شخصيّات

نبذة عن حياة الكيميائي “جابر بن حيَّان”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

جابر بن حيَّان حياة العالم جابر بن حيان شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

سل: كارادي فو، أو بول كراوس، أو هو لميارد، أو جورج سارتون، أو غيرهم من علماء الغرب عمَّن يكون "المؤسَّس الأول للكيمياء" أو "شيخ الكيميائيين" ؟. تسمعهم يجيبونك في صوتٍ واحدٍ: جابر بن حيَّان (شكل رقم 203).

الكتكوت الفصيح

في العام الثاني بعد المائة الأولى للهجرة، العشرين بعد السبعمائة للميلاد، وُلد جابر بن حيان، وكان هو نفس العام الذي ودَّع فيه ثاني الخلفاء الراشدين عمر دنيانا إلى دار الخلود .

وفي قرية طوس، في الشمال الشرقي من إيران، كان جابر  ينمو ويكبر، كان آخر العنقود بين إخوته؛ لذا كانوا يُدللَّونه ولكنه كان يُؤْثر الوحدة والتأمل.

وعرف حيَّان في ولده ذكاءً وفضولاً ، فأخذ يلقنه مما يعلم عن أسرار المعادن والأحجار . المعادن والأحجار فيهما – يا جابر – من الأسرار مثلما في النبات والحيوان – هكذا كان يقول الأب لابنه . فالنار تكمن في الحجر مثلما تكمن الأشجار في البذور! نستخرجها بالقدح والثانية بالزرع.

 

ودُهش الأب وهو يسمع صغيره يسأله في هدوء: لِمَ كان الرصاص رصاصاً والفضة فضة والذهب ذهباً والحجر حجراً؟!

وزادت دهشته حينما استطرد الابن: ولمَ كان الذهب أثمن المعادن؟. ولم يجد الأب بداً من أن يحتضن صغيره بحنانٍ قائلاً : الذهب في عقلك يا ولدي، وإني لأرجو لك شأناً بين العلماء.

وخشي الأب أن يتعلَّق ابنه في كبره بما يقوله الفلاسفة وأهل الصِّنعة، صنعة الكيمياء، عن "حجر الفلاسفة" الذي يُحوِّل المعادن الخسيسة إلى نفيسة!

 

وحدَّث حيان جابراً عن هذا الحجر وحذَّره من إضاعة عمره في البحث عنه، وأوصاه بتعلم الطبيعيات والرياضيات علَّه يصل من خلالها إلى جديدٍ في الكيمياء .

سأل جابر : ما الكيمياء بالضبط ؟ أجاب حيَّان : لا أعرف عنها الكثير يا ولدي. لكنني أعرف أن بها يُصنع الصابون كما يُصنع الزجاج ، وبها يذوب ملح الطعام في الماء ، وتُلوَّن الثياب، وتتلاشى الأشياء في الأشياء، ويتحوَّل الخشب في باطن الأرض إلى فحمٍ والفحم إلى حجرٍ والحجر إلى رصاص! .

 

وصايا أب

قاربت شمس الدولة الأموية المغيب في عهد الخليفة الأموي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. وكان جابر يزيد على العشرين ببضع سنين .

كان الصراع السياسي على الحكم يشتد بين الأمويين من ناحية والهاشميين العلويين من ناحية أخرى. وكان دعاة الهاشميين العلويين يجوبون أقطار إيران وفارس والعراق لنصرتهم .

وتحمَّس حيَّان لنصرة آل بيت رسول الله بلسانه وسيفه مع القائد أبي مسلم الخُرساني، وصار يغادر بيته شهوراً يدعو مع الدعاة ويقاتل مع المقاتلين، وظلَّ على هذه الحال سنين عددا. وكان متجره مفتوحاً في غيابه يبيع فيه العطارة للناس أحد بنيه .

وذات يوم حدَّثت جابر نفسه : لِمَ لا تحمل سيفك وتخرج للقتال ضد جيوش الأمويين؟ ولكن أباه نَهَرَه وقال له : لم يخلق الله مثلك للحرب ولا للسياسة. العالِم وحده أمة يا ولدي، والعلماء ورثة الأنبياء. وآن لك يا جابر أن تذهب غرباً وتطلب علماً.

وخرج حيَّان ولم يعد، لقد استُشهد في ساحة القتال ، وحزنت الأسرة على فقد عائلها حزناً عظيماً . وعمل الابن بنصيحة أبيه ، فلم يخرج من طوس داعياً ولا مقاتلاً وإنما عكف على ما كان يدرس من الطبيعيات والرياضيات .

 

زيارة … إمام

طُويت صفحة الدولة الأموية وتولَّى الخلافة الخليفة العباسي الأول أبو العبَّاس . وانتقلت عاصمة الخلافة من دمشق إلى الأنبار على الشاطئ الغربي لنهر الفرات في الشمال الشرقي لمدينة الكوفة.

وهنا أعد جابر نفسه للرحيل غرباً طلباً للعلم كوصية أبيه، وفي رحلته صحب أمه وكتبه بينما بقي إخوته في طوس.

ونرى الآن جابراً في منزله بالكوفة يقرأ ويُعلَّق على ما يقرأ بحواشٍ وهوامش، وهنا تدخل عليه أمه وتقدم له ضيفا – من يكون؟ . إنه الإمام الفقيه جعفر الصادق صديق أبيه القديم.

سأل الإمام جابراً : ما غايتك من العلوم؟ أجاب : الكيمياء ، وقد علمت أن لك فيها باعاً مثلما أنت في الفقه عالم . فضحك الإمام وأشار إلى جابر بمدارسة كتاب "القراطيس" لمؤلَّفه الأمير خالد بن يزيد أحد المشتغلين بالكيمياء.

وراح الإمام يحدث جابراً عن الكيمياء عند كلٍ من اليونان والمصريين والفرس والهنود والصينيين، وكيف أن معارفه لا تزال جد محدودة تحفها الرٌّقى ويشوبها الكثير من السحر والشعوذة.

 

الزواج من … ذهب !

بعث الإمام بكتاب "القراطيس" من المدينة إلى جابر بالكوفة. وتواً انصرف عالمنا إلى مطالعته، كما انصرف إلى البحث عن الكيمياء لدى الحِرْفيَّين من زجَّاجين ونجَّارين وحدَّادين وصفَّارين (نحَّاسين) ومصَّارين (غاسلي الثياب)، ألخ .

وكاد ما مع جابر من مال ينفذ، وحتى لا يكون في حاجة إلى عون والٍ أو امير، فقد افتتح لنفسه بسور بيته حانوتاً للعطارة مثل حانوت أبيه في طوس، يعمل فيه نهاراً ويفرغ لكتبه وأوراقه إلى منتصف الليل. وفي هذه الآونة نزل جابر على رغبة أمه فتزوج من فتاة من الكوفة تدعى ذهب .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى