الفيزياء

أبحاث العالم “لانجموير” التي أجراها داخل داراً للبحث العلمي

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

العالم لانجموير البحث العلمي الفيزياء

كان يدير تلك الدار رجل يدعى الدكتور ولس وتني وهو رئيس سابق للجمعية الأميركية الكيميائية ومن رواد البحث العلمي في الشركات الصناعية.

ولما أقبل عليه لانجموير لم يُحدِّد له بحثاً معيناً يكب عليه في الحال، وإنما اقترح عليه أن يقضي بضعة أسابيع يطوف خلالها أرجاء الدار ويراقب الباحثين فيها.

ففتن لانجموير إذ فعل، فُتن لأن عيناً بشرية لم تقع على مشاهد أغرب مما شاهد. فهناك رجال يحاولون النفوذ إلى أسرار العلم ومكنونات الصناعة، ويرشدهم رجل خبير بأخلاق الرجال عالم بأحوال المادة.

وفي أثناء تجواله استرعى انتباهه أمر كان يحير الباحثين فمال إليه. ذلك أن الباحثين وقتئذ كانوا يحاولون أن يصنعوا من عنصر التنجستن السريع التكسر سلكاً ليِّناً لا ينكسر، يسهل مده، ليستعمل في المصابيح الكهربائية. وكانوا قد أعدوا مئات النماذج من سلك التنجستن، وكانت كلها سريعة التكسر إلا ثلاثة.

فذهب إلى الدكتور وتني، وطلب إليه أن يُعيِّن له البحث في موضوع هذا السلك. كان غرضه بل همه البحث في سلوك الأسلاك أو تصرفها متى أُحميت لدرجة البياض في مصابيح مفرَّغة من الهواء.

 

ما السبب في تكسر كل هذه الأسلاك بعد تجربتها وبقاء ثلاثة منها دون تكسر؟. وكأن لانجموير رأى، بعين الساحر، السر في كل ذلك قبل الشروع في البحث، فلما شرع فيه سار تواً إلى محجة الصواب.

ذلك أنه حسب أن بعض الغازات التي تمتصها الفلزات هي منشأ ضعفها. قَبِلَ وتني اقتراح عالمنا وجعل في متناول يديه كل إمكانات الدار العلمية والصناعية، وتوسّم في الباحث الجديد الخير كله.

أقبل لانجموير على البحث وقد استخفه الفرح بتحقيق الأحلام. وما أعظم الفرق بين معمله هنا ومعمله الصغير الذي أنشأه في حداثته بمعونة شقيقه! بل ما أعظم الفرق بين هذه المعامل الحديثة ومعامل جامعة جوتنجن ذاتها!.

كان لانجموير ينتظر أن يرى –بحسب نظريته- مقداراً يسيراً من الغاز يخرج من الأسلاك المحمية في المصابيح الزجاجية. ولكن الذي بعثه على الدهشة العظيمة أن مقادير كبيرة جدا من الغاز خرجت من أسلاك التنجستن لدى إحمائها في مصابيح مفرَّغة.

وكان واسع الاطلاع، فتذكر ما قرأه لطومسون-مكتشف الإلكترون- عن مقدرة بعض الأسلاك على امتصاص الغازات واطلاقها متى أُحميت. وهذا سلك التنجستن يُخرج لدى احمائه غازاً يزيد مقداره سبعة آلاف ضعف على حجم السلك الذي خرج منه!.

 

أخرج لانجموير كل الغازات التي كان سلك التنجستن قد امتصها، ولكنه بدلا من أن يفرغ المصباح من أي غازٍ فيه حتى لا يكون هناك أكسيجين يحرق السلك، ملأه بغازاتٍ خاملة واختار النيتروجين والآرجون لذلك، لأنهما لا يتحدان بعنصر التنجستن ولو بلغت الحرارة درجة البياض.

وهكذا مضى لانجموير يجري التجارب على مصابيحه وفي متناوله ما يشاء من مالٍ وأعوان. لأن مدير الدار كان يعتقد في أن كل تطبيقات العلم أو الكثير منها قد نشأ من الرغبة في معرفة ما هو خفي.

وتاريخ العلم، في نظره، دليلٌ مسلسل الأحداث يثبت ذلك. ومن أشهر أحداثه اشتغال ماكسويل بالضوء من الناحية الرياضية الفلسفية وكيف أفضى ذلك فيما بعد إلى التطبيقات اللاسلكية في هذا العصر.

انقضت أعوام ثلاثة ولم يخرج عالمنا بأي تطبيق علميِّ يستحق أن يذهب به إلى رئيسه قائلا : (إن هذا الاستنباط يوّفي الشركة الأموال التي أنفقتها). ولكن وتني لم يسأله في ذلك، ولا الشركة طالبت وتني به.

 

 ومن ثم مضى في بحثه حتى أتقن المصباح الكهربائي اللامع الحديث، سلكه من فلز التنجستن، وبُصيلته الزجاجية مملوءة بغازي النيتروجين والآرجون، فوفَّر بذلك نحو 200 ألف جنيه كل ليلة مما ينفقه الشعب الأمريكي على الإضاءة فقط!.

ولما وصف مباحثه لأرباب العلم التطبيقي قال (إن التوصل إلى المصابيح المملوءة بالغاز كان يتجه مباشرة للتجارب التي قمت بها في دراستي للهيدروجين في حالته الذرية. فإنني إذا أحميت أسلاك التنجستن في غازاتٍ تحت الضغط العادي لم يكن لي أي غرض غير هذا البحث النظري).

وقد مكَّنته دراسته تلك للهيدروجين طوال 15 سنة من أن يستنبط في عام 1927 (شعلة الهيدروجين الذري) للحم الفلزات التي لا تُصهر إلا في درجات جد عالية من الحرارة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى