أحداث تاريخية

وباء التيفوس وأثره الشديد على الناس أثناء الحروب

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

وباء التيفوس أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة

صورة أخرى من التاريخ رسمها التيفوس بيده الآثمة كانت فيما بين 1818 – 1848 وهي التي سماها المؤرخون حرب الثلاثين التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وكان محور رحاها وسط أوروبا حيث تقوم ألمانيا وهنغاريا لم تكن حرباً واحدة ولكنها كانت عدة حروب متتابعة، تتخللها معاهدات ومهادنات غير مستقرة هشة.

ليس مهماً من هو الذي انتصر في هذه الحرب القذرة، التي اتسمت بالقسوة والشقاء، حتى سماها بعضهم بسجل الشقاء، لأن الجميع قد عانى منها، وانهزم فيها أمام عدو شرس مشترك هو التيفوس، الذين أطلقوا عليه أيامها اسم المرض الهنجاري، يمثل ما أطلقوا على هنجاريا اسم مقبرة الألمان!.

لقد كان الجنود يقطعون أثداء النساء، ويلقون بالأطفال من النوافذ، ويبقرون بطون الحوامل، غير أن وباء التيفوس قد انتقم من الجميع لأنه قتل من الطرفين أكثر مما أبادت الحرب، وأكثر مما فعلت أيدي الجنود بالأبرياء.

ثم كان أن تلتها حرب القرم بين الروس من جانب والأتراك والإنجليز والفرنسيين من جانب آخر.

 

إن الحديث عن قذارة هذه الحرب وأهوالها يهون أمام قسوة المرض والأوبئة التي تفشت فيها، والتي يحمل لواء الزعامة فيها وباء التيفوس.

لعل الإحصائية التالية ترسم لنا صورة كاريكاتيرية لهذه الحرب، التي استمرت فيما بين سنوات 1853-1856.

قد لا تهمنا الأسباب في هذا المقام ولكن الذي يهم هو النتائج، وهذه هي إحصائية النتائج لتلك الحرب التي دارت في شبه جزيرة القرم على البحر الأسود.

 

وبمقارنة الأرقام للقارئ أن يستوعب الصورة القبيحة لحرب القرم إذا ما عرفنا أن مجموع عدد الجرحى جميعاً كان (90533)، فيما كان عدد المرضى هو (662917)، كما أن عدد قتلى الحرب جميعاً هو (63261)، كما أن عدد ضحايا المرض كانوا (104494).

صحيح أن الجند كانوا يتقاتلون معاً فيما بينهم، ولكنهم في الحقيقة كانوا جميعاً يصارعون الوباء صفاً واحداً وعبثاً ما كانوا يفعلون! ويبدو للمتتبع لاخبار التيفوس أنه عقد هدنة مع البشر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لينقضها في مطلع القرن العشرين مع بداية الحرب العالمية الأولى،

وبالتحديد عام 1914، حينما اجتاحت النمسا في شهر يوليو أراضي الصرب، ووصلوا بقواتهم إلى مدينة بلغراد، ليعملوا فيها إتلافاً وتدميراً، وعندها استفاق التيفوس من نومه، الذي دام نصف قرن من الزمان في شهر نوفمبر، فمات به من الصرب 150 ألفاً ومن النمساويين 60 الفاً.

لقد تميز وباء التيفوس بإصابته الجنود القابعين على الحدود في الخنادق، لهذا لا عجب أن سموه حمى الخنادق، وهو الذي حمى حدود بلاد الصرب في تلك الآونة، غير أن هذه المئات من الآلاف تهون وتبدو متواضعة، إذا ما عرفنا أن التيفوس أصاب في بلاد الروس 25 مليوناً، مات منهم ثلاثة ملايين خلال حرب القرم.

 

ربما كانت حكاية التيفوس والحرب العالمية الأولى نهاية القصة.  غير أن علينا أن نعترف أن الذي كتب النهاية هم العلماء، الذين اكتشفوا سر التيفوس وسر القملة معه، لقد كتب النهاية السعيدة لأوبئة التيفوس عالمان يستحقان التبجيل أحدهما بكتربولوجي فرنسي يدعونه نيكول "شارلز هنري نيكول 1866-1936"، هو الذي كشف دور القملة في نقل ميكروبات المرض عام 1910، حين وجده في جدار معدتها وفي برازها.

أما الثاني الذي أزاح القناع عن وجه الميكروب الضاري الشرس، فهو طبيب فرنسي آخر عاش في ألمانيا اسمه "ريكو ليم"، "هنري دي ريكو ليم".

إذ أنه اكتشف عام 1916 نوعاً من الجراثيم هي وسط بين الميكروبات والفيروسات أطلق عليها اسم "ريكتسيا بروفازيكي" وهذا الاسم نسبة إلى عالمين أحدهما يدعى "ريكينس"، وهو عالم أميركي مات بالتيفوس في المكسيك، والآخر نمساوي كان اسمه "فون بروفازيك"، لقد سماه تحية لها وتخليد لعملها، لأنهما ماتا بسبب التيفوس في القرن الثامن عشر، وهما يحاولان اقتحام قلعة أسراره، عند هذا الحد طلع النهار على وباء التيفوس، فلم يملك إلا أن يسكت ويكف أذاه عن البشر، بعد أن اكتشف الطب أن النظافة هي أمضى سلاح، وبعد أن وصل العلم إلى اختراع المبيدات الحشرية، فلم يعد هناك مكان للقمل ولا للبراغيث.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى