التاريخ

إنجازات مدام “ماري كوري” وزوجها العلمية والصعاب التي واجهتهما

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

انجازات كوري وزوجها العلمية التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

جائزة نوبل … مرَّتين !

كانت ماري، أو مدام كوري من الآن، تقوم بشؤون المنزل. وقد ولدت طفلة ثم اتبعتها بأخرى. ومع الحمل والولادة كانت تدرس لنيل درجة الدكتوراه في الطبيعة.

مجهود مضنٍ وعملٍ متواصل، مع وجود تلف في رئتها اليسرى، العدوى المتوارثة في عائلة سكلودوفسكا، لذا حذّرها الأطباء ونصحوها أن تذهب إلى إحدى المصحات ولكنها لم تعرهم اهتماماً.

لقد كانت مدام كورى مهتمة في وزوجها بيير بتجارب العالم الفرنسي هنري بيكيريل التي دفعته إلى إجرائها كشف وليم كونراد رونتجن الألماني للأشعة السينية وخواصها المذهلة في النفاذ خلال الأجسام.

فما هو كنه هذه الخواص الغامضة؟ ومن أين تأتي تلك الطاقة العجيبة اللازمة لها؟ كانت تلك الأسئلة وأمثالها تخلب لب ماري وبيير .

 

ها هنا إذن موضوع لدراسة مبتكرة وأصيلة. إنه موضوع بحث جدير بدرجة الدكتوراه من السوربون.

هكذا كانت البداية متواضعة ومتحمِّسة في نفس الوقت لذلك البحث الذي أدّى إلى اكتشاف الراديوم.

لقد بدأت مدام كوري في سلوك طريق يوصلها إلى شهادة من شهادات الدكتوراة عادية، ولكنها وجدت نفسها – في نهاية الطريق – أمام جائزتي نوبل ! .

 

عجائب الدُنيا … ثمانية!

ولكن الرحلة في ذلك الطريق لم تكن سهلة مريحة وإنما كانت شاقة عسيرة . وكانت تتطلب منذ الخطوة الأولى رجل وامرأة لديهما خيال فائق وشجاعة نادرة وصبر طويل.

فقد قابلا منذ البداية عقبات أصعب من أن تُقهر، وقهراها. وكان المعمل الذي أعطاه لهما الأستاذ شوتز نبرجر لإجراء أبحاثهما فيه عبارة عن مخزن أخشاب قديم متهدم .

وفي ذلك "المعمل" البارد الرطب الذي يشبه "العشَّة" اندفعت الباحثة الصغيرة المصابة بالسل ومعها زوجها نحو المجهول بكل تصميم . وكان متوسط درجة حرارة المعمل في الشتاء يهبط إلى نحو 7 درجات مئوية. كما كانت أجهزته قليلة وعتيقة، ولكنهما أخذا يختبران بها خواص اليورانيوم وطبيعته. واكتشفا أن الإشعاع الغامض لذلك العنصر كان خاصة ذرية، وكان ذلك كشفاً علمياً أدى فيما بعد – عام 1945 – إلى اختراع القنبلة الذرية ! .

وتستمر المسيرة الصعبة، وتذهب مدام كوري في ذات يوم إلى اختها وقلبها دق دقاً عنيفا ً وهي تقول : "أتعرفين يا بروينا أن الإشعاع الذي لم أتمكن من تفسيره إنما مصدره عنصر كيميائي جديد؟ إن ذلك العنصر موجود وعليَّ اكتشافه" .

 

وشرعت الآن، بصحبة زوجها، في العمل على اكتشاف ذلك العنصر الجديد . كانت قد لاحظت وجود تلك القدرة الهائلة على الإشعاع في مادة البتشبلند وهي إحدى أكاسيد اليورانيوم . وظنت مدام كوري أن الجزء ذا النشاط الإشعاعي من البتشلبند ربما لا يبلغ أكثر من جزء من المائة جزء من إجمالي البتشبلند .

ولكن كم تكون دهشتها لو أنها عرفت – في ذلك الوقت – أن ذلك العنصر الجديد الذي كانت تحاول فصله كان يبلغ جزءاً من عشرة آلاف جزء من  هذا الجزء من المائة . أو بعبارة أخرى جزءاً من مليون جزء من خام البتشبلند؟ ويبيَّن شكل رقم ( 236 ) مدى تعب ماري كوري وهي تحرك البتشبلند .

يا لها من نسبة جد ضئيلة! يضاف إليها أن ثمن الطن الواحد من ذلك الخام وما يحتويه من يورانيوم أكبر مما يطيقان دفعه . وكانت مشكلة تبدو مستعصية الحل .

ولكن لا بد من حل. إذا كان العنصر الجديد موجوداً في البتشبلند، وهو في نفس الوقت مختلف عن اليورانيوم ، فإنه إذن يمكن الحصول عليه وفصله من "المتخلفات" المتبقية من البتشبلند بعد استخلاص اليورانيوم منه – هكذا تساءلا .

 

وإن صحَّ هذا، فإن الحلم وشيك الوقوع ، خصوصاً وأن هذه المتخلفات تعتبر عديمة القيمة، وفي وسعهما أن يحصلا على كمياتٍ كبيرةٍ منها بما لا يزيد كثيرا على تكاليف نقلها .

وانتابت الدهشة الناس عندما بدأ هذان العالمان "العجيبان" يأمران بأن تُشحن أطنان من "النفايات" إلى مخزن الأخشاب الذي يعملان فيه . وعندما وصلت "النفايات" أمسكا بجاروف وأخذا يقذفانها شيئاً فشيئاً داخل مخزن قديم من الحديد الزهر ذي أنبوبة صدئة.

واستمرا أربعة أعوام في عملهما هذا كما لو كانا وقّادين يعملان في جوف سفينة، فهما يجرفان ويلهثان ويسعلان من أثر الأبخر الضارة. إذ كانا يغليان تلك النفايات بعد سحنها وينقيانها لكي يستخلصا منها المادة الثمينة. وكثيراً ما كانت مدام كوري تقف الساعات المتوالية تحرك المزيج وهو يغلي على النار بعصاً حديدية تكاد تماثل وزنها ! .

 

كان البرد والفاقة والإعياء والحمل قد أنهكت جسم مدام كوري فأصيبت بالتهاب رئوي ألزمها الفراش أشهراً ثلاثة قبل أن تستطيع مواصلة بحثها في المعمل . كذلك كان التعب قد حطَّ من قوة زوجها ، فكان يعود إلى بيته متعباً في كل مساء .

وتناسيا كل هذا العذاب! وركزا فكرهما في شيء واحدٍ وهو أن يستدرجا سر العنصر الجديد ليخرج إليهما من وسط المعدن الملتهب .

واستدرجا سرَّيْن!. فبدلاً من أن يجدا عنصراً واحداً وجدا عنصرين جديدين : أسميا أولهما "بولونيوم" على اسم وطن مدام كوري الأصلي "بولونيا" وأسميا الآخر "راديوم". ويُبِّين شكل رقم (237) بيير وماري كوري وهما يستخلصان عنصر الراديوم .

وكانت خواص البولونيوم مدهشة فعلاً، إذ كان نشاطه الإشعاعي أكبر بكثير من نشاط اليورانيوم. ولكن خواص الراديوم كانت هي العجيبة الثامنة  في الدنيا حقا. فقد وجدا أن قدرته الإشعاعية تزيد عن قدرة اليورانيوم بنحو مليون ونصف مليون في المائة!.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى