التاريخ

خصائص حيوان الفأر وبدايات ظهور مرض الطاعون

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

حيوان الفأر مرض الطاعون التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

الفأر حيوان ذكي جداً، وهو الأقرب والأكثر شبهاً بالإنسان من الحيوانات كافة، إذ يقولون عنه: إنه حيوان يستفيد ولا يفيد غيره إطلاقاً كما هو الإنسان تماماً إلا لمصلحته! والفأر حذر جداً لا يأمن لطعام يثير شكه أو ريبته. 

وحيث إن الطبيعة والإنسان يتآمران ضده فهو يحتال على هذا التآمر بكثرة التناسل، فلو تصورنا زوجين من الفئران توالدا ثم توالد أولادهما وأحفادهما من بعدهما، فإن الذرية سوف تتعدى 15 ألفاً من الجرذان خلال عام واحد إذا لم يقتل أحدهم أو يموت.

ومما يقال إنه مقابل كل إنسان واحد على وجه الأرض يوجد فأر واحد، ولكن عدم العدالة في التوزيع جعلت عشرة فئران مقابل إنسان واحد في الهند، وفأراً واحداً مقابل كل اثنين من البشر في الولايات المتحدة !

فإذا أخذنا بإحصاء يذكرونه نجد أن خسارة الولايات المتحدة سنوياً بسب الجرذان تقدر بما بين 500 إلى 1000 مليون دولار.  فكم تكون خسارة أهل الهند يا ترى؟

غير أنهم في الآونة الأخيرة وخلال التجارب النووية التي أجرتها الولايات المتحدة الأميركية عقب الحرب العالمية الثانية على جزيرة صغيرة نائية في المحيط الهادي تدعى "انجيبي" وجدوا أن الفأر يتمتع بالمقاومة والمناعة ضد الإشعاعات النووية، حيث إن الجزيرة لا يسكنها إلا شوارد القوارض، ووحشي الحيوانات، ولا ينبت على أرضها سوى الحشائش البرية.

 

لقد أبادت القنابل النووية كل معالم الحياة على الجزيرة، ولم يبق منها إلا الجرذان التي يبدو أنها احتمت بجحورها، حتى أنها استحقت اللقب الذي أطلقوه عليها وهو "كلب الشيطان المدلل".

غير أن الفأر ما إن ذكر اسمه اليوم عبر كل زمان ومكان، فإن اسم الطاعون يقفز إلى الذهن مرادفاً له، ويستحيل أن يغيب عن الذاكرة البشرية لما تركه من بصمات على تاريخ البشر عبر كل العصور.

وعلى الرغم من الأمراض العديدة التي ينقلها الجرذ إلى الإنسان، فإن الطاعون يطغى عليها جميعاً رغم انحسار موجة الطاعون وانحصاره في بؤر صغيرة متناثرة في جنوب شرق آسيا، وبعض من أواسط أفريقيا، لهذا لا يشكل اليوم خطراً يستحق الهلع، بل ربما كان طبيب اليوم يسمع بالطاعون ولكنه لا يراه إلا من خلال مصورات كتبه الطبية التي يطالعها!.

من المؤكد أن إنسان العصر الحجري وإنسان الغابة القديم الصياد لم يألفا أوبئة الطاعون، إذ ليس في بيئة أحدهما من مقومات الوباء ما يتوافر في البيئة الحضارية التي يؤرخون لها منذ عشر آلاف عام ضمن مليون عام عاشها الإنسان على وجه الأرض؛ لأن وباء الطاعون لا بد أن تتوافر له من أسباب الاستقرار والعمران والاجتماع ما يكفل للفأر عِشرة حميمة مع الإنسان، ودائمة حتى ينقل له الداء.

لهذا يمكن القول إن وباء الطاعون ربما بدأ مع بداية وجود الإنسان المزارع الذي فرضت عليه الزراعة استقراراً أدى إلى قيام مجتمعات حضارية تعيش فيها الجرذان إلى جانب الإنسان.

 

ومن العسير على أي متابع لمسار الطاعون أن يحدد له تاريخاً لولادته، أو أن يرسم له شكلاً، إنما الشواهد هي التي تحكي لنا وترسم.

وقد تركت الكتب المقدسة لليهود فيما تركت نبأ معاناة الفلسطينيين من وباء أصابهم أيام ملك اليهود "صموئيل" عام 1320 ق.م لأن الرب قد انتقم منهم (على حد زعم اليهود) لأنهم سلبوا التابوت المقدس فظهرت عليهم أورام في أماكن سرية من أجسامهم عقاباً لهم على فعلتهم. 

وحين ذهب بعضهم إلى تفسير هذه الأورام السرية قال إنها ربما كان بواسير وهو أمر لا ينسجم مع المنطق الطبي السليم، إذ لا يعقل أن تنتشر البواسير على هيئة وباء، وإنما الأصح أن يكون هو الطاعون الدملي في أعالي أفخاذهم بسبب تضخم والتهاب العقد اللمفاوية الإربية، هذا إلى أن الفلسطينيين كانوا من سكان السواحل. 

والطاعون أمره معروف بين سكان المدن الساحلية بسبب السفن التي تجلب لهم ركاباً مرضى وجرذاناً مريضة.  وقد يكون هذا هو أول الأوبئة التي رصدها التاريخ وسجلها وأوصل إلينا أخبار الطاعون .

والوباء الذي سجله لنا التاريخ دونما أي تفصيل هو ما أصاب أهل ليبيا ومصر وسوريا عام 200 ق.م، أما الوباء الذي وصلت إلينا تفاصيله وكان منعطفاً في تاريخ الإمبراطورية الرومانية الشرقية وخذلانها أمام الغزاة فهو ما عرف باسم طاعون جستنيان .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى