البيولوجيا وعلوم الحياة

قصة اكتشاف الدكتور “بانتنج” طريقة لتخفيض نسبة السكر في الدم

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

الدكتور بانتنج تخفيض نسبة السكر في الدم البيولوجيا وعلوم الحياة

التاريخ.. يُثني على الاستاذ

أصبح الصباح واستيقظ بانتنج والفكرة التي ألحَّت عليه تزداد إلحاحاً. ماذا يفعل؟ لا بد من مشورة الأستاذ.

ذهب بانتنج إلى الأستاذ مكليود، رئيس قسم الفسيولوجيا بكلية الطب جامعة تورنتو.

وها هو ذا في مكتبه يحاول أن يستنجد بالألفاظ العلمية الضخمة ليقع من الأستاذ الكبير موقع الاحترام والقبول.

وطرح عليه الفكرة، وكان الأستاذ مكليود عالماً، فأراد أن يعرف هل ما يقوله بانتنج قد ثبت بالاختبار وتأيَّد بمباحث الأطباء والعلماء؟ ولعله أشار على بانتنج في شيءٍ من التعالي بوجوب انصرافه بضع سنين إلى القراءة في تشريح غدة البنكرياس ووظيفتها.

أو لعله انقضَّ عليه كالصقر حيث أثبت له في جملة أو جملتين، وهو العالم بكيمياء السكر في الدم، أن باتننج يجهل هذا الموضوع الخطير كل الجهل.

 

ولكن كان بانتنج كعادته عنيدا. فاعترف للعالم الكبير أنه لا يعلم إلَّا اليسير من أمر تشريح البنكرياس ووظائفه وكيمياء السكر في الدم، وأنه لم يثبت بالتجربة أن ما يقوله صحيح، ولكنه يحس في قرارة نفس أنه صحيح فعلاً.

وكلما أكَّد مكليود على مسألة البرهان العلمي وضرورته، بدأ بانتنج يبيِّن بأن ما يحسه في قرارة نفسه لا بد وأن يكون صحيحاً!.

وأخيراً سأله ما يريد، فقال بانتنج: عشرة كلاب ومساعداً وثمانية أسابيع لأثبت ما عجز عنه فطاحل العلماء!.

 

ورفع الأستاذ الثاقب الفكر عينيه من فوق مكتبه قائلاً : هل تنوي القيام بعملية جراحية؟

– إن ما أنويه ليس له أي صلة بالجراحة يا سيدي، إن لديَّ إلهاماً بأنني سوف أتمكن من تخفيض نسبة الوفيات بمرض السكر.

– في كل عام يأتيني طبيب شاب ويقول مثل ذلك!.

– أريد على الأقل أن أحاول.

– إن عظم علماء الفسيولوجيا في العالم يجرون تجاربهم على البنكرياس منذ سنين. فما هي محصلة ما توصلوا إليه؟ إنهم لم ينجحوا سوى في (تلفيق) نظام غذائي لتجويع الفريسة وتعذيبها ببطء حتى الموت!.

– ولكنني عنيد يا دكتور مكليود!

– حسناً! يمكنك أن تبدأ

ولا ريب في أن الأستاذ يستحق الثناء من التاريخ لأنه أعطى إشارة البدء لعملٍ مجيد.

 

رجلان.. وعشرة كلاب!

ما الذي ينوي بانتنج أن يفعله بعد موافقة الأستاذ؟ أخبر عالمنا أستاذه، وغيره من أصدقائه الخلَّص، بخططه المستقبلية: إنه ينوي أن يبيع عيادته وأن يستقيل من عمله بالتدريس.

فقالوا له جميعاً: حمق وتهور، وإن حماسك لتلك الفكرة العارضة لا بد وان تخف ثورته. وأشاروا عليه بالعودة إلى بلدته والمضي في عمله هناك، فعاد ولكن الفكرة ظلت تحتويه.

اليوم 16 مايو عام 1921 . وها هو ذا بانتنج في جامعة تورنتو بوصفه باحثاً (من نفسه) دون ما ألقاب ولا أتعاب. وكان قد أزال لافتة عيادته الطبية وتخلَّى عن آلاته الجراحية، وباع أثاثه، لأنه كان يعرف أن بحثه لن يكن مجرد مسألة تستغرق بضعة أسابيع. ولم تكن معداته غير كافية فحسب بل لم تكن موجود بالمرة! وأما تدريبه على ما ينوي فعله فلم يكن أفضل من معداته!

 

ها هو ذا في غرفة حقيرة ليس فيها إلَّا منضدةٍ من خشب، ومساعد لا يزال طالب طب في الحادية والعشرين، وعشرة كلاب.

كان هذا المساعد، تشارلز هربرت بست، بارعاً في قياس مقدار السكر في كل من البول والدم، وكان أوسع علماً من بانتنج بكيمياء السكر في هذين السائلين، لأن بانتنج كان لا يكاد يعرف منها شيئا.

ولعل جهل هذين الباحثين كان أول باعث لهما على النجاح، حيث أخفق الآخرون لشدة تقيدهم بما هو معروف!. لقد كان بانتنج وبست يعملان في ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير ملائمة بالمرة.

 

إكسير … الأحلام!

اليوم 27 يوليو عام 1921. وفي ذلك اليوم شرع الشابان في عملهما بحماس. وكان بانتنج قد قرأ في مجلةٍ طبية أننا لو ربطنا قناة البنكرياس فإن الغدد المفرزة للعصارة الهاضمة تضمر وتموت، وأوحى إليه ذلك بفكرة…

لقد قرَّر أن يتخلص من العصارات الهاضمة للبنكرياس وأن يزيلها من الطريق. وهكذا يمكنه أن يفصل تلك الجزر الغامضة ويدرسها وهي التي تحتوي، كما يبدو له، على مفتاح السر لمرض السكر: وقال لمساعده: إني أرى أن خلايا الجزر هي التي تعطي الوقود الذي يحرق الكمية الزائدة عن الحاجة من السكر في الجسم السليم، فإذا غاب هذا الوقود أو قلَّ مقداره، فإن السكر يتزايد ويصير الجسم مريضاً به.

وبدا له هذا المنطق مُنزَّهاً عن الخطأ، فاستطرد: … إن مهمتنا إذن هي ربط القنوات البنكرياسية في كلابنا، وأن ننتظر بضعة أسابيع حتى تتحلل العصارات ثم نفصل ونحلَّل الحساء الناتج أو المبتقِّي من بُقع الجُزر.

وبدأ الشابان يجريان التجارب على كلابهما. وارتفع عدد الضحايا! من عشرة، إلى عشرين، إلى ثلاثين إلى … واحد وتسعين دون جدوى!.

 

ولما كان الكلب الثاني والتسعين حدثت المعجزة. إن الكلب الذي كانا قد أزالا منه البنكرياس كان راقداً يحتضر من مرض السكر.

وهنا أعطياه حقنة من مستخلص (الجزر) فبدأت كمية السكر في دمه تتناقص. وبعد بضع ساعات كان الكلب واقفاً ينبح ويبصبص بذنبه. كما كان بانتنج واقفا يُهلِّل ويشير بإصبعه…

لقد اكتشف إكسير الحياة لمرضى السكر. لقد كان محقاً إذاً في فكرته، فالمستخلص الناتج من الجُزر البنكرياسية هو الذي يحرق سموم السكر الزائد عن حاجة الجسم. وأطلق بانتنج على هذا المستخلص اسم (الأيلتين) أي المادة الكيميائية المأخوذة من الجُزُر.

 

ومرَّت الأيام، يوماً في إثر يوم، حتى كان اليوم العشرون. ما الذي حدث يا ترى؟ مات الكلب!!.

لا بد أن خطأ ما وقع فيه الباحثان الشابان. نعم إنهما لم يعطيا الكلب المقدار الكافي من الإيلتين بسبب عدم تمكنهما من الحصول على الكمية الكافية منه، فقد كان الحصول على كميات كبيرة من (مستخلص الجُزُر) هذا صعباً صعوبة الحصول على أندر المعادن!.

حقأ لقد كنا نجري التجارب على إكسير لا وجود له إلَّا في أحلامنا!..هكذا قال الباحثان الشابان والألم والأسى يعتصرانهما

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى