شخصيّات

نبذة عن حياة الشاعر “صَقْر الشبيب”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الشاعر صقر الشبيب شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

صَقْرُ بنُ سالمِ الشَّبيبُ، شاعرُ الكويتِ، هو أَحَدُ أَعْلامِ أدبِنا المعاصِرِ، اصْطَبَغَ شعرُهُ بنَزْعَةٍ تَشاؤُمِيَّةٍ جَرَّتْ عَلَيْه من الوَيْلاتِ ما أَلْجَأَهُ أخيرًا إلَى اعْتِزالِ النَّاسِ.

وُلِدَ الشَّاعِرُ صَقْرُ الشَّبيبُ في الكُوَيْتِ بالحيِّ الشّرقِيِّ سنةَ 1309هـ: 1892م، وأُصيبَ بالعَمَى علَى أَثَرِ إصابَتِهِ بِمَرَضٍ في عَيْنَيْهِ لَمْ يُفْلِحْ العِلاجُ فيهِ، وكانَ عُمْرُهُ آنَذاكَ تِسْعَ سنواتٍ. وعاشَ مَعَ أُخْتَيْهِ ووَالِدِهِ بعدَ وفاةِ والِدَتِهِ.

أدْخَلَهُ والدُهُ الكُتَّابَ لِحِفْظِ القرآنِ الكريمِ، كما كانَ يطالعُ بَعْضَ الدَّواوينِ الشِّعْرِيَّةِ لَدَى بَعْضِ أصْدِقائِهِ.

 

لكنَّ والِدَهُ لَمْ يَكُنْ راضِيًا عن مَسْأَلَةِ الشِّعْرِ هذهِ، وأَخَذَ يُلِحُّ عَلَيْه لِمُوَاصَلَةِ حِفْظِ القرآنِ الكريمِ والمَوالِدِ.

ولَمَّا لَمْ يَسْتَطِعْ صقرٌ الشَّبيبُ أَنْ يُلَبِّيَ طلبَ والِدِهِ قَرَّرَ الرَّحيلَ إلَى الإحْساءِ لِمُواصَلَةِ دِراسَتِه في علومِ اللُّغَةِ والفِقْهِ والشِّعْرِ القَديمِ والحديثِ، وتأثَّر كثيرًا بشِعْرِ أبي العَلاءِ المَعَرِّيِّ وانْكَبَّ على مطالَعَةِ كُتُبِهِ وحِفْظِ كلِّ أَشْعارِهِ، وتَأَثَّر بأفْكارِهِ وخُطاه.

 

ومكثَ صَقْرٌ في الإحساءِ حوالَيْ سَنَةٍ ونِصْفِ سنةٍ تقريبًا، رَجَعَ بَعْدَها إلَى الكُوَيْتِ في سَنَةِ 1916، وكانَ عُمْرُهُ آنَذاك عشرينَ سنةً.

وكانَ هَدَفُهُ أَنْ يكونَ واعِظًا في المَساجِدِ وإمامًا للنَّاسِن ولكنَّ حنينَهُ إلَى قِراءَةِ المزيدِ مِنَ الشِّعْرِ والأَدَبِ جَعَلَهُ يَتَّجِهُ لِقِراءَةِ أحمدَ شَوْقيٍّ والمنفلوطي وحافظ إبراهيم والعقاد، فَتَغَيَّرَتْ أفكارُهُ بعدئذٍ تغيُّرًا مَلْحوظًا وتَبَلْوَرَتْ مفاهيمُهُ.

 

وكانَتْ لَهُ رَغْبَةٌ شديدةٌ أنْ يَعْمَلَ مُدَرِّسًا في المَدْرَسَةِ المُبارَكِيَّةِ، لكنْ رُفِضَ طَلَبُهُ لأَنَّهُ أَعْمَى، فتَأَثَّرَ تَأَثُّرًا بالِغًا ونَظَمَ بَعْضَ الأَبْياتِ مِنْها:

يقولونَ لي يا صَقْرُ مالكَ عاطلاً

                                                  وقَدْ وَظَّفوا مـنْ لَمْ يقارِبْكَ في الأَدَبْ

فقلتُ لَهُم: في رِثَّةِ الثَّوْبِ مانِعِي

                                                  رُقِيِّـيَ إلَـى تِلْكَ المــنـاصـِبِ والرُّتَبْ

يُوَلَّى هُنا المرءُ الوظيفةَ جاهِلاً

                                                  علَى شَرْطِ أن تُلْفَى ملابِسُهُ قُشُبْ

 

تُوُفِّيَ والدُه عامَ 1918، وأَصْبَحَ صَقْرٌ مَسْؤولاً عن أُخْتَيْهِ، وأرادَ أَنْ يَعْمَلَ علَى ترميمِ مَنْزِلِهِ فَتَوَجَّهَ بِطَلَبِ المُساعَدَةِ منَ الشَّيخِ سالمِ المُبارَكِ الصَّباحِ الّذي ساعَدَهُ في إعادَةِ بِناءِ مَنْزِلِه، وأَصْبَحَتْ عَلاقَتُه مَعَ الشَّيْخِ سالمِ الصَّباحِ وَطيدَةً.

ولكنْ بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ سالمِ الصَّباحِ تَوَثَّقَتْ صِلَتُهُ مَعَ المغفور له الشَّيْخِ عبدِ الله السَّالمِ الصَّباحِ حاكِمِ الكُوَيْتِ الرَّاحِلِ، وكانَ يُجِلُّ الشَّاعِرَ ويُقَدِّرُهُ، وكانَ يَتَرَدَّدُ علَى مَجْلِسِهِ كلَّ يَومٍ ويُناقِشُه بِشَرْحِ بعض الأَبْياتِ وتَفسيرِ بَعْضِ الأَلْفاظِ اللُّغَوِيَّةِ.

توظَّفَ صَقْرُ الشَّبيبُ في إِدارَةِ المَعارِفِ، لِتَدْريسِ قَواعِدِ اللُّغَةِ والفِقْهِ والأَدَبِ العَرَبِيِّ. لكنْ لِظُروفٍ صَعْبَةٍ انْقَطَعَ عن العَمَلِ، ولَمْ يُغادِرْ مَنْزِلَه.

 

وانْقَطَعَ أيضًا عنْ زِيارَةِ الشَّيْخِ عبدِ الله السَّالمِ الصَّباحِ، الّذي كانَ يتَّصِلُ بِهِ لِمَعْرِفَةِ أَحْوالِهِ ويَطْلُبُ مِنْهُ زِيارَتَهُ لكنَّه كانَ يعتذِرُ عن ذَلِكَ مُتَعَلِّلاً بأسبابٍ كثيرةٍ، وأَرْسَلَ لَه قصيدةً يعتذرُ فيها عن الزِّيارَةِ:

لَئِنْ لَمْ أزُرْ في كلِّ يومٍ مَحَلَّ مَنْ

                                              عَلَيَّ لَهُ فضلٌ يَجِلُّ عن الشُّكْرِ

فَلَيْسَ لِصَقْرٍ أنْ يُبارِحَ وَكْرَه

                                               إذا سَدَّتْ العَيْنَيْنِ منهُ يَدُ الضُّرِّ

فما طارَ مكفوفُ الصقورِ فَسَالَمَتْ

                                              جَناحَيْهِ قَبْلَ اليومِ عادِيَةُ الكَسْرِ

 

ومَكثَ في المنزلِ لَمْ يغادِرْهُ؛ حتَّى عَمَلُهُ في إدارَةِ المعارِفِ لَمْ يُداوِمْ عَلَيْه، ومعْ ذَلِكَ طَلَبَ الشَّيْخُ عبدُ الله السَّالمُ الصَّباحُ أنْ يُجْرَى لهُ راتِبُه بدونِ انْقِطاعٍ. ومَكَثَ في منزِلِهِ مُنْصَـرِفًا مَعَ نَفْسِهِ لِلْمُطالَعَةِ.

وكانَتْ لَهُ أشعارٌ كثيرةٌ نُشِرَتْ في بَعْضِ المَجَلاَّتِ العِراقِيَّةِ، كالسِّجِلِّ، ومجلَّةِ اليَقينِ الّتي كانَ يُصْدِرُها مُحَمَّدُ الهاشِمِيُّ في بغدادَ، ومَجَلَّةُ الكويتِ للشَّيخِ عبدِ العزيزِ الرَّشيدِ، وغيرِ ذَلِكَ من المَجَلاَّتِ والجَرائِدِ، كما نُشِرَتْ لهُ أَوَّلُ قصيدةٍ في مَجَلَّةِ المَرْأةِ الجديدةِ بعنوانِ «يَضُـرُّ النُّصْحُ» والّتي كانَتْ تَصْدُرُ في بَيْروتَ؛ قالَ فيها:

وخَلُّوا في الدياناتِ افْتِراقًا

                                   يؤولُ بِكُم إلَى الحَرْبِ العَوَانِ

ودِينوا من تَكاتُفِكُم بدينٍ

                                    لَـُكم يَلْقَـى التَّقَدُّمَ بالعَنَانِ

 

فثارَتْ عليه قيامَةُ بعضِ الفُقَهاءِ منْ رجالِ الدِّين، إذْ فَهِموا من قَوْلِه إنَّهُ لا يَرَى فَرْقًا بَيْنَ المُسْلِمِ والكافِرِ، فدبَّروا له مُؤامَرَةً لِقَتْلِهِ، لَكِنَّهُ أرادَ بَيْعَ مَنْزِلِهِ ومُغادَرَةَ الكُوَيْتِ لَوْلاَ شَفَاعَةُ بَعْضِ المُخْلصينَ والمُقَرَّبينَ لَهُ، مثل المرحومِ يوسُف بنِ عيسَى القِناعي، والمرحومِ الشَّيخِ عبدِ العزيزِ الرّشيدِ، وعَبْدِ المَلِكِ صالحِ المُبَيِّضِ، وأحمدَ المشارِيِّ، وسليمانَ العَدَسانِيِّ، وغيرِهِمْ.

فاعتكفَ صقرٌ في بيتِهِ واعْتَزَلَ النَّاسَ، وصارَ، كما كانَ أبو العَلاءِ المَعَرِّيُّ من قبلُ، رهينَ المَحْبِسَيْنِ، حتَّى انْتَقَل إلَى جِوارِ رَبِّهِ في شَهْرِ أغسطس عام 1963.

ولَهُ ديوانٌ بعُنوانِ «ديوانُ صقرٍ الشَّبيبِ» جَمَعَهُ له الأستاذُ أَحْمَدُ البِشْرُ الرُّوميُّ، كما كَرَّمَتْهُ الدَّوْلَةُ وأَطْلَقَتْ اسْمَهُ علَى إحْدَى المَدارِسِ المُتَوَسِّطَةِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى