العلوم الإنسانية والإجتماعية

تشكيل ظاهرة “لجان للأخلاقيات” في المجتمعات

1998 تقرير1996 عن العلم في العالم

KFAS

لجان للأخلاقيات العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

قد يبدو تطور أخلاقيات العلم، للوهلة الأولى، على أنه محاولة من جانب العلماء للمزيد من الانفتاح على المجتمع.

وينظر أحيانا إلى حظر (أزيلومار) -من منطلق مردوداته النفسية والإعلامية-على انه من أولى علامات خوض العلماء في المناظرة المتعلقة بأخلاقيات علم البيولوجيا.

ومع ذلك، فقد سبق للباحثين التعبير عن حساسيتهم تجاه الجوانب الأخلاقية في ظروف أخرى قبل عام 1975. كذلك، ثمة مبادرات أخرى أكثر ديمومة تعكس الوعي المتنامي لدى المجتمع العلمي تجاه بواعث قلق الرأي العام وطموحاته.

وقد اهتم العلماء، بصورة أساسية خلال القرن الماضي، بالترويج لمباحثهم وجعلها في متناول مدارك الجمهور، بهدف الحصول على مساندة الرأي العام.

وأنشئت لهذا السبب على سبيل المثال، الجمعية البريطانية للتقدم العلمي في عام 1831، ثم أُنشئت مجموعة مشابهة لها في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1848.

 

وفي عصرنا هذا، أصبح الباحثون أكثر تنظيما على الصعيد الدولي مما هم على الأصعدة الوطنية، كما اختلفت أهدافهم عن تلك الخاصة بالجمعيات العلمية في القرن التاسع عشر. فلم يعد الهدف في زماننا هذا هو مجرد تشجيع التطوّر العلمي والتقاني فحسب، بل أيضا مراعاة آثار هذا التطوّر في المجتمع، والتعريف بآراء المجتمع العلمي تجاه أمور معينة كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

ومن ثم، انتشرت حول العالم أعداد كبيرة من منظمات العمل المشترك والتعاون بين العلماء، كما يستمر تأسيس مثل هذه الهيئات على نحو منتظم.

وتطول قائمة هذه الجهات، كما أن بعضها بلغ مرتبة المنظمات الدولية غير الحكومية، مثال ذلك المجلس الدولي للاتحادات العلمية (ICSU) ومجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية (CIOMS).

ومما يجب ذكره أيضا كمثال في هذا الخصوص، الحركة العالمية للمسؤولية العلمية (MURS)، بإدارة <J. دوسيه> وهو حاصل على جائزة نوبل، وينسب إليه الفضل فيما تحقق من تقدم شاسع في الفكر المتعلق بأخلاقيات العلم.

 

وتعد هذه المنظمات نافعة لسببين: فهي أولا توفَّر منبرًا للتبادل المتعدد المباحث، وهو ما لا غنى عنه بالذات من أجل عبور الحدود التي تفصل بين الثقافات العلمية المختلفة.

وثانيًا، فإن ما ترعاه هذه المنظمات من نقاشات يسهم -حال الإجهار به-في تحقيق ديمقراطية المناظرة القائمة حول موضوع الأخلاقيات.

ومع ذلك، ما زالت أكثر الظواهر الاجتماعية حداثة هي المتمثلة في إنشاء لجان للأخلاقيات في عدد متزايد من الدول. وبدءًا من الستينات، سار إنشاء هذه اللجان بطريقة شبه تلقائية في مراكز البحوث والمستشفيات، بالذات فيما يتعلق بمجال العلوم الحياتية والصحية.

ثم جُعِل وجودها رسميًا وأصبحت فرنسا في عام 1983 أول دولة تنشئ لجنة استشارية وطنية لأخلاقيات العلوم الحياتية والصحية. ومنذ ذلك الحين، ألهم هذا النموذج دولا أخرى في أوروبا ومن ثم في مناطق أخرى بعدها.

 

ووفقا للمسح المنجز في عام 1994 من قبل وحدة أخلاقيات علم البيولوجيا لدى اليونسكو، يوجد أكثر من مئتي لجنة استشارية وطنية (Kutukdjian, 1994) تتباين من حيث نطاق صلاحيتها والمسؤوليات الموكلة إليها.

وأيا كانت مجالات نشاط هذه اللجان، فحتى تستحق سمة "الاختصاص بالأخلاقيات" عليها أن تستوفي شرطين على الأقل هما: تعددية المباحث العلمية والمذاهب الفكرية، وذلك بضمها ممثلين لما يسمى بالعلوم "الدقيقة" والعلوم الإنسانية جنبا إلى جنب مع ممثلي تيارات فكرية عديدة.

ثم عليها أن تكون بموجب نظامها الأساسي غير خاضعة للسلطات السياسية والاقتصادية، إذ إن الأخلاقيات تقوم بالضرورة على التفاعل الحر للآراء والمعارف (Le Bris, 1993 -Ambroselli, 1995).

ولا تستهدف آراء وتوصيات لجان الأخلاقيات، وهي عادة ما تكون لجانًا ذات مسؤوليات استشارية، إيجاد حلول حاسمة للمشكلات المتعلقة بالأخلاقيات. ومن حيث التعريف، تتجدد مناظرات الأخلاقيات وتتغذى بالتساؤلات التي يثيرها ما يأتي به العلم من أوضاع مستجدة.

 

ومن حيث التعريف أيضا، لا تشكل لجان الأقران (من محكمين أو مراجعين) أو لجان الخبراء أو لجان الأخلاقيات مراكز لصناعة القرار، إذ إن ذلك من اختصاص السلطات السياسة. غير أن لجان الأخلاقيات تمهِّد السبيل لتبني ما يلزم من الخيارات. كما أن أحد الأسس التي تقوم عليها شرعيتها تتمثل في ضمان شفافية المناظرات المتعلقة بالأخلاقيات.

ولم يعد الأسلوب المتمثل في تشكيل "لجان للأخلاقيات" ظاهرة تقتصر على الأصعدة الوطنية؛ فحاليا، ثمة لجان دولية للأخلاقيات، من ضمنها مجموعة الاتحاد الأوروبي الاستشارية للأخلاقيات في التقانة البيولوجية، التابعة للجنة بروكسل.

وقد تأسست المجموعة عام 1991، وتضم تسعة أعضاء -علماء ومحامين وفلاسفة-من تسع دول مختلفة. أما مهمتها فتتمثل في تعرّف القضايا الأخلاقية التي تثيرها تقانات الكائنات الحية حتى يمكن إدراج هذه القضايا ضمن تشريعات تمهيدية للاتحاد الأوروبي تخصّ المجالات المختلفة ذات العلاقة (الزراعة، الصحة، الموارد الغذائية، الصناعة، البيئة، حماية المستهلك، وغيرها).

وثمة لجنة دولية أُخرى للأخلاقيات، تعد الوحيدة من نوعها في العالم، ألا وهي اللجنة الدولية لأخلاقيات علم البيولوجيا (IBC) التي أسستها اليونسكو في عام 1992 بمبادرة من مديرها العام <F. مايور>.

 

ولكون اللجنة (IBC) الوحيدة في مجال نشاطها هذا، فهي توفِّر منبرًا يتمّ من خلاله تبادل الافكار والمعلومات وتقام فيه لقاءات الشمال -الجنوب. فأعضاؤها الخمسون ينتمون إلى 35 دولة ويمثلون عددًا كبيرًا من المباحث العلمية.

وفضلا عن أعضائها من العلماء والمحامين وعلماء الاجتماع، تضم اللجنة أيضا ديموغرافيين وأنثروبولوجيين وعلماء في التغذية. أي إنها في الواقع تضم جميع حقول الاختصاص ذات الأهمية بالنسبة لدول الجنوب.

وعلى خلاف المجموعة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، فإن اللجنة (IBC) لا تبدي آراءها حول مواضيع منفردة. إذ تقتصر اللجنة في جميع اجتماعاتها العمومية السنوية، التي تعقد في المقر الرئيسي لليونسكو وبحضور مدعوين من الجمهور والصحافة، على تقديم تقرير عن الحالة الراهنة والتطلعات المستقبلية لأبحاث علم الوراثة حول العالم وتطبيقاته، مثل العلاج بوسائل علم الوراثة والاختبارات الوراثية والعلوم العصبية والمشورة حول الجوانب الوراثية.

ومع ذلك، فإن المهمة الأساسية للجنة (IBC) ذات طبيعة قانونية، فالصلاحيات التي أُوكلت إليها من خلال مديرها العام، بموجب القرار الصادر بتاريخ 15/11/1993 عن المؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة والعشرين، تنطوي على "إعداد أداة دولية لحماية المجين (الجينوم)  genome البشري."

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى