الكيمياء

مذهب “وليم بروت”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

وليم بروت مذهب الكيمياء

الخميرة..الصغيرة

لما وضع مندلييف جدوله الدوري قال في صراحة العلماء: (لقد وضعت جدولي هذا دون عناية بطبيعة العناصر. فهو لم ينشأ قط من الفكرة القائلة بأن كل أشكال المادة ترتد إلى أصلٍ واحد. ولا علاقة تاريخية له بتفكير الفلاسفة الأقدمين).

وكان قصده من هذه الإشارة قول أفلاطون، ومن ذهب مذهبه، بأن (المادة واحدة).

ولكن في عام 1815 ظهرت (في مدوَّنات الفلسفة) رسالة ذهب فيها كاتبها إلى أن المادة الأساسية التي قال القدماء بأن جميع ألوان المادة مبنية منها إنما هي عنصر الهيدروجين، وأيَّد قوله بأنه استخرج الأوزان الذرية لطائفة من العناصر فوجدها أعداداً صحيحة. وأنها مضاعفات (مكررات) عدد وزن الهيدروجين الذري.

فأوزان الزنك والكلور والبوتاسيوم الذرية مثلاً هي 32و36و40 على الترتيب. فلما اصطدم بأوزانٍ ذرية مكسِّرة (أي ذات أعداد غير صحيحة)، حكم بأن الأوزان المستخرجة خطأ وأنه متى أتقنت وسائل استخراجها في المستقبل سوف يثبت أنها أعداد صحيحة.

 

ولو أن صاحب هذا الرأي كانت له منزلة برزيليوس مثلاً أو غيره من كبار علماء ذلك العصر، لكان رأيه قد أحدث هزة في الدوائر الكيميائية وحمل بعض الباحثين على البحث فيه.

ولكن الكاتب المجهول كان طبيباً إنجليزياً شاباً، وليم بروت، فذهب قوله بأن العناصر مركبات مختلفة الدرجات من عنصر الهيدروجين كصرخة في واد.

فقد كانت حقائق التحليل الكيميائي المسلَّم بها في ذلك العصر تنقض دعواه. أضف إلى هذا أنه هو لم يبحث بحثاً مبتكراً في تحديد الأوزان الذرية بل اعتمد على نتائج الباحثين الآخرين واختار منها ما يوافق رأيه ويؤيده.

ومع كل هذا فقد حمل مذهب بروت علماء كبار على تمحيصه، وكان لهم بمثابة النواة أو الخميرة الصغيرة…

 

إحياء… مذهب بروت

عمد كلٌّ من برزيليوس السويدي وستاس البلجيكي، بناءً على خميرة بروت، إلى التدقيق في استخراج أوزان ذرية مضبوطة.

فظهر من هذه المباحث التي وصلت في تدقيقها إلى الرتبة العشرية الرابعة، أن أوزان طائفة كبيرة من العناصر بعيدة أن تكن أعداداً صحيحة.

ومن ثم عادت الكيمياء فاستقرت مُغفِلَةً بروت ومادته الأساسية، وعاد بروت نفسه إلى لندن لممارسة الطب، حيث اكتشف حمض الهيدروكلوريك في العصارة المعدية، ومضى قرن من الزمان واسمه في طي النسيان.

ولكن ما أتم موزلي بحثه في الأعداد الذرية وظهرت نتائجه الباهرة، قفز ذكر بروت إلى إذهان العلماء. ألا يصح أن يؤيد قوله بنتائج المباحث الجديدة فيثبت أن القول بوحدة العناصر ليس قولاً هراء؟ ألم يثبت كومسون أن الإلكترون موجودٌ في كل العناصر؟ ألم يؤكد رذرفورد أن ذرات الهيدروجين موجودةٌ في نَوَىَ كل العناصر؟ وهذا موزلي ينفذ إلى قلب الذرة ويؤيد رأي رذرفورد في عدد البروتونات التي فيه وهي ذرات الهيدروجين موجبة الشحنة.

 

إذن لقد صار مذهب بروت، في ضوء كل هذه الإنجازات، أقرب إلى التصديق. لقد قال بروت (إذا صحت الآراء التي تجرأنا في تقديمها، حق لنا أن نحسب بروتيل القدماء (المادة الأساسية التي بُنيت منها كل العناصر في ظنهم) هو الهيدروجين). وها هي ذي المباحث الجديدة تشير إلى وجود الهيدروجين بالفعل في نوى كل العناصر.

ولكن ثمة عقبة تحول دون التسليم بهذا الرأي، وهي العقبة القديمة ذاتها. ذلك إن صحَّ أن كل العناصر مركبات مختلفة الدرجات من عنصر الهيدروجين، فإن الوزن الذري لكل عنصر يجب أن يكون عدداً صحيحاً وأن يكون من مضاعفات (مكررات) الوزن الذري للهيدروجين. وإذن لا مكان في هذا المذهب لوزنٍ ذريٍّ به كسور.

ولكن كيف يمكننا تعليل أوزان ذرية مكسورة كوزن الكلور وهو 53.46 ووزن الرصاص وهو 207.2؟.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى