسالة بعث بها إلى الدوقة كرستينيا، قائلا : "إنه كتاب دين لا كتاب علوم ، وأن ما جاء فيه بخصوص دوران الشمس حول الأرض لم يكن يهدف إلى تأكيد مركزية الأرض، وإنما كان مجرد تعبير عما نشاهده كل يوم بأعيننا من شروق الشمس وغروبها".

ولكن رأيه هذا، وكذلك كشوفه الأولى بالمنظار المقرب، قد دفعاه إلى مجابهة لجان التحقيق، وأن ينتقل إلى فلورنسا ليُحاكَم بتهمة أنه من أتباع النظام الكوبرنيكى. واستمرت محاكمته شهوراً ستة أُرغم بعدها على التنكر لاعتقاده بدوران الأرض وأن يُقسم على ذلك قسمه التاريخي.

ومع ذلك أصدر كرادلة محكمة التفتيش حكمهم بتحريم كتبه وسجنه في السجن الرسمي التابع للمحكمة لأجلٍ غير مسمى! وفي السجن كُفَّ بصره وقال كلماته التي تقطُر أسيً .

 

– معارك داروين :

هي معركة واحدة بيد أنها للآن لم تنته، إذ لا زلنا نعيشها في جلساتنا وحواراتنا منقسمين بيننا إلى معارضين ومؤيدين .

والمعركة تلك التي نقصدها هي التي قامت فور نشر داروين كتابه الأشهر "أصل الأنواع" بين متقبِّليه ورافضيه.

ولعلنا نذكر الهجوم المتبادل بين اسقف أكسفورد ورجال الدين عامة من المعارضين وهكسلي وبعض رجال العلم من المؤيدين. وداروين إن لم يكن قد شارك – بشكلٍ مباشرٍ فيها – فهذا لا ينفي عنه أنه مثيرُها ومفجِّرها .

 

– معارك باستير :

نذكر منها معركتين، الأولى: بينه وبين بوشيه مديرُ متحف التاريخ الطبيعي وجولي أستاذ علم وظائف الأعضاء. وعلامَ النزاع؟ حول مسألة التولد الذاتي. وخلال المعركة وجَّه الخصوم لباستير الاتهامات، وصبوا عليه اللعنات، وألصقوا به الصفات المرذولة والنعوت الكريهة .

ولكنه صمد حتى كانت الغلبة له، إذ أثبت – في يوم من أيام العلم الخوالد – وأمام قضاة الأكاديمية الفرنسية للعلوم أن الحياة لا تنبثق إلاّ من حياة .

والثانية: بين عالمنا من جهة وزارعي التوت وبائعي بيض ديدان الحرير من جهةٍ أخرى. وقد ذاق فيها الأمرين، كما توالت عليه في أثنائها كوارث شخصية في نفسه وفي أهل بيته، بيد أنه صمد مرة أخرى حتى انتصر رغم قسوة كل الظروف .

 

– معارك لافوازييه :

معركة المعارك …. هي معركة واحدة وكانت القاضية .

مارا، أحد زعماء الثورة الفرنسية، كان دَعيَّا للكيمياء  ولما أرسل برسالته عن الاحتراق إلى لافوازييه وكان رأيه في غير صالح مارا، لفَّق له الاتهامات وقدَّمه لمحاكمةٍ ظالمة كان قرارها يسبق جلساتها، وانتهت المعركة بفصل رأس لافوازييه عن جسده بحد المقصلة صريع أمانته العلمية!.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى