الفيزياء

وجهة نظر أرسطو في الفيزيقا

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

أرسطو الفيزيقا الفيزياء

فيزيقا.. أرسطو

لكي نفهم إذن طبيعة الصراع الفكري بين جاليليو والكنيسة، لا بد من أن نتفهم أولاً الوضع الفيزيقي لدى أرسطو، ذلك المفكر الكبير والفيلسوف الأشهر الذي عاش ومات قبل المسيحية، ولكن أفكاره وآراءه قد أصبحت بعد ذلك جزءاً لا يتجزأ من الفكر الكنسي المسيحي!.

من الممكن استخلاص وجهة نظر أرسطو في الفيزيقا من كتابين له فيها هما "الفيزيقا" و "حول السماوات" وهما كتابان مرتبطان بشكلٍ وثيق.

وغنيٌ عن البيان أن جمهور المفكرين والعلماء المعاصرين لا ينكرون ما لأرسطو من فضلٍ في ميدان علوم المنطق والفلسفة والحيوان، ولكنهم يعتبرون كتابيه المشار إليهما في الفيزيقا والفلك مأساة كاملة استطاعت أن توقف نبض البحث العلمي في الفيزيقا نحو ألفي عام!!.

وحتى اليوم يرى الكثيرون أن دم جيوردانو برونو، وقد أُحرق حياً خلال حياة جاليليو لتمرده على آراء أرسطو، وفقد بصر جاليليو، في عنق أرسطو على وجه التحديد!.

وطبقاً لأرسطو، تعتبر الفيزيقا ليس ما نعنيه اليوم، قوانين حركة المادة غير الحية وإنما فيزيقا أي كائن، أي طبيعته، بمعنى اتجاه نمو هذا الكائن وكيفية تصرفه.

وقد يبدو هذا غريباً لنا اليوم، غير أنه من الضروري أن ندرك أن أرضية أرسطو التصورية تختلف كثيراً عن أرضية الفكر المعاصر.

لقد بدت لليونانيين، وعلى رأسهم أرسطو، أهمية مجموعتين من الظواهر الحركية: حركة الحيوانات، وحركة الأجرام السمائية. وكان صعباً عليهم، وهم يحاولون تكوين صورة علمية عن الحركة، أن تبدو لهم النظرة الميكانيكية البحتة، إذا استثنينا رجالاً عباقرة من مثل أرشميدس.

 

وكان طبيعياً أن يؤالفوا بين الحركات التي لا حياة فيها وبين حركة الحيوانات وهذه الخاصية هي النظرية العامة للفيزيقا عند أرسطو، ومن أسفٍ أن أبحاثه في علم الحيوان قد شجَّعته على هذا.

ولكن ماذا عن حركة الأجرام السمائية؟ إنها تختلف عن الحيوانات بانتظام حركتها، وربما كان ذلك نتيجة كمالها الأعلى، إذ كان على كل فيلسوف يوناني أن يتعلم في طفولته أن ينظر إلى الشمس والقمر كإلهين! وقد أدين (أنكسابورس) بتهمة الكفر لاعتقاده أن الأجرام السمائية ليست حية!.

والمصدر الأصلي لكل حركة، سواء بالنسبة للحيوانات أو الاجرام على الأرض، هي الإرادة، إرادة هذه المخلوقات وإرادة الخالق الأعلى (بالتصور اليوناني لهذا الخالق).

حقاً لقد أنشأ أرسطو عالمه الفيزيقي، على نحو ما يقول العالم البريطاني (برنال) في كتابه (العلم في التاريخ): (في صورة عالم اجتماعي مثالي يكون فيه الخضوع هو الحالة الطبيعية .

وفي هذا العالم عرف كل شيء مكانه، وفي معظم الأحيان يلتزم به، فالحركة الطبيعية تحدث فقط عندما يكون الشيء في غير مكانه ويميل إلى العودة إليه مرة أخرى، كالحجر عندما يسقط إلى الأرض أو القذيفة عندما تنطلق إلى أعلى. وهذا ينطبق فقط على الأشياء التي ليس لها حركة خاصة بها.

فمن الطبيعي أن يطير الطير في الهواء وأن يسبح السمك في الماء، فهو في الواقع ما ينسجم وحالة كل منهما. وفي هذا نرى إحدى أفكاره الرئيسة، فكرة العلل الغائية. وقد اعترف أرسطو بأسبابٍ أُخر، مثل العلة المادية والعلة الفعالة اللتين تقدمان الدعامة المادية وتجعلان الأشياء تعمل ولكنه اعتبرهما أسباباً أدنى من العلل الغائية.

 

ولقد كان هذا المبدأ لعنة على العلم، إذ أنه يقدم وسيلة كاذبة لتفسير أي ظاهرة  بالتسليم بوجود غاية مناسبة لها، دون أن نكلف أنفسنا بحث كيف تعمل هذه الظاهرة).

وغني عن البيان، على نحو ما يرى عبدالعظيم أنيس في كتابه (علماء وأدباء ومفكرون)، أن فيزيقا أرسطو لا تتسق وقانون نيوتن الأول للحركة الذي كان جاليليو أول من أشار إليه وينص القانون الأول على أن (كل جسم متحرك في خط مستقيم وبسرعة منتظمة، إذا ترك وشأنه، استمر في حركته، وهو ما يعرف بقانون القصور الذاتي، وهكذا فإننا لا نحتاج إلى أسباب خارجية في تفسير الحركة، وإنما من أجل تفسير التغير في الحركة، سواء في الاتجاه أو في السرعة.

لذا فالحركة الدائرية التي ظن أرسطو أنها طبيعية للأجسام السمائية تتضمن في الحقيقة تغيراً مستمراً في اتجاه الحركة، لذا لا بد من وجود قوة موجهة إلى مركز الدائرة كما هو الحال في قانون نيوتن للجاذبية.

وقد قدَّم أرسطو في كتابه (حول السماوات) نظرية طريفة في فهم علم الفلك فالأشياء أسفل القمر تخضع للتوالد والتحلل، أما ابتداءً من القمر فما فوق فكل شيء غير قابل للتوالد أو التحلل.

والأرض في مركز الكون، وفيما تحت القمر يتكون كل شيء من عناصر أربعة (الهواء والماء والنار والتراب) ولكن هناك عنصر خامس تتكون منه الأجسام السمائية وهو الأثير . والحركة الطبعية للعناصر الأرضية الأربعة خطية، بينما حركة العنصر الخامس دائرية.

والسماوات عند أرسطو كرات كاملة، والأجزاء العليا أكثر قداسة من الأجزاء السفلى، وما حركة النجوم والكواكب إلا نتيجة حركة كراتٍ رُبطت بها هذه الأجرام السمائية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى