التاريخ

هجوم عنيف من جوته لـ”نيوتن” بواسطة نظريته في الألوان

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

هجوم جوته لنيوتن نظرية الألوان التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

زعيم العصابة… وقطيعه!!

سؤال: كيف أمكن لشاعر وأديب وسياسي ومفكر ورجل دولة مثل جوتة أن يهتم بأحد العلوم الطبيعية، علم البصريات، ويجري فيه التجارب ويؤلِّف كتاباً؟!.

ربما كانت الإجابة في أن السبب يعود إلى زيارته لإيطاليا عام 1786 لأول مرة في حياته. وهناك بهرته ألوان الريف الإيطالي كما بهرته ألوان كبار الرسَّامين الإيطاليين في لوحاتهم، فأحس بالحاجة إلى تقديم نظرية في تفسير الألوان.

في ذلك الوقت كان لنيوتن نظرية في الضوء، استخلصها بعد تجارب معقدة.

وكانت النتيجة التي توصَّل إليها في هذا الخصوص هي أن الضوء الأبيض يحتوي على كل الألوان في داخله وأنه يمكن –باستخدام منشور- فصل هذه الألوان.

 

ولكن جوته رفض النظرية واعتبرها أمراً غير مُرضٍ!، فقد كان شديد الارتباط بفكر أرسطو وتصوراته.

وبناءً عليه بحث عن نظرية في تفسير الألوان تقوم على الأضداد كالنور والظلمة.

وحاول أن ينظر إلى جسم أبيضَ من خلال منشور، وبدلاً من أن يرى هذا الجسم في ألوانٍ مختلفة (كماً توهم أن هذا ما يدّعيه نيوتن) وجد ألواناً على حروف المنشور فقط، وعلى الفور تصوّر أن نظرية نيوتن باطلة!

وقدَّم بدلا منها نظرية تقوم على أن عين الإنسان هي التي تخلّق الألوان من بين الخلائط المختلفة للنور والظلمة.

 

هكذا يصبح الإنسان هو مركز عملية المشاهدة الفيزيقية، فالإنسان عند جوتة هو أدق جهاز فيزيقي ممكن، ومشكلة فيزيقا نيوتن هي أنها تعترف بالطبيعة فقط عندما تحاصرها في أجهزة صناعية!.

وكم امتلأ كتاب جوتة (نظرية الألوان) بالهجوم غير المسؤول على نيوتن متهماً إياه بمقاومة الأدلة الواضحة وضوح الشمس، ناعتاً إياه بأنه (زعيم العصابة) وكل الفيزيقيين هم (قطيع نيوتن)!.

وغنى عن البيان أن نظرية جوتة في الألوان كانت موضع رفض كل علماء الفيزيقا منذ ظهورها وحتى اليوم، وكان الرفض لأسباب علميةٍ قاطعة.

 

ولقد كشف جوتة في هجومه هذا العنيف على نيوتن مدى ارتباطه بفكر فلاسفة الإغريق من مثل أرسطو وأفلاطون، وكانت كل خشيته أن تدخل الرياضيات في علوم الفيزيقا فتدمر المشاهدة الفردية ونضوجها، ولم يكن موقفه هذا إلا صدًى لهجوم أرسطو على المدرسة الفيثاغورية!.

حقاً لقد كان جوتة في عدائه لنيوتن كمن يحاول السباحة ضد التيار، تيار العلم الدافق في القرون الثلاثة الأخيرة الذي كان فكر نيوتن المُولِّد له والدافع.

وقد انعكس موقف جوتة المناقض للمعرفة العلمية (الجافة) في مسرحيته (فاوست) فنصوصها مليئة بأفكاره عن العلم كنشاطٍ قاتلٍ لروح الإنسان (كل علمٍ، أيها الصديق، أغبر ورماد.. أما شجرة الحياة الذهبية فهي وحدها الخضراء!!).

 

الصدارة… في قائمة الخالدين

لعل التقييم التاريخي لنيوتن أنه أعظم العلماء أثراً في فكر الإنسان وفي حياته، فحياة الناس أصبحت بعده شيئاً آخر.

فقد اهتدى إلى الكثير من الحقائق، وعرَّف البشرية سُبل هذا الاهتداء كما توصَّل إلى الكثير من القوانين التي تُشكِّل في مجملها جزءاً من الناموس الذي يحكم الكون.

وواحد من أعظم اكتشافاته هو حساب التفاضل والتكامل الذي توصَّل إليه وهو في الحادية والعشرين، وهو أساس كل العلوم النظرية الحديثة. وإذا لم يكن قد ابتدع إلَّا هذا، فهو كافيه لأن يتصدَّر قائمة الخالدين.

ولكن أعظم اكتشافاته على الإطلاق هو قوانين الحركة والجاذبية.

ولكل هذا، ولغيره، استحق عالمنا أن يكون بحقٍ أميراً للفلاسفة الطبيعيين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى