البيولوجيا وعلوم الحياة

نبذة تعريفية عن “التجربة العلمية” والهدف من إجراءها

1994 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التجربة العلمية البيولوجيا وعلوم الحياة الفيزياء

من قديم الزمان لاحظ الإنسان أنه إذا ترك اللحم معرضا للهواء لبضعة أيام فإنه يتعفن وتظهر عليه ديدان لم تكن موجودة عليه من قبل.

وقد أثارت هذه الظاهرة اهتمام العلماء ورغبتهم في معرفة مصدر هذه الديدان، أي من أين أتت؟

وفي هذا الأمر اقترح أرسطو (384_ 222 قبل الميلاد) نظرية تقول بأن المادة الحية يمكن أن تتكون من المادة غير الحية.

 

أي أن الحياة يمكن أن تنبثق من غير الحياة. وأيدت بعض الآراء هذه النظرية حيث قيل إن إحدى البحيرات جفت تماما، وعندما امتلأت بماء المطر مرة ثانية لوحظ بعد فترة وجود أسماك صغيرة بها.

وقال المؤيدون لنظرية أرسطو: إن هذه الأسماك تخلقت ذاتيا، أي أنها لم تأت من بويضات مخصبة. كذلك قيل: إن بعض الحشرات تتخلق ذاتيا من الندى الذي يتساقط فوق أوراق النبات.

وبعضها يتخلق من الشعر الذي يغطي أجسام الحيوانات، وبعضها يتخلق من براز الحيوان، أو من اللحم المتعفن.

 

وقد ظلت آراء أرسطو مرجعا لا يجرؤ أحد على مناقشته حتى جاء عالم يسمى فرانسيسكو ريدي (1626 _ 1697 ميلادية) وأعلن عدم اقتناعه بنظرية التكوين التلقائي. 

واقترح تفسيرا بديلا لظهور الديدان على اللحم المتعفن، فقال بأن هذه الديدان تخرج من بيض – صغير الحجم- يضعه الذباب الذي يحوم حول اللحم.

ولكي يختبر فرانسيسكو صحة نظريته، أخذ عينة من اللحم الطازج وقسمها إلى جزئين. جزء منها وضعه في آنية زجاجية ذات فوهات واسعة غطاها بإحكام، وجزء آخر وضعه في آنية مشابهة ولكنه تركها دون تغطية.

وبعد بضعة أيام لاحظ وجود ديدان على قطع اللحم المتروكة دون غطاء، بينما لم تظهر أية ديدان على اللحم الموجود داخل الآنية المحكمة الغطاء.

 

وكرر ذلك عدة مرات مع استخدام قطع أخرى من اللحم. وفي كل مرة كان يصل إلى النتائج نفسها. وقد فسر ما حدث على أساس أن الذباب الذي يحط على قطع اللحم المكشوف يضع بيضه عليه.

وهذا البيض يفقس وتخرج منه تلك الديدان التي هي في واقع الأمر يرقانات لا تلبث أن تتحول إلى عذراى ثم إلى حشرات كاملة النمو، أي ذباب.

إن ما قام به فرانسيسكو ريدي يسمى «تجربة عليمة». فهو قد لاحظ ظاهرة معينة، ووضع فرضا – أو اقتراحا- يفسر هذه الظاهرة. واتخذ من الاحتياطات ما يضمن سلامة النتائج.

ففي كل مرة كان يأخذ عينة واحدة من اللحم، ويقسمها إلى قسمين، يضع كلا منهما في إناء مشابه، ويتركهما المدة نفسها من الزمن.

 

وكان الاختلاف في عامل واحد، وهو عزل اللحم عن الذباب، وبالتالي أصبحت النتائج مرتبطة بهذا العامل، مما جعله يقول _ بعد إجراء التجربة أكثر من مرة _ بصحة الفرض القائل بأن الدود الذي يظهر على اللحم المتعفن ناتج مما يضعه عليه الذباب من بيض وليس عن طريق التخلق الذاتي، أي أن الدود لم يتخلق من اللحم ذاته.

ولعله من المهم هنا أن نميز بين «الملاحظة العلمية» و«التجربة العلمية». ففي الملاحظة العلمية يهتم العالم – أو الباحث – بتسجيل الظاهرة كما تحدث دون أن يكون له هو دخل فيها.

ويتم ذلك بوساطة الحواس- وبخاصة حاسة البصر- سواء مجردة أو بمعاونة بعض الأجهزة كالمنظار الفلكي أو المجهر أو سماعة الطبيب أو الترمومتر أو غيرها من أدوات العلم وأجهزته.

 

ومن أمثلة الملاحظات التي من هذا النوع ما يسجله الفلكيون عن حركات الكواكب والأجرام السماوية. ورصدهم لكسوف الشمس وخسوف القمر.

وكذلك ما يفعله رجال الأرصاد الجوية من تسجيل لدرجات الحرارة العظمى والدنيا. ونسبة الرطوبة، وسرعة الرياح، والضغط الجوي، وكمية الغبار في الجو. او ما يفعله عالم الأحياء عندما يلاحظ النباتات والحيوانات التي تعيش في مناطق معينة وما تتميز به من خصائص.

وكذلك ما قد يسجله طبيب من ملاحظات عن الأعراض التي تظهر على مريض بمرض معين. المهم أنه في كل هذه الأحوال يتم تسجيل الظواهر كما تحدث دون أن يكون للعالم دخل فيها.

 

أما في حالة «التجربة العلمية» فإن العالم لا ينتظر حدوث الظاهرة في الطبيعة ولكنه يحاول أن يحدثها في الوقت الذي يريده وتحت ظروف من صنعه هو، حتى يستطيع أن يغير فيها ويتحكم في بعض جوانبها وفقا لطبيعة المشكلة التي يدرسها. وواضح بالطبع أن الملاحظة مقرونة بالتجربة.

ولكي يكون التجريب «علميا» ينبغي أن تتوافر له بعض الشروط الأساسية. منها أن يكون الغرض من التجريب واضحا ومحددا تحديدا دقيقا.

بمعنى أن التجربة تكون من أجل اختبار صحة أو عدم صحة فرض يقترحه الباحث لحل مشكلة محددة. كما ينبغي أن يتم التجريب تحت ظروف مضبوطة.

وعادة لا يأخذ العلماء بنتائج تجربة واحدة وإنما يلزم إعادة التجربة عدة مرات حتى يمكن التثبت من صدق النتائج التي يتم التوصل إليها، وفي كل الأحوال يجب أن يتم وصف الظاهرة وتسجيل النتائج بأمانة ودون تحيز من جانب الباحث حتى توصف التجربة ونتائجها بانها موضوعية.

 

ومما هو جدير بالذكر أن كلا من «الملاحظة العلمية» و«التجريب العلمي» يرتبطان أشد الارتباط بالأدوات والأجهزة التي يستخدمها العلماء في دراساتهم. وتاريخ العلم يشهد بان تقدم المعرفة العلمية وتطورها كان مرتبطا بتقدم أدوات العلم وأجهزته.

ومن هنا نجد أن إبداع العلماء لا يتجلى فقط في تصميم تجارب جديدة، وإنما يظهر أيضا في اختراع أجهزة وأدوات تساعد العلماء على تسجيل ملاحظاتهم بدقة فائقة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى