شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “عبدالرحمن الكواكبي”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العالم عبد الرحمن الكواكبي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

وُلِدَ عَبْدُ الرَّحْمن أَحمدُ بنُ مسعودٍ الكواكِبِيُّ في مدينةِ حَلَب في سوريَّا في شهر شَوَّال 1265هـ (1848م).

ويرجعُ نَسَبُهُ إلَى إبراهيمَ الصَّفَوِيِّ، أَحَدِ أُمَراءِ أَرْدَبِيلَ العِظامِ. ووالِدُهُ هُوَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الكَواكِبِيُّ، أَحَدُ علماءِ الدِّينِ البارزينَ في الجامِعِ الأموِيِّ بِدِمَشْق، والّذي تُنْسَبُ المَدْرَسَةُ الكَواكِبِيَّةُ إلى أُسْرَتِهِ، وكانَ كريمًا حَسَن الطِّباعِ.

تُوُفِّيَتْ والِدَةُ عَبدِ الرَّحْمنِ ولَهُ من العُمْرِ سِتُّ سَنَواتٍ، فاحْتَضَنَتْهُ خَالَتُه في أنطاكِيَةَ إحدَى مُدُنِ الشّامِ طَوال ثلاثِ سَنَواتٍ، تَعَلَّمَ خِلالَها اللُّغَةَ التُّرْكِيَّةَ في إحدَى مدارِسِها. ثُمَّ رَجَع إلَى حَلَبَ مَسْقَطِ رَأسِه، إلاَّ أَنَّه عادَ مَرَّةً أُخْرَى إلَى أنطاكِيَةَ.

 

ولَكِنَّهُ لَمْ يَمْكُثْ فيها سِوَى سنةٍ واحِدةٍ عادَ بَعْدَها إلَى حَلَب لِيُكْمِلَ تَعْلِيمَهُ في المَدْرَسَةِ الكَواكِبِيَّةِ. فَدَرَسَ العلومَ الشَّـرْعِيَّةَ، وأَتْقَنَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ، والتُّرْكِيَّةَ، وبعض الفارِسِيَّةِ، وأَلَمَّ ببعْضِ العلومِ الرِّياضِيَّةِ والطبيعِيَّةِ وغيرِها من العلومِ الحديثَةِ.

بَدَأَ عبدُ الرَّحْمَنِ الكواكِبِيُّ حياتَهُ العَمَلِيَّةَ محرِّرًا في جريدَةِ «فُرات» الرَّسْمِيَّةِ، وكانَتْ تَصْدُرُ باللُّغَتَيْنِ العَرَبِيَّةِ والتُّرْكِيَّةِ، ثمَّ أَنْشأَ جريدَةً سَمَّاها «الشَّهباءَ». وكانَتْ أَوَّلَ جريدةٍ تَصْدُرُ باللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَحْدَها في مَدينَةِ حَلَب.

وبَدَأ يُلْقِي الضَّوْءَ من خِلالِها علَى الفسادِ الّذي كانَ مُنْتَشرًا في حَلَب وغيرِها من الوِلاياتِ الإسْلامِيَّةِ الخاضِعَةِ لِلْحُكْمِ العُثْمانِيِّ حينَذَاك. لذا لَمْ تَسْتَمِرَّ جريدَتُهُ طويلاً في الصّدورِ، إِذْ عَطَّلَتْها السُّلطاتُ الحاكِمَةُ في حَلَبَ عامَ 1296هـ (1878م).

 

ولكنَّه لم يَيْأَسْ فَأَصْدَرَ جريدةً أُخْرَى أَطْلَقَ عليْها اسمَ «الاعْتِدال» باللُّغَتَيْنِ العَرَبِيَّةِ والتُّركِيَّةِ لاقَتْ اسْتِحسانَ القُرَّاءِ، وكانَ لها صَدًى واسعٌ جَعَلَ اسمَ الكواكبِيِّ يَبْرُزُ ويصبحُ رجلاً مَرْموقًا في بِلادِ الشَّامِ.

حَاوَلَتْ السُّلطاتُ العُثمانِيَّةُ التَّقَرُّبَ إليهِ فأسنَدَتْ له العديدَ من المناصِبِ العِلْمِيَّةِ والإدارِيَّةِ والحقوقِيَّةِ وغيرِها، إلاَّ أَنَّه استقالَ منها جميعًا وفَتَح مَكْتَبًا للمُحاماةِ دافَعَ من خِلالِهِ عنْ المظلومينَ وسانَدَ الحَقَّ والعَدْلَ، وهاجَمَ الاسْتِبْدادَ والظُّلْمَ بِجميعِ أَشْكالِهِ.

وهذا جَعَلَهُ عُرْضَةً لِنِقْمَةِ رِجالِ الدَّوْلَةِ، فَسُجِنَ وخَسِرَ كُلَّ أَمْوالِهِ. ولكنْ لَمْ يُقَلِّلْ ذلِكَ شيئًا من عُلُوِّ هِمَّتِهِ، واستَمَرَّ في دَعْوَتِهِ للإصْلاحِ والمُناداةِ بِحُرِّيَّةِ القَوْلِ والفِكْرِ، بل إنَّه نَذَرَ نَفْسَهُ لِبَذْلِ ما يستطيعُ للنُّهوضِ بأحوالِ المُسلمينَ في جميعِ بلادِهِم ورَفْعِ الظُّلْمِ والطُّغْيانِ عَنْهُم.

 

ولتحقيقِ ذلِكَ طافَ الكواكِبِيُّ في بلادِ المُسلمينَ لتَعَرُّفِ أحوالِهمْ وأوضاعِهم عَنْ قُرْبِ. وبدأ رِحْلَتَه حوالَيْ سنةِ 1317هـ (1899م) متَّجِهًا إلَى شِبهِ الجزيرَةِ العَرَبِيَّةِ، ثمَّ اتَّجَهَ جنوبًا إلَى مِصْـرَ، ومِنْها إلَى السُّودانِ وزَنْجِبار والحَبَشَةَ، ثم طافَ بالساحِلَيْن الشَّرْقِيِّ والغَرْبِيِّ لأفْريقْيا، ثُمَّ يَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ الهِنْدِ، ومِنْها إلَى مِصْرَ الّتي اختارَ الإقامَةَ فيها، وظلَّ فيها حتَّى وَفاتِه، وذَلِكَ لِضَعْفِ نُفوذِ السُّلطان العُثْمانِيِّ فيها.

وفي مِصْرَ استطاعَ الكواكبيُّ أن يَنْشُرَ ما كانَ يراهُ مناسِبًا لإصْلاحِ أَحْوالِ المُسلمينَ. وفي كتابِهِ «أمُّ القُرَى»، الّذي كَتَبَه بأسلوبٍ قَصَصِيٍّ جذَّاب، تَطَرَّقَ إلَى أَسْبابِ ضَعْفِ المُسْلمينَ، وأَرْجَعها إلَى عَوامِلَ دينيةٍ، وسِياسِيَّةٍ وأَخْلاقِيَّةٍ وتَرْبَوِيَّةٍ، وقَدَّم مِنْ خِلالِه طُرُقًا عديدةً لِعِلاجِها.

 

كذلكَ نَشَرَ الكواكبيُّ عِدَّةَ مقالاتٍ في الصُّحُفِ والمَجَلاَّتِ، جَمَعها بعدَ ذلِكَ في كتابٍ واحِدٍ سَمَّاهُ «طبائِعُ الاسْتِبدادِ»، قَدَّم فيهِ تَصَوُّرَهُ لِواقِعِ المُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ الإسْلامِيِّ.

وتَطَرَّقَ إلَى أساليبِ الاسْتِبداد الّتي فَرَضَتْها السُّلطاتُ العُثمانِيَّةُ الحاكِمَةُ علَى الوِلاياتِ الإسْلامِيَّةِ، واقْتَرَحَ تَصَوُّرًا لمُناهَضَتِها، كما دَعا المسلمينَ في كتابِهِ سابقِ الذِّكْرِ، إلَى قَوْلِ الحَقِّ والسَّعْيِ لفَضْحِ الظُّلْمِ.

 

عَلَى أَيَّة حالٍ، كانَ عبدُ الرَّحْمَنِ الكواكِبِيُّ واسعَ الاطِّلاعِ بتاريخِ المَشْرِقِ بِشَكْلٍ عامٍّ، وبِأحوالِ الوِلاياتِ الإسْلامِيَّةِ علَى وَجْهٍ خاصٍّ.

وكانَ داعِيَةً صُلْبًا لا يَثْنيهِ شَيءٌ عَنْ قَوْلِ الحَقِّ، بعيدًا عن التَّعَصُّبِ لِطائِفَةٍ، أو مَذْهَبٍ أو دينِ. وكانَ يَرَى أنَّ رابِطَةَ الوَطَنِ تَعْلُو كلَّ رابِطَةٍ، وكانَ بِذَلِكَ مِنْ أَبْرَزِ الدُّعاةِ لِلْقَوْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى