التاريخ

النصوص المسرحية الثلاثة عن حياة جاليليو

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

النصوص المسرحية الثلاثة حياة جاليليو التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

كتب المؤلِّف المسرحي الكبير (بريخت) نصوصاً مسرحية ثلاثة مختلفة عن حياة جاليليو (شكل رقم 36) في مسرحيته المعروفة (حياة جاليليو).

انتهى بريخت من النص الأول لهذه المسرحية في الدانمارك عام 1939، عندما ذهب إليها مهاجراً بعد أن استتب النظام النازي في ألمانيا.

وهذا النص يعكس بشكلٍ ما وقائع حياة جاليليو كما تشير إليها الكتب والروايات وإن امتاز بعداء واضح للكنيسة الكاثوليكية، كما أنه كان قليل الاحتفال بالنواحي السياسية في حياة جاليليو.

وعندما استقر بريخت في الولايات المتحدة عام 1940 أعاد – تحت تأثير الممثل تشارلس لوتون- كتابة المسرحية بحيث بدا العالم الفلكي والرياضي والفيزيقي الكبير في صورة الانتهازي الجبان.

وفي هذه الصياغة الثانية للمسرحية نجد منظراً يثير الاشمئزاز، فيه يتعاون جاليلو مع بعض القوى السياسية الإيطالية الرجعية ويملي خطاباً يناقش كيف يمكن استخدام نصوص الإنجيل لكبت ثورات فقراء الفلاحين!.

 

غير أنه خلال إعادة كتابة المسرحية وقع حادثٌ جلل، لقد أُلقيت أول قنبلة ذرية على هيروشيما ومات في الدقائق الأولى لسقوطها نحو ربع مليون من البشر!

وهذه القنبلة صنعها علماء كبار، رياضيون وفيزيقيون، لا يقلون أكاديمياً في عصرهم عن مستوى جاليليو في عصره.

رجالٌ طيبون لم يكونوا يوماً مرتاحي الضمير إلى صنع هذا السلاح الرهيب، ولكنهم تهيَّبوا التمرد على السلطة واستسلموا في آخر الأمر لها، واستطاعوا بشكلٍ أو بآخر من أن يبرِّروا هذا الاستسلام أمام ضمائرهم.

وفي لحظةٍ خاطفةٍ من لحظات التأمل بدا جاليليو – في عيني بريخت- ممثلاً لكل هؤلاء العلماء. كتب بريخت يقول : (إن العصر الذري قد فرض نفسه علينا خلال عملنا- كتابة المسرحية- وفي ليلةٍ واحدة أصبح لتاريخ حياة مؤسِّس النظام الجديد للفيزيقا معنىً مختلفٌ).

وهكذا نجد أنه في الصياغة الثالثة والأخيرة لمسرحية بريخت (حياة جاليليو) يتحول البطل من مناضلٍ في سبيل التقدم إلى تابع، ويبدو ممثلاً لعالم الفيزيقا الذرية الحديث، رجلاً عالي الكفاءة من الناحية العلمية ولكنه لا يجب أن يكون شهيداً في هذا العالم، فيلجأ إلى إنقاذ حياته وعلمه بالتكيف مع ما تطلبه السلطة والخضوع لها!.

 

إن جاليليو الذي قدَّمه بريخت في الصيغة الثالثة والأخيرة لمسرحيته، وهي الصيغة التي قُدِّمت على مسرح بريخت في برلين الشرقية، لا تنفي عنه صفة البطولة فحسب بل تُقدِّمه كمجرم اجتماعي في قضايا عصره.

وبريخت يعتبر أن استسلام جاليليو أمام الكنيسة الكاثوليكية في نهاية الأمر إنما هو الخطيئة الكبرى في حياة هذا العالم الكبير.

أي من هذه النصوص الثلاثة أقرب إلى الحقيقة التاريخية؟ وإلى أي حدٍ كان بريخت صادقاً في تصوير حياة جاليليو؟ أكان المؤلِّف مغالياً في تحميل هذا العالم الكبير مسؤولياتٍ فوق ما تتطلبه ظروف عصره؟.

أسئلة مهمة، وإن كان ليس من السهل الوصول إلى إجابةٍ شافيةٍ عنها قبل استعراضٍ مفصَّلٍ لحياة جاليليو وأبعاد الصراع والمواجهة بينه وبين الكنيسة الكاثوليكية آنذاك…

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى