إسلاميات

نبذة تعريفية عن مفهوم “العقيدة” وأهدافها

2002 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثالث عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مفهوم العقيدة أهداف العقيدة إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

كثيرا ما تتردد كلمة عقيدة على ألسنة الناس في أحاديثهم ومحاوراتهم، فأحيانا يقولون: «أنا أعتقد كذا:، و«فلان عقيدته صحيحة»، و"العقيدة السليمة تؤدي إلى الاطمئنان، وتحقق الانتصارات في المعارك»، وهكذا.

فما المراد من كلمة «عقيدة»؟ وما معنى هذه الكلمة في اللغة وفي مفهوم الشرع؟ وما هي أهدافها العامة؟ والآثار المترتبة على إنكارها؟

عندما تجري كلمة «عقيدة» على الألسنة فإنه يقصد بها عامة: الأمور التي يصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس، وتكون يقينا عند أصحابها لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك، سواء أكان مرجع هذه العقيدة التقليد أو الوهم أم الدليل العقلي.

 

ومادة «عقد» في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق والشد والربط، فعقد الحبل يعني: شد بعضه ببعض، وهو نقيض حله.

وقد جاء في القرآن الكريم (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة 89).

وتعقيد الأيمان لا يتحقق إلا بقصد القلب وعزمه على الوفاء، بخلاف لغو اليمين، لأنه يجري على اللسان بدون قصد. وكلمة «عقد» جمعها «عقود»، والعقود: أوثق العهود. ومما جاء في هذا المعنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة 1).

 

وتقول العرب: اعتقد الشيء؛ أي صلب واشتد. ومفهوم العقيدة في الإسلام يقابل الشريعة، إذ الإسلام عقيدة وشريعة. والشريعة تعني التكاليف العملية من عبادات ومعاملات وغيرها.

أما العقيدة فهي الإيمان الراسخ بكل ما ورد في صريح القرآن الكريم وصحيح الحديث النبوي، بما له. صلة بالألوهية، والنبوات، والسمعيات: أي بكل ما يتصل بالعالم غير المنظور (الروحانيات)، والحياة فيما بعد الموت، وكل ما يتعلق بالقيامة وعلاماتها، والبعث والنشور، والحساب، والجزاء.

إذن العقيدة في الإسلام هي التي تدور حول قضايا معينة ومحددة بنصوص الكتاب أو السنة، وليست مجرد اعتقاد أي شيء.

 

والعقيدة في حد ذاتها ليست مختصة بالإسلام، بل كل ديانة أو مذهب لا بد لأصحابه الذين يتمسكون به من عقيدة يقيمون عليها أسس ديانتهم أو مذهبهم، بغض النظر عن صحة هذه العقيدة أو فسادها.

فالعقيدة الصحيحة هي التي جاء بها الرسل الكرام من لدن حكيم عليم. فكل الرسالات المنزلة من عند الله تعالى تتضمن عقيدة واحدة، ولا يتصور أن تختلف من رسول إلى رسول منذ بدء الخليقة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، لأنها منزلة من عليم خبير.

أما العقيدة الفاسدة، فهي متعددة ومتنوعة لكونها نتاج أفكار البشر، وعلمهم محدود ومقيد بالعادات والتقاليد، ويتأثر بكل ما يدور حولهم من أفكار أو توجهات غير سديدة.

 

وقد يدخل الفساد العقيدة المنزلة من السماء بسبب التحريف أو التغيير أو التبديل الذي يلحق بها من قبل البشر.

وللعقيدة الإسلامية أهداف عدة، يتعذر أن يحيط بها فكر الإنسان أو يحصيها قلمه. ويمكن إيجاز هذه الأهداف فيما يلي:

أ- صفاء النفس الإنسانية واطمئنانها وسمو عواطفها.

ب- تثبيت النفس وتقوية الشخصية التي تعتز بدينها وعقيدتها الصحيحة.

 

ج- حرص المسلم على اختصاص الله وحده بحق التشريع.

د- سيادة التفكير المنطقي والعقلاني المقيد بهدي الله ورسوله.

 

هـ – نبذ الإنسان للخرافات والبدع مهما كان مصدرها البشري، أو بلغت منزلته، لكونه غير معصوم من الخطأ، لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين.

و- تكريم جميع رسل الله والإيمان بهم وبرسالاتهم المنزلة من عند الله قبل تحريفها، إعمالا لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بيت أحسن صنعه، إلا موضع لبنة، فأخذ الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» (رواه البخاري).

 

ذ- الإيمان بأن القرآن هو القوام والمهيمن على جميع الرسالات السماوية، لقول الله تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) (المائدة 48).

 

وهناك من الناس من ينكر «العقيدة» إنكارا كليا أو جزئيا، فكل من فعل ذلك بأن أنكر العقيدة إنكارا كليا، كالشيوعيين والوجوديين والملحدين الذين ينكرون وجود الله تعالى، ويكذبون الرسل، والكتب السماوية، ولا يؤمنون بالمصير والجزاء، أو أنكر جزءا من العقيدة كالبعث أو الحشر أو الحساب فإنه كافر غير مسلم، لأن العقيدة الإسلامية لا تقبل التجزئة على الإطلاق فهي وحدة واحدة مترابطة متماسكة كالبنيان المرصوص.

 

فالإيمان بالله يقتضي الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فكل من آمن بأصل وكفر بآخر، فإنه يعد كافرا حقا لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً*أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً) (النساء 150 – 151).

فالتكذيب بأي أصل من الأصول الاعتقادية مما ثبت في الكتاب أو السنة ثبوتا قاطعا يعد كفرا بواحا، أي صريحا، كإنكار رسول من الرسل الكرام أو ملك من الملائكة كجبريل، لأن هذا الإنكار يهدم العقيدة، ويفكك عرى الإيمان، وينقل المنكر من رحاب الإيمان، إلى ظلمة الكفر ومهاوي الطرد من رحمة الديان.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى