الطب

نبذة تعريفية عن أنواع “الصُداع” الذي يصيب الإنسان

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الصُداع أنواع الصُداع الطب

يُعَرَّفُ الصُّداعُ طِبِّيًا بأَنَّهُ كُلُّ أَلَمٍ يُحِسُّهُ الإنْسانُ في الرَّأْسِ فَوْقَ مُسْتَوَى الحاجِبَيْنِ.

وهُو بِذَلِكَ مِنْ أَكْثَر الأَعْراضِ المَرَضِيَّةِ حُدوثًا بَيْنَ البشَر، إلاَّ أنَّ مُعْظَمَ حالاتِه تَعودُ لأَسْبابٍ مُؤَقَّتَةٍ لا تَسْتَدعِي تَدَخُّلاً طِبِّيًّا خاصًّا، فيما عَدَا تَنَاوُلَ بَعْضِ مُسَكِّناتِ الأَلَمِ شَائِعَةِ الاسْتِخْدامِ. وهَذِه الأَسبابُ العابرَةُ البَسيطَةُ تَشْمَلُ الإجْهادَ الجِسْمِيَّ والنَّفْسِيَّ، وبَعْضَ أنواعِ الحُمَّيَاتِ.

غَيْرَ أنَّ هُناكَ أَنْواعًا مُهِمَّةً منَ الصُّداعِ تَتَطَلَّبُ فَحْصًا طِبِّيًّا مُفَصَّلاً، مع إِجْراءِ بَعْضِ الفُحوصِ الإشْعَاعِيَّةِ والمَعْمَلِيَّةِ، إِذْ إِنَّها تَدْعو إلَى تَدَخُّلٍ علاجيٍّ سَريعٍ.

 

وأَهَمُّ عُنْصُـرٍ من عَناصِرِ هَذهِ الأَنْواعِ الهامَّةِ منَ الصُّداعِ هُوَ نَوْعُ الأَلَمِ نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ شِدَّتِهِ. فهناكَ صُداعٌ نَابِضٌ يَشْعُرُ فيهِ المَريضُ بِدقَّاتٍ مُنتَظِمَةٍ من الآلامِ تَتَزامَنُ معَ إِيقاعِ النَّبْضِ.

وهناكَ صُداعٌ مُتَفجِّرٌ يَشْعُرُ مَعَهُ المَريضُ وكأَنَّ مُحتوياتِ جُمْجُمَتِهِ تكادُ تَنْفَجِرُ مِنَ الدَّاخِل.

 

كما أَنَّ هناكَ صداعًا ضاغِطًا يَشْعُرُ فيه المَريضُ بأنَّ عَضَلاتِ رَأْسِهِ وعَضَلاتِ رَقَبَتِه أَحْيانًا تَضْغَطُ عَلَى الرَّأْسِ والرَّقَبَةِ، وتَعْمَلُ عَلَى الحَدِّ من حُرِّيَّةِ حَرَكاتِهِما.

وهَذِهِ الأَنْواعُ الثَّلاثةُ من الصُّداعِ هي الّتي سَنُفَصِّلُ خَصائِصَها فيما يلِي نَظَرًا لأَهَمِّيَّتِها الطِّبِّيَّةِ.

 

الصُّداعُ النِّصْفِيُّ (الشَّقيقَةُ):

يَتَمَيَّزُ هَذا الصُّداعُ بأَنَّه نابِضٌ، ويُصيبُ أَحَدَ جانِبَيْ الرَّأْسِ غالِبًا إلاَّ أَنَّه قَدْ يصيبُ الجانِبَيْنِ مَعًا، أو قَدْ يَنْتَقِلُ مِنْ أَحَدِ الجانِبَيْنِ إلَى الآخَرِ.

وعُرِفَ هذا الصُّداعُ النابِضُ باسْمِ الصُّداعِ النِّصْفِيِّ أو الشَّقيقَةِ في كِتاباتِ الأَطِباءِ العَرَبِ الأَولين، مثل الرَّازي وابن سينا إِذْ إِنَّه مَعْروفٌ مُنْذُ القِدَمِ.

ويَصْحَبُ هذا الصُّداعَ عادةً تَأَثُّر الإبْصارِ، بِحَيْثُ يَقِلُّ وُضوحُ الرُّؤْيَةِ في أَثناءِ نَوْباتِ الصُّداعِ الّتي تَتَكَرَّرُ عَلَى فَتَراتٍ تَخْتَلِفُ مِنْ مَريضٍ إلَى آخَرَ.

 

وقَدْ يَحْدُثُ هَذا الصُّداعُ أحيانًا في مَجْموعاتٍ مُتَقارِبَةٍ من نَوْباتِ الأَلَمِ يَزْدادُ فيها مُعَدَّلُها وحِدَّتُها، ثَمَّ تَترُكُ المَريضَ فَتراتٍ طَويلَةً يَتَمَتَّعُ فيها باخْتِفاءِ الصُّداعِ.

وتَخْتَلِفُ مُدَّةُ النَّوْبَةِ مِنْ بِضْعَةِ دَقائِقَ إلَى يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعاني المريضُ في أثْنائِها من سَقَامٍ عامٍّ وفَقْدِ القُدْرَةِ عَلَى التَّرْكيزِ الذَّهْنِيِّ، مَعَ غَزارَةِ العَرَقِ والإحْساسِ بِنَبَضَاتِ القَلْبِ.

فإذا نامَ المَريضُ تَخْتَفي النَّوْبَةُ في أثناءِ النَّوْمِ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ في حَالَةٍ طَيِّبَةٍ. وقَدْ يُصاحِبُ هذهِ النَّوْباتِ نَوْعٌ من الغَثَيان أو القَيء.

وبَعْدَ اخْتِفَاءِ النَّوْبَةِ لا نَجِدُ أيَّ أَثَر مَرَضِيٍّ عِنْدَ فَحْصِ الجهازِ العَصَبِيِّ، ولَوْ أَنَّ رَسْمَ الدِّماغِ الكَهْرَبائيَّ قَدْ يُبَيِّن بَعْضَ التَّغَيُّراتِ المَرَضِيَّةِ المُمَيِّزَةِ.

 

ويُرَجَّحُ أنَّ سَبَبَ هذهِ النَّوْباتِ هو اضْطِرابٌ في حَساسِيَّةِ شَرايينِ فَرْوَةِ الرَّأْسِ، فَتُصابُ بِتَضِيُّقٍ عابِرٍ يَتْبَعُه تَوَسُّعٌ شَديدٌ يكونُ سَبَبًا مُباشِرًا للصُّداعِ.

ويَحْدُثُ مِثلُ هذا التَّغَيُّرِ في أَوْعِيَةِ الدّماغِ نَفْسِها، ولِذَا قَدْ يُصاحِبُ نَوْباتِ الصُّداعِ النِّصْفِيِّ بَعْضُ الأَعْراضِ العَصَبِيَّةِ المُؤَقَّتَةِ: مثل فَقْدِ الإبصارِ المُؤَقَّتِ في أَحَدِ نِصْفَيْ المَجالِ البَصَرِيِّ أو الشُّعورِ بالدُّوَارِ.

وقَدْ تُعالَجُ نَوْباتُ الصُّداعِ النِّصْفِيِّ مُؤَقَّتًا بِتَناوُلِ مُرَكَّباتِ الإرْجوتِ إلاَّ أنَّ هناكَ عِلاجَاتٍ أُخْرَى تُعْطَى مُدَّةَ بِضْعَةِ أشْهُرٍ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ حُدوثِ النَّوْباتِ نَفْسِها، تَسْتَطيعُ أنْ تَشْفِيَ هَذِه النَّوْباتِ شِفاءً تامًّا.

 

الصُّداعُ المُتَفَجِّرُ:

هذا النَّوعُ من الصُّداعِ يَحْدُثُ عادَةً مَعَ ازْديادِ الضَّغْطِ في داخِلِ الجُمْجُمَةِ، كما يَحْدُثُ في حالاتِ أوْرامِ المُخِّ، أو التَّجَمُّعاتِ الدَّمَوِيَّةِ عَلَى سَطْحِ الدِّماغِ أو التِهابِ الأَغْشِيَةِ السِّحائِيَّةِ المُغْلِّفَةِ للدِّماغِ.

ويَتَمَيَّزُ هذا الصُّداعُ، إلَى جانِبِ طَبيعَتِه المُتَفَجِّرَةِ، بأنَّه يَبْلُغَ من الشِّدَّةِ دَرَجَةً لَمْ يَعْرِفْها المريضُ مِنْ قَبلُ.

 

وقَدْ تَبْلُغُ هَذه الشِّدَّةُ مَبْلَغًا يوقِظُ المريضَ من نَوْمِه لَيْلاً مَعَ حدوثِ القَيْء المُتَكَرِّرِ، ووجودِ غِشاوَةٍ عَلَى الإبْصارِ، مَعَ نَقْصٍ في دَرَجَةِ الانْتِباهِ قَدْ تَصِلُ إلَى الاخْتِلاطِ الذِّهْنِيِّ فَيَبْدو المَريضُ وكأنَّه تَحْتَ تأثيرِ جَرْعَةٍ صَغيرَةٍ من الخمْر.

هذا الصُّداعُ يحتاجُ إلَى سُرْعَةِ فَحْصِ المريضِ، وبخاصَّةٍ فَحْصُ «قَاعِ عَيْنِهِ»، إذْ إنَّ ذَلِكَ يُظْهِرُ بِوُضُوحٍ وُجودَ تَوَرُّمٍ في القُرْصِ البَصَريِّ، وهذا يُؤَكِّدُ وُجودَ ضَغْطٍ زائِدٍ في داخِلِ الجُمْجُمَةِ.

كذَلِكَ فَحْصُ الجِهازِ العَصَبِيِّ قَدْ يُظْهِرُ فَقْدَ بَعْضِ وَظائِفِ هَذا الجِهازِ، وهَذا – بِدَوْرِهِ – قَدْ يُحَدِّدُ مَكانَ الإصابَةِ الّتي تُسَبِّبُ الضَّغْطَ عَلَى الدِّماغِ.

 

وفي كُلِّ هذهِ الحالاتِ، يَسْتَدعِي حُدوثُ هَذا الصُّداعِ فَحْصَ الرَّأْسِ بالأشِعَّةِ المَقْطَعِيَّةِ، أو بأشِعَّةِ الرَّنِين المِغْنَاطِيسِيِّ الّتي تُبَيِّنُ بِدِقَّةٍ سَبَبَ الضَّغْطِ الزَّائِدِ ومَكانَ الإصابَةِ. وعَلَى هَذا يَتَحَدَّدُ نَوْعُ العِلاجِ المَطْلوبِ.

وكلُّ هذه الحالاتِ – مَهْما كانَ سَبَبُها – تحتاجُ إلَى العِلاجِ الّذي يَعْمَلُ عَلَى إِنْقاصِ الضَّغْطِ في داخِلِ الجُمْجُمَةِ، إذْ إنَّ هَذا يُنْقِذُ العَصَبَ البَصَرِيَّ مِن الضُّمورِ، وما يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فَقْدٍ دائِمٍ للإبْصارِ، كما أنَّه يُحَسِّنُ من وَعْيِ المَريضِ ويُريحُه منَ الصُّداعِ الشَّديدِ، إلَى أَن يُحدِّدَ الطَّبيبُ طريقةَ العِلاجِ الأساسِيِّ المناسِبِ لسَبَبِ ازْديادِ الضَّغْطِ في داخِلِ الجُمْجُمَةِ.

 

الصُّداعُ الضَّاغِطُ:

في هذا النَّوعِ منَ الصُّداعِ يَشْعُرُ المريضُ بِضَغْطٍ عَلَى الجُمْجُمَةِ، خصوصًا عِنْدَ مُؤَخَّرِها، مَصْحوبٍ بتَقَلُّصٍ في عَضَلاتِ العُنُق.

ويَزْدادُ ذَلِكَ شِدَّةً عِنْدَ تَحْريكِ الرَّقبَةِ والرَّأْسِ، وكَذَلِكَ عِنْدَ السُّعالِ أو العَطْسِ، وقَدْ تَمْتَدُّ الآلامُ إلَى مِنْطَقَةِ الكَتِفَيْن.

ومُعْظَمُ هذه الحالاتِ يَعُودُ إلَى وُجودِ نُتوءاتٍ غُضْروفِيَّةٍ بَيْنَ فَقَارِ العُنُقِ تُؤَدِّي إلَى الضَّغْطِ علَى الجُذورِ العَصَبِيَّةِ الّتي تَخْرُجُ من بَيْنِ هذِهِ الفَقَراتِ لِتَصِلَ إلَى عَضَلاتِ الرَّقَبَةِ والرَّأْسِ.

 

ويَكُونُ تَقَلُّصُ هذهِ العَضَلاتِ وَسيلَةً لِمُقاوَمَةِ ما يُحْدِثُهُ هذا الضَّغْطُ من آلامٍ تَنْتَشِرُ في المِنْطَقَةِ المُتَّصِلَةِ بهذهِ الجُذورِ العَصَبِيَّةِ الّتي تَخْرُجُ من بَيْنِ هذِهِ الفَقَراتِ لِتَصِلَ إلَى عَضَلاتِ الرَّقَبَةِ والرَّأْسِ.

ويَكُونُ تَقَلُّصُ هذهِ العَضَلاتِ وَسيلَةً لِمُقاوَمَةِ ما يُحْدِثُهُ هذا الضَّغْطُ من آلامٍ تَنْتَشِـرُ في المِنْطَقَةِ المُتَّصِلَةِ بهذهِ الجُذورِ العَصَبِيَّةِ المُنْضَغِطَةِ.

وفي هذه الحالاتِ نَجِدُ أَنَّ حَرَكَةَ الرَّقَبَةِ يَعْتَريها تَحْديدٌ في المَدَى المَسموحِ بِهِ، إِذْ تَتَقلَّصُ العَضَلاتُ بَعْدَ هذا المَدَى وتُوقِفُ الحَرَكَةَ. كذلك يبيِّنُ الفحصُ العَصِبِيُّ تأَثُّرَ عَضَلاتِ الذِّراعَيْن أيضًا، وهذا قَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَعْفِ بَعْضِ هذهِ العَضَلاتِ أو ضُمورِهَا مع فَقْدِ الإحساس باللَّمْسِ، والألَمِ في المَناطِقِ المُصابَةِ.

 

وهَذه الحَالاتُ يَتَأَكَّدُ وجودُها بالفَحْصِ الإشْعاعِيِّ لفَقَراتِ العُنُقِ. ويَنْفَعُها العِلاجُ بالأَدْوِيَةِ المُرْخِيَةِ لِلْعَضَلاتِ وتِلْكَ الّتي تُعالِجُ احْتِقانَ الجُذورِ العَصَبِيَّةِ، مَعَ بَعْضِ العِلاجِ الطَّبيعِيِّ لهذهِ العَضَلاتِ المُتَقَلِّصَةِ.

لكنَّ بَعْضَ الحالاتِ قَدْ يَحتاجُ إلَى تَثْبيتِ الفَقَارِ باسْتِخْدامِ داعِمٍ للرَّقَبَةِ مِن مَادَّةِ بِلاستيكيةٍ مُدَّةً مَحْدودَةً يُقَرِّرُها الطَّبيبُ المُعالجُ مَعَ اللُّجوءِ إلَى جَلَساتِ العِلاجِ الطَّبِيعِيِّ فيما بَعْدُ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى