الحيوانات والطيور والحشرات

نبذة تعريفية عن حيوانات “عروس البحر”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

حيوان عروس البحر الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة

«عَرائِسُ البَحْرِ» اسمٌ أسْطوريٌّ أُطْلِقَ في الغَرْبِ علَى أنواعٍ مُعَيَّنَةٍ من الثَّدْييَّاتِ تَأَقْلَمَتْ لِلْحياةِ في الماءِ، كما تَأَقْلَمَتْ الحيتانُ والدَّلافينُ وسِباعُ البحرِ وأَمثالُها.

وحَفِلَتْ كُتُبُ الرّحلاتِ القديمةُ بكثيرٍ من القِصَصِ الخَيالِيَّةِ عن هذه الكائناتِ، الّتي كانَتْ تُصَوِّرُها في هَيْئةِ كائنٍ نِصْفُهُ الأَعْلَى من جِسْمِ امرَأَةٍ جميلَةٍ طويلَةِ شَعْرِ الرّأْسِ، ونِصفُهُ الأَسْفَلُ من جِسْمِ سَمَكَةٍ، بلْ إِنَّهم زَعَمُوا أنَّها تكوَّنَتْ من تَزاوُجِ إنسانٍ وسَمَكَةٍ!

وسَتَعْرِفُ السِّـرَّ في هذهِ الخيالاتِ الأُسْطورِيَّةِ عِنْدَما نَتَعَرَّفُ الوَصْفَ الحقيقيَّ لهذهِ المخلوقاتِ.

 

وتَنْتَمي هذهِ الثدييَّاتُ المائيَّةُ إلَى رُتْبَةِ الخيْلانيَّاتِ، الّتي تَضُمُّ فَصيلَتَيْن في كلٍّ منهُما جِنْسٌ واحِدٌ؛ أُولاهُما فَصيلَةُ «بَقَرِ البَحْرِ» («دَجونْج»)، ويوجدُ منها في الوَقْتِ الحاضِرِ نوعٌ واحِدٌ يعيشُ في جنوبِ غربيِّ المُحيطِ الهادِي.

وفي المُحيطِ الهِنْديِّ من أُسْترالْيا وإنْدونِيسْيا إلَى الهِنْدِ، والبَحْرِ الأَحْمَرِ مُمْتَدًّ بطولِ السَّاحِلِ الأَفْريقِيِّ. وكانَ هناكَ نوعٌ ثانٍ انْدَثَرَ في أَواسِطِ القَرْنِ الثَّامِنَ عَشَرَ).

وبَقَرُ البَحْرِ هو الّذي جاءَ ذِكْرُهُ في كُتُبِ الرّحَلاتِ والتُّراثِ العَرَبيِّ بِاسْم «بَناتِ الماءِ» أو «إنسانِ الماءِ» أو «الأَطومِ» (ولو أنَّ هذا الاسْمَ الأَخيرَ يُطْلَقُ أَيْضًا علَى حيواناتٍ أُخْرَى).

 

أمّا الفَصيلَةُ الثّانِيَةُ، فهي فصيلَةُ «خِرافِ البَحْرِ» («ماناتِي»)، وتَضُمُّ ثلاثَةَ أَنْواعٍ، وهي: الخَروفُ البحريُّ الهنديُّ الغربِيُّ أو الكاريبِيُّ، (بَيْنَ جنوبِ شَرْقِيِّ أمريكَا الشّمالِيَّةِ وشَمالِيِّ أمريكا الجنوبِيَّةِ)، والخَروفُ البَحْرِيُّ الأَفريقِيُّ الغَرْبِيُّ أو السِّنْغالِيُّ.

وهذان النَّوعانِ يَعيشانِ في المياهِ العَذْبَةِ أيضًا. أمّا النوعُ الثّالِثُ: خَروفُ الماءِ الأَمازونِيُّ أو خروفُ أَمريكَا الجنوبِيَّةِ فيعيشُ في حَوْضِ نَهْرِ الأَمازونِ.

ويتراوحُ طولُ الخَيْلانِيَّاتِ بينَ مترٍ واحدٍ ونحو خَمْسةِ أمتارٍ، وقَدْ تبلُغُ أوزانُها 1600 كيلو جرام.

 

وأجسامُها انْسيابِيَّةٌ مُمْتَلِئَةٌ لأنَّ تَحْتَ جِلِدِهَا السَّميكِ، الّذي يَكادُ يَخْلُو من الشَّعْرِ، طَبَقَةٌ كثيفةٌ من الدُّهْنِ. أصابِعُ طرفَيْها الأمامِيَّيْن مُلْتَحِمَةٌ لتكوِّنَ مِجذافَيْنِ قويِّينِ، وليس لها طَرَفَان خَلفيَّانِ.

أمَّا أذيالُها فمُفَلْطَحَةٌ أُفُقِيًّا، كأَذْيالِ الحيتانِ، وطَرَفُها الخَلفِيُّ هِلالِيُّ الشَّكْلِ في بَقَرِ البَحْرِ، ومُسْتَديرٌ في خِرافِ البَحْرِ.

وتَسْتَقِرُّ رُؤوسُها الصُّلْعُ الكِبارُ علَى كَتِفَيْها مُباشَرَةً، فَلَيْسَ لها أَعْناقٌ ظَاهِرَةٌ. بوزُها خِنزيرِيُّ الشَّكْلِ تَنْبُت عليه شَعَراتٌ غِلاظٌ («أَهْلابٌ»)؛ والشَّفَةُ العُلْيا كبيرةٌ عَضَلِيَّةٌ، تبرز منها في الذكور سِنَّان («نابان») قصيرتان.

 

ويَعْلُو البوزَ مِنْخَرانِ مُتَباعِدَانِ، وعَلَيهما صِمامانِ لإغْلاقِهِما عِنْدَما يكونُ الحيوانُ تَحْتَ الماءِ. والعينانِ مُستديرَتَان، والأُذُنانِ صَغيرتَان.

وهذهِ الحيواناتُ جَيِّدَةُ السَّمْعِ ولكنها ضَعيفَةُ الإبْصارِ، وقَدْ تَصْطَدِمُ بما يَعْتَرِضُ طريقَها عند سِباحَتِها في الماءِ العَكِرِ.

والخَيْلانِيَّتُ، كسائِرِ الثَّدْييَّاتِ، تَتَنَفَّسُ الهواءَ، فتصعدُ من آنٍ لآخَرَ لِتَسْتَنْشِقَ الهواءَ، ويصدرُ عن زَفيرِها صوتٌ مميَّزٌ يُسْمَعُ من مسافاتٍ بعيدةٍ. وتتميَّزُ رِئاتُها بِامْتِدادِها حتَّى مِنْطَقَةِ البَطْنِ.

 

وتستطيعُ الخَيْلانِيَّاتُ المُكوثَ تحتَ الماءِ فتراتٍ طِوالاً نَظَرًا لوُجودِ شَبَكَةٍ غَزيرَةٍ من الشرايينِ، ولقُدْرَةِ دِمائِها الكبيرَةِ علَى حَمْلِ الأُكْسيجين.

وهذه الحيواناتُ وَديعَةٌ، تميلُ إلَى قِلَّةِ الحَرَكَةِ، فَلَيْسَ لها أَعْداءٌ طبيعيَّةٌ، غيرُ الإنْسانِ! وهي تَسْبَحُ بِحَركاتِ الذَّيْلِ إلَى أَعْلَى وإلَى أَسْفَلَ، وتُوَجِّهُ أَنْفُسَها بحركاتِ الرَّأْسِ الجانبيَّةِ مَعَ حركاتِ المِجذافَيْن («الزِّعْنِفِتَيْن»)، الّذَيْن تَستخدمُهما أَيْضًا في السِّباحَةِ نحوَ قَعْرِ البَحْرِ أو للتَّراجُعِ إلَى الخَلْفِ.

والخَيْلانِيَّاتُ آكلاتٌ للنباتِ (عواشِبُ) غَيْرُ مُجْتَرَّةٍ أيْ إنَّها تُشْبِهُ في هذا الخيلَ والفِيَلَةَ ولا تُشبِهُ البَقَرَ والخِرافَ اللّتَيْن تَتَسَمَّى بهما! وهي تَغْتَذِي بالنباتاتِ المائِيَّةِ أو القَريبَة جدًّا من الشَّاطئِ، ولا تُشَكِّلُ الطَّحالِبُ جُزْءًا رئيسيًّا من طعامِها.

 

وقَدْ تأكلُ ورُؤوسُها وأَكْتافُها فوقَ الماءِ، ولكنَّها تَأْكُلُ عادَةً النباتاتِ الطَّافيةَ والمَغْمُورَةَ. وهي تَدْفَعُ الطَّعامَ نَحْوَ فَمِها بِمِجْذافَيْها، وتُلَمْلِمُهُ بِرُكْنَيْ شَفَتِها العُلْيَا.

وبَقَرُ البَحْرِ قد يغوصُ إلَى قَعْرِ المياهِ السَّاحِلِيَّةِ لِيَنْبِشَ عَنْ الرّيزُوماتِ النباتِيَّةِ المَدْفونةِ فيهِ (ولذلِكَ هي تُوصَفُ أحيانًا بأنَّها «خنازيرُ البَحْرِ»).

والدُّهْنُ الكثيرُ الّذي تَخْتَزِنُهُ الخَيْلانِيَّاتُ في أجسامِها، يُمَكِّنُها من الصِّيامِ مُدَدًا طويلَةً في مَناطِقِ الأَنْهارِ الّتي يصيبُها الجَفافُ. وهي قَدْ تُهاجِرُ مسافاتٍ طَلَبًا للغِذاءِ أو الدِّفْءِ.

 

والأُنْثَى لا تَلِدُ إلاَّ صغيرًا واحدًا في المَرَّةِ الواحِدَةِ، كلَّ عامَيْن في المُتَوَسِّطِ. وجِسْمُ الجَنينِ يكونُ مُغَطًّى بالشَّعْرِ، ولكنَّ الشَّعْرَ يَأْخُذُ في التَّساقُطِ شيئًا فشيئًا من مُعْظَمِ أَجزاءِ الجِسْمِ. وتُرْضِعُ الأُمُّ وَليدَها خارِجَ الماءِ، وقَدْ تُرْضِعُهُ وهُوَ رَاقِدٌ بِجِوارِها أو علَى بَطْنِها.

والصُّورَةُ الخَيالِيَّةُ للأُمِّ وهِيَ تَحْتَضِنُ رَضيعَها بِمِجْذافَيْها لا تَتَّفِقُ مَعَ وَضْعِ الثَّدْيَيْنِ خَلْفَ المِجْذافَيْنِ وتَحْتَهُما. ولكنْ لَعَلَّ مَوْضِعَ الثَّدْيَيْنِ في الصَّدْرِ هوَ الّذي أوحَى للبحَّارَةِ بِصورَةِ المَرْأَةِ أو العَرُوسِ. (ولكنَّها كما رَأَيْنا خالِيَةٌ تمامًا من الجَمالِ الّذي خَلَعَتْهُ عَلَيْها الأَسَاطيرُ  والخَيالاتُ).

ويُفْطَمُ الوليدُ بَعْدَ عام ونِصْفِ عامٍ، بَعْدَ أنْ يكونَ قَدْ تَعَلَّمَ من أُمِّه كثيرًا من وَسائِلِ العَيْشِ والبَحْثِ عَن الغِذَاءِ.

 

وتُصادُ الخَيْلانِيَّاتُ طَلَبًا لِلَحْمِها، ودُهْنِها الّذي يُسْتَخْدَمُ لِلطَّهْيِ، وجِلْدِها المَتينِ الّذي تُصْنَعُ مِنه الخِفَافُ، و«أَنيابِ» ذُكورِ بَقَرِ البَحْرِ. ويضافُ إلَى هذا إِفْسادُ بيئاتِها السَّاحِلِيَّةِ بالتَّلَوُّثِ والرِّياضاتِ والمَشاريعِ البَحْرِيَّةِ. وهذا كُلُّهُ قَدْ جَعَلَها مُهَدَّدَةً بالانْقِراضِ، وتُسَنُّ القَوانينُ في مَناطِقَ كَثيرَةٍ لِحِمايَتِها.

كما أنَّ خِرافَ الأَمازونِ تُجْمَعُ وتُنْقَلُ إلَى بحيراتِ الماءِ العَذْبِ المُخْتَزَنِ وَرَاءَ السُّدودِ ومَحَطَّاتِ تَوْليدِ الكَهْرَباءِ وقَنَواتِ الرَّيِّ، وذَلِكَ لِتَخْليصِها من النَّباتاتِ الكثيفَةِ الّتي تَنْمو بِسُطوحِها.

وقَدْ نَجَح العلماءُ في تَرْبِيَةِ أَفْرادٍ مِنْها، كما أنَّ حَدائِقَ الحيوانِ في الهِنْدِ وسِرِيلانْكا نَجَحَتْ في الاحْتِفاظِ بِبَعْضِ الخَيْلانِيَّاتِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى