التاريخ

صبر شديد تحلى به العالم “باستير” لإثبات قضيته رغم ظروفه الصعبة

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

العالم باستير التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

بعد أن قدَّم باستير الدليل في مسألة (نشأة الحياة) أخذ يهتم بموضوع متمِّم له (المحافظة على الحياة).

فقد أصيبت ديدان الحرير في إحدى المقاطعات الفرنسية بمرضٍ غامضٍ، وأصبحت صناعة الحرير في فرنسا كلها مهددة بالبوار.  هل من منقذ؟.

لقد طُلب من باستير، الذي كانت انتصاراته قد كسبت له مقعداً في المجمع العلمي، بحث ذلك المرض وأن يوقفه لو أمكنه ذلك.

وعندما شرع في البحث هبَّت عليه من جديد عاصفة من الإهانات والشتائم. وأخذت العاصفة تشتد وتحتد كلما وقف عالمنا في مكانه، وهو غير قادر على التقدم خطوة للأمام في مكافحة ذلك الوباء.

وشارك فيها هذه المرة زارعو التوت، إذ عندما رأوا ديدانهم تموت آلافاً صاحوا به محتجين: (ماذا يعرف ذلك الكيميائي عن شؤون العلاج؟!) والتقط أعداؤه تلك الصيحة وردَّدوها وأضافوا إليها (كيميائي، إنه ليس حتى كيميائياً! إن هو إلَّا طفيلي يعيش على خير البلاد بينما تتجه مصالح فرنسا نحو الكارثة).

 

ماذا يا ترى يكون موقف باستير إزاء كل هذا؟

لا شيء غير الصبر، أي صبر هذا ؟! – لقد أُضيفت إلى تلك الإهانات كوارث أخرى على عاتق باستير.

فقد توفي أحد أبنائه، ثم توفى له ابن ثانٍ، وثالث. إن مثابرتك على العمل في مثل هذه الظروف الصعبة تتطلب ولا شكَّ شجاعة كبرى). – هكذا قال له أحد أصدقائه. فرد باستير قائلاً: (إنني لا أعرف شيئاً عن شجاعتي ولكنني أعرف واجبي).

وكان يقوم بهذا الواجب خير قيام، ثماني عشرة ساعة كل يوم. ولكن المرض كان له بالمرصاد، نوبة شلل أصابته حتى مضت فترة والأطباء من حالته يائسون.

ولكن عقله ظل متوقداً برغم جسده الذي يرقد دون حراك. ولكن ألا يمكن أن تكون فترة المرض فرصة للتفكير والاهتداء إلى حل ما شقَّ عليه حله في فترات العافية؟

 

لقد تمكن في أثناء ساعات مرضه الهادئة أن يكتشف حلاً لتلك المسألة التي بذل في سبيلها الجهد الكبير.

ما الحل يا ترى ! (إن مرض ديدان الحرير يورِّث من جيل إلى جيل عن طريق البيض المريض، فإذا تخلَّصنا من هذا البيض المريض فسوف نحصل على نسلٍ سليمٍ من ديدان الحرير).

يا له من حلٍّ بسيط ! ولكن أنى له أن يحصل عليه إلا بعد طول معاناة؟ ولكن هل آن لتلك الإهانات أن تتوقف؟ كيف تتوقف وتجار بيض دود الحرير يرون فيما يقوله باستير نهاية لعملهم.

فأخذوا ينشرون عنه قصصاً ملفَّقة. وأثمرت القصص ثمرتها الخبيثة، حيث بدأت الشائعات تروج بأن باستير فشل تماماً في محاولاته وقف المرض، وأنه قد شُيِّع من المقاطعة غير مأسوفٍ عليه!.

 

وعندما سمع باستير هذه الافتراءات، وكان في ذلك الوقت على وشك الشفاء من شلله، اكتفى بأن هز كتفيه مرة أخرى وقال: (صبراً).

ولكن العاقبة كانت محمودة، وتلك دائماً عقبى الصابرين. فقد كوفئ باستير على صبره في النهاية.

فقد جرَّب مربو دود الحرير علاجه وحصلوا في كل حالة على نسل سليم من الدود . ونتيجة لهذا النجاح الذي احرزه مؤخراً، أقام سكان مقاطعه آليه تمثالاً له اعترافاً بجميله (اقترح بعض سكان المقاطعة أن يكون التمثال من الذهب الخالص).

ولكنه قال: (إنني أشعر بفخر، أكثر من أي شيء آخر، بأنني تمكنت من تخفيف وقع النكبة التي كانت تهدِّد وكني ولو أن ذلك تم على حسابي).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى