التاريخ

المعاناة التي شهدها ابن سينا في حياته

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

معاناة ابن سينا التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

سبحان الله! رغم المكانة تكون المعاناة، ومع الشهرة تكون الخطوب: فلكم قاسى ابن سينا في حياته وعانى، وتلك أمثلة لمقاساته ومعاناته:

1-دخوله السجن: كم عانى ابن سينا من المرتزقة المحيطين بولاة الأمر، فأدخلوه السجن مرتين: مرة في عهد شمس الدولة البويهي حاكم همذان، والثانية في عهد علاء الدولة أمير أصفهان.

2-سرقة كتبه: وهي خساره له ولنا فادحة. في عام 421هـ (1030م) استولى مسعود الغزنوي على أصفهان، وأثناء الغزو نُبهت دار ابن سينا.

وهكذا فُقدت موسوعته الضخمة (الإنصاف) التي تقع في عشرين مجلَّداً تضم ثمانية وعشرين ألف مسألة من المسائل الفلسفية!! بما فيها فلسفته الخاصة التي أشار إليها بـ (الحكمة المشرقية).

ولم يسلم من هذا العمل الكبير إلا النزر اليسير، إما أن يكون قد نجا من أيدي الناهبين، أو أن يكون ابن سينا قد أعادَ كتابته فيما بعد. منها قسمٌ من (شرح كتاب الربوبية) المنسوب خطأ لأرسطو و(شرح كتاب ما وراء الطبيعة) و(تعليقات وهوامش على كتاب النفس لأرسطو).

 

3-اتهامه بالزندقة: وهذه ثالثة الأثافى وكبيرة الكبائر. فريةٌ عظمى ينفيها مؤرِّخو العلوم نفياً قاطعاً، دفاعهم في ذلك:

أ) يذكر جمال الدين القفطي في كتابه (تاريخ الحكماء) ما كان يقوله ابن سينا: (كلما كنت أتحيَّر في مسألة أو لم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس، تردَّدت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مُبدع الكون، حتى يفتح لي المغلق وييسَّر المتعسِّر.

وكنت أرجع ليلاً إلى داري واضعاً السِّراج بين يدي مشتغلاً بالقراءة والكتابة. ومتى أخذني أدنى نوم حلمت بتلك المسألة بعينها حتى إن كثيرا من المسائل اتضحت لي وجوهها وأنا في المنام).

 

ب) يقول فاضل أحمد الطائي في كتابه (أعلام العرب في الكيمياء): (وقد أجاد ابن سينا عندما وصف عقل الأنبياء بالعقل القدسي. وهكذا وضع الأنبياء في منزلة تعلو على الإنسان السوى، واعتبر عقولهم عقولاً قُدسية تتصل بالباري عزَّ وجل، فهم يُلهمون بل يُوحى إليهم.

ومن الغريب أن نرى من بعض المتزمتين من يتهم ابن سينا بالزندقة والكفر والبعد عن الله والدِّين، ويُشهِّر به تشهيراً غوغائياً، وهو المؤمن بالله إيمانا صادقاً، إيمان عبقري عالم يرى في مشيئة الله اطمئنان نفسه وفي تعاليمه هدياً ورشداً وفي أنبيائه قدسيةً ورفعةً وتبشيراً ورحمة.

كان مطيعاً لله ورسوله، فهو يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتصدَّق على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل).

 

ج) يقول علي عبدالله الدَّفاع في كتابه (إسهام علماء العرب والمسلمين في علم النبات): (في أواخر حياته اتجه ابن سينا إلى قراءة القرآن الكريم وتفسيره، فكان يختتمه مرة كل ثلاثة أيام إلى أن توفاه الله وعمره يناهز إذ ذاك الثمانية والخمسين).

د) يقول أمين أسعد خير الله في كتابه (ملخص عن إسهام علماء العرب في الطب): (تخلَّى ابن سينا في أخريات حياته عن الدنيا وحطامها واتجه إلى التفرغ لعبادة ربه، لذا نجده باع جميع ممتلكاته وتصدَّق بثمنها على الفقراء والمساكين).

 

4-تعرُّضه لحسد الحسَّاد وحقد الحاقدين من معاصريه : وكم عانى ابن سينا من ذلك، مصدر حسدهم له وحقدهم عليه، نبوغه المفرط في شتى مناحي المعرفة الإنسانية. استمع إلى ما يقوله شعراً، مشيراً في إحدى قصائده إلى نزعات الحسد والحقد التي تعرَّض لها وموقفه منها:

 

5-اتهامه بأنه مجرد جمَّاع للمعرفة: وهو اتهام ردَّده من بعده المغرضون خاصة من علماء الغرب، بأنه كان مجرد جمَّاع لمعارف الحضارات السابقة على

عجباً لقومٍ يحسدون فضائلي       ما بين غيَّابي إلى عذَّالي

عتبوا على فضلي وذمُّوا حكمتي   واستوحشوا من نقصهم وكمالي

إني وكيدهم وما عتبوا به           كالطود يحقر نطحة الأوعالِ

وإذا الفتى عَرَفَ الرَّشادَ لنفسه    هانت عليه ملامة الجُهَّالِ

 

الحضارة الإسلامية. وهو اتهام مرفوضٌ جملةً وتفصيلا. صحيحٌ أن علماء العرب في العلوم كلهم قد ترجموا علوم الحضارات السابقة، غير أنهم استوعبوها وتمثلوها وتجاوزوها منطلقين نحو الإبداع والابتكار، نفس الطريق الذي سلكه علماء جميع الحضارات السابقة على الحضارة الإسلامية واللاحقة بها. ألم يترجم الأوروبيون التراث العربي الفذ إلى اللاتينية وغيرها من لغاتهم من إنجليزية وفرنسية وإيطالية وألمانية!؟ ألم يَبقَ (قانون) (المتهم) دُستوراً لهم في طبهم حتى مطلع القرن السابع عشر؟! ثم ألم يعلموا أن العلم تراكمي يتصل فيه السابق بالحاضر ويمهد الحاضر للاحق؟!.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى