إسلاميات

نبذة تعريفية عن زوجة النبي إبراهيم “هاجر”

2004 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

زوجة النبي إبراهيم النبي إبراهيم هاجر إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

هاجَرُ هي أُمُّ سَيِّدِنا إسماعيلَ بنَ سيِّدِنا إبراهيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ.

وتَتَّفِقُ الرِّوايَةُ الدينيَّةُ لَدَى أهلِ الكتابِ ولَدَى المسلمينَ على مَجموعةٍ من الحوادِثِ التاريخيَّةِ المتعلِّقَةِ بهاجَرَ، منها:

1– هاجرُ مصريَّةٌ.

2- في هجرةٍ قامَ بها إبراهيمُ عليهِ السلامُ ومعُ زوجَتُهُ «سارةُ» إلى مِصْرَ، وَهَبَ أحدُ الحُكّامِ المصريينَ هاجَرَ إلى السيدةِ سارَةَ.

 

3- لَمْ يكنْ لإبراهيمَ نَسْلٌ مِنْ سارةَ حتَّى كبرتْ وصارَتْ عَجوزاً، فوهبتْ سارةُ خادِمَتَها هاجَرَ إلى سيِّدنا إبراهيمَ، لَعَلَّهُ يُرْزَقُ مِنْها وَلَداً. وقدْ حدثَ هذا، إذْ حملتْ هاجَرُ، وولدتْ طِفْلاً سُمِّيَ إِسْماعيلَ.

4- اشْتَدَّتْ غَيْرَةُ سارةَ مِنْ هاجَرَ، وشَعَرَتْ أنَّ هاجرَ تَتَعالى عليها بسببِ أنَّها أعطتْ إبراهيمَ وَلَداً دونَها، وبدأت سارَةُ تُعَذِّبُ هاجَرَ بِقَسْوَةٍ، على اعتبارِ أنَّها تَمْلُكُها.

 

5- كانَ الحلُّ الأمْثَلُ هو خروجَ هاجرَ وولدَها مِنْ وَجْهِ سارَةَ.

6- رَعَتِ العنايَةُ الإلهيَّةُ هاجرَ حتّى كبرَ إسماعيلُ، وصارَ أباً لأمَّةٍ كبيرةٍ، حيثُ ينسبُ إليهِ العربُ أجمعونَ.

 

يُقَدِّرُ المؤرخونَ أنَّهُ قبلَ أربعةِ آلافِ سَنَةٍ تقريباً كانَ سيِّدُنا إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ يعيشُ في بلادِ الشَّامِ، وقدْ كانَ عليهِ السَّلامُ كبيرَ القَدْرِ في زمانِهِ، لَهُ أتباعٌ أقوياءُ، ويملكُ قطعاناً كبيرةً من البَقَرِ والغنمِ والحميرِ.

وقد قامَ عليهِ السَّلامُ بزيارَةٍ لِمِصْرَ، رُبَّما بسببِ مَوْجَةٍ مِنْ موجاتِ القَحْطِ إِثْرَ احْتباسِ الأمطارِ (كَما حَدَثَ على زمنِ حَفيدِ حفيدِهِ سيِّدِنا يوسفَ عليهِ السلامُ).

 ورُبَّما لِيَقِفَ على أحْوالِ مِصْرَ وعُمْرانِها، ورُبَّما لِيُحاوِرَ كُبَراءَها وكُهّانَها ويَدْعُوهم إلى التَّوْحيدِ، فقدْ كانَ عليهِ السَّلامُ وما زالَ إمامَ الموحِّدينَ، وكانَ حريصاً على نشرِ دعوتِهِ.

 

وفي مِصْرَ حاوَلَ أَحَدُ المسؤولينَ الكبارَ الاستيلاءَ على سارةَ، ولكنَّهُ كانَ كُلَّما مَدَّ يَدَهُ إليها قُبِضَتْ يَدُهُ، وأخَذَهُ ما يُشْبِهُ الصَّرَعَ، فَأَحَسَّ بأنَّ لهذِهِ المرأةِ شَأْناً، وأن لها إلهاً يَعْصِمُها منهُ، فوَهَبَ لها فتاةً اسْمُها هاجَرُ (وفي بعضِ الأحيانِ تُنْطَقُ آجَر). 

كانتْ في خدمَتِهِ ضِمْنَ سَباياهُ، كانَ أبوها من مشاهيرِ قريةٍ مِصْرِيّةٍ على الضِّفَّةِ الشَّرقيةِ للنِّيلِ اسْمُها الحفْنُ (قالَ اليعقوبيُّ: كانتْ مدينةً، وقالَ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري 6/453/ وهي الآن كفرٌ مِنْ أعمالِ أنصنا بالبَرِّ الشرقيِّ من الصَّعيدِ في مُقابلَةِ الأشْمونين، وفيها آثارٌ عظيمةٌ باقيةٌ).

اسْتَشْعَرَتْ سارَةُ حِرْصَ زوجِها إبراهيمَ على أَنْ تكونَ لَهُ ذرَّيَّةٌ، وكانَتْ هي قد دَخَلَتْ في سنّ الثمانينَ، ويئِسَتْ من الحَمْلِ، فوَهَبَتْ لإبراهيمَ تلكَ الخادِمَةَ المصريةَ، عَسَى اللهُ أنْ يرزقَهُ منها وَلَداً، وقد كانَ. وبدأَتْ مَأْساةُ هاجَرَ.

شعرَتْ سارَةُ أنَّها صَغُرَتْ في عَيْنِ هاجَرَ، وأنَّها بدأتْ تَتَعالى عَلَيْها، فأنزلتْ بها صُنوفاً من العذابِ، حتَّى لقدْ أرادتْ أنْ تقطعَ أعضاءً من جِسْمِها.

 

وكانت هاجَرُ رُبَّما فَرَّتْ من وجْهِ سيِّدَتِها في البراري المجاوِرَةِ. واسْتَمَرَّتْ هذهِ الحالُ قريباً من سنتينِ. ولَمْ يَجِدْ إبراهيمُ حَلَّاً لهذِهِ المشكلةِ البَيْتِيَّةِ إلَّا أنْ تَذْهَبَ هاجرُ وَوَلَدَها بعيداً بعيداً، حيثُ لا تستطيعُ سارَةُ أَنْ تَنالَها.

أَعَدَّ إبراهيمُ ما يُمكِنُ حَمْلُهُ مِنْ زادٍ وماءٍ، واتَّجَهَ جَنوباً، تُسْلِمُه صحراءُ إلى أُخْرى، حتَّى جاءَ إلى وادٍ بينَ جبالٍ، حيثُ شَجَرَةٌ صحراويَّةٌ ضَخْمَةٌ، على مَقْرُبَةٍ مِنْها تَلَّةٌ، وجَبَلانِ صَغيرانِ مُتَقابِلانِ. قالَ إبراهيمُ في نفسِهِ: نعمْ، هذا هوَ المَكانُ الَّذي ألقاهُ في رُوعي وحيُ اللهِ!

أنزَلَ إبراهيمُ هاجَرَ، ومعها وَلَدُهُ الَّذي جاءَهُ على الكِبَرِ، تحتَ ظِلِّ الشجرةِ، وَوَلَّى راجِعاً من حيثُ أتى.

وفُوجِئَتْ هاجَرُ! أيَتْرُكهُما إبراهيمُ – وهوَ الأبُ الرَّحيمُ، وهُما المخلوقانِ الضَّعيفانِ – بهذِهِ الأرضِ القَفْزِ، وليسَ معهما إلَّا قُرْبَةُ ماءٍ وقَليلٌ من طَعامٍ؟ ونادَتْ، ثُمَّ نادَتْ، ثمَّ نادَتْ. وإبراهيمُ لا يَلْتَفِتُ. وأَحَسَّتْ هاجَرُ أنَّ الأَمْرَ بِهَذا الشَّكلِ، أكبرُ مِنْها ومِنْ إبراهيمَ، فقالتْ لَهُ: هَلْ أَمَرَكَ رَبُّكَ بِهَذا؟ وأجابَ دُونَ أَنْ يَلْتَفِتَ: نعمْ!

 

استسلمتِ المرأةُ لأمْرِ اللهِ، ولم يلبثِ الماءُ أَنْ نَفِدَ، والوادي قَفْرٌ مُوحِشٌ، بَلْ لا تَقْرَبُهُ الوُحوشُ حيثُ لا ماءَ. وتوَقَّفَ حليبُ الأُمِّ، وتَوالى صُراخُ الطِّفْلِ إسماعيلَ.

وذهبتْ الأُمُّ الجائِعَةُ العَطْشَى إلى أَحَدِ الجَبلينِ الصَّغيرينِ (وهو الصَّفا) ونظرتْ يَميناً وشِمالاً عَلَّها تَرَى شيئاً أو تَسْمَعُ حِسّاً، ثُمَّ نزلتْ تُهَرْوِلُ بِقَدِرٍ ما تَستطيعُ إلى المُرتفَعِ الآخَرِ (المَرْوَة)، وظَلَّتْ تَذهبُ وتَجيءُ، ولا يُطاوِعُها قَلْبها أَنْ تَنْظُرَ إلى طِفْلِها الرَّضيعِ، الَّذي يتحرَّكُ حركات الموتِ.

وتَوَهَّمَتْ أخيراً أنَّها سَمِعَتْ صوتاً، وكَتَمَتْ أنفاسَها اللَّاهِثَةَ وتَأَكَّدَتْ أنَّ ما سَمِعَتْهُ لَمْ يَكُنْ وَهُماً، وصاحَتْ: أَغِثْ إنْ كانَ عِنْدَكَ غَواثٌ! ثُمَّ عادَتْ لِوَليدِها لِتَجِدَ الرجلَ صاحبَ الصَّوتِ قَدْ لَمَسَ الأرضَ بِعَقبهِ، فنبعَ الماءُ الَّذي عُرِفَ بَعْدُ بِأَنَّهُ زَمْزَمُ، وَلَمْ يَكُنِ الرجلُ سِوى جبريلَ عليهِ السَّلامُ.

ثُمَّ إنَّهُ مَرَّ قريباً من هذهِ البقعةِ، الَّتي عُرِفَتْ باسمِ «مَكَةَ»، قبيلةٌ مِنْ جنوبِ الجزيرةِ العربيَّةِ اسْمُها «جُرْهُم»، لاحَظُوا في جَوِّ السَّماءِ طُيوراً تَحُومُ، فعجبُوا، وأرسَلُوا رَجُلاً ثُمَّ آخَرَ ليَسْتَطلِعا الخبرَ، وهناكَ وَجَدا المرأةَ وَوَليدَها الصَّغيرَ، وعينَ ماءٍ ثرَّةً، لا عهدَ لهمْ بها من قَبْلُ.

 

فاسْتَأْذَنوا هاجَرَ أنْ يُقيموا قريباً من الماءِ، فَأَذِنَتْ لَهُمْ. وبينَ هؤلاءِ شَبَّ إِسماعيلُ، وتَزَوَّجَ منهم امرأةً تِلْوَ أُخْرى، ثُمَّ اختارَ اللهُ عَزَّ وجلَّ هاجَرَ إلى جوارِهِ، فَدَفَنَها إسماعيلُ في مَوْضِعٍ مِنَ التلَّةِ القائمَةِ هُناكَ.. وهيَ التلَّةُ الَّتي بَنى موضِعَها بيتَ اللهِ الحرامَ: الكَعْبَة.

لقدْ حَفظَ الإسلامُ تاريخَ هذهِ الأُمِّ العظيمةِ، وأصبحَ السَّعيُّ بينَ الصَّفا والمروَةِ شَعِيرَةً من شَعائِرِ الحجِّ، تحملُ ذِكْرى هاجَرَ وهي تَجْري مجهودَةً عَطْشَى مَلْهوفَةً تبحثُ عمّا يُنْجي وليدَها.

ومِنْ ذَريَّةِ إسْماعيلَ تناسلَ العربُ وتَكاثَروا، وامْتَدَّ النَّسَبُ الشَّريفُ حتَّى خَرَجَ منهُ محمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكانتْ لهُ أيضاً كَما كانَ لأبيهِ إبراهيمَ جاريَةٌ مِصْرِيَّةٌ، هي السيِّدَةُ ماريا ، أُمُّ ولدِهِ إِبْراهيمَ.

ولقدْ أوْصى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أُمَّتَهُ بِحِفْظِ ذلكَ النَّسَبِ، إذ قالَ لأَصْحابِهِ: «إنَّكُمْ سَتَفْتَحونَ مِصْرَ.. فاسْتَوْصُوا بِأَهْلِها خَيْراً، فإنَّ لَهُمْ ذمَّةً ورَحْماً» يشيرُ إلى أنَّ هاجَرَ أُمُّ العَرَبِ، ورُبَّما قالَ أيضاً: «فإنَّ لهم ذمةً وصهراً»، يشيرُ بالصهرِ إلى ماريةً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى