البيولوجيا وعلوم الحياة

نبذة تعريفية عامة حول فيروس “شلل الأطفال” وفيروس “الأنف”

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

فيروس شلل الأطفال فيروس الأنف البيولوجيا وعلوم الحياة

يُعتبر الفيروس المسبب لشلل الأطفال وفيروس الأنف (وهو واحد من العديد من الفيروسات المسببة لإصابات البرد المعتادة) من أكثر الفيروسات التي تهاجم خلايا الإنسان بساطةً في تركيبها.

حيث تتركب هذه الفيروسات من سلسلة فردية من الـ "رنا" تحتوي على حوالي 7500 نيوكليوتيدة، ويتم تغليفها بواسطة غلاف بروتيني متناظر.

 

ولكن على الرغم من بساطتها، فإن هذه الفيروسات سريعة وشرسة بشكل لافت للنظر، على سبيل المثال، يستطيع فيروس شلل الأطفال أن يقوم بالسيطرة على الخلية. 

ويعمل على إيقاف عملية بناء البروتين المعتادة بها، مع إجبارها على بناء ما بين عشـرة آلاف إلى مائة ألف فيروس جديد وذلك في مدة زمنية تتراوح ما بين 4-6 ساعات (شكل 2.8).

 

شكل 2.8 دورة حياة فيروس شلل الأطفال: يعمل هذا الفيروس أثناء دورة حياته على الاستفادة من العديد من الآلات الجزيئية المتاحة بالفعل في الخلايا التي يصيبها.

حيث يقوم الفيروس بالتعرف على البروتينات الكربوهيدراتية (Glycoproteins) الموجودة على سطح الخلية (A) ويرتبط بها، ثم يعمل على دفع ال"رنا" الفيروسي الخاص به (B) إلى داخل الخلية.

بعد ذلك تعمل ريبوسومات الخلية على بناء جزئ فيروسي طويل «عديد البروتينات» (C) وذلك باستخدام المعلومات على الرنا. ثم يتم تكسير هذا الجزيء إلى العديد من القطع الوظيفية بواسطة إنزيم فيروسي محلل للبروتين (D)، والذي يقوم بشكل مدهش بفصل نفسه أولاً من الجزئ.

وأحد القطع الناتجة عن تكسير الجزيء «عديد البروتينات» يكون في صورة إنزيم بلمرة خاص (E) لديه القدرة على بناء سلاسل "رنا" أكثر باستخدام ال"رنا" الفيروسي كقالب.

وبعد عدة دورات متكررة من البناء يتم تكوين كميات كبيرة من ال"رنا" الفيروسي وبروتينات الغلاف (F)، وتتجمع هذه الجزيئات تلقائياً لتكون فيروسات ناضجة تنفجر في النهاية إلى خارج الخلية (قوة التكبير: مليون مرة).

 

يرجع الاختلاف الواسع بين نوعية المرض الذي يسببه فيروس شلل الأطفال عن المرض الناتج عن فيروس الأنف إلى اختلاف بسيط في تركيب الأغلفة البروتينية لهذه الفيروسات.

فعندما نبلع هذه الفيروسات مع الغذاء الذي نتناوله أو عندما نتنفسها مع الهواء الملوث، فإنها تقوم بإصابة أماكن مختلفة بالجسم.

ويتميز غلاف المحفظة البروتيني لفيروس شلل الأطفال بقدرته العالية على الثبات في البيئة الحامضية في المعدة، وذلك فإنه يصيبها وينتشـر من خلال اللمف إلى الأماكن البعيدة بالجسم.

 

إلا أن غلاف فيروس الأنف، على الناحية الأخرى، يتم تكسيره بواسطة الحموضة ولذلك فهو يعمل على إصابة الحلق والأنف بصفة أساسية، حيث أنها أوساط غير حامضية.

ويؤدي عدم ثبات فيروس الأنف إلى تقيده بأماكن محددة غير مريحة، ولذلك فإننا نصاب بأنف تندفع فيها السوائل اللزجة وتكون ممتلئة بها كنتيجة لمحاولة خلايانا الدفاع عن نفسها بإزالة الفيروسات.

 

ولكن ثبات فيروس شلل الأطفال يسمح له بالوصول إلى أماكن أعمق في مناطق حيوية بالجسم. فبينما تحدث حمى سيئة لمعظم من يصابون بفيروس شلل الأطفال، نجد أن الفيروس يقوم بإحكام قبضته في أجسام بعض المصابين مسبباً لتلف خطير في الخلايا العصبية والدماغ.

جينوم (Genome)  فيروس شلل الأطفال وفيروس الأنف صغير جداً لدرجة أنه يحمل شفرات لبناء عدد محدود من البروتينات.

 

وتتضمن هذه البروتينات أربعة بروتينات تتجمع سوياً لتكوين غلاف المحفظة، وبروتينين يعملان كإنزيمين محللين للبروتين (Proteases) ويقومان بقطع البروتين الفيروسي إلى قطع ذات أطوال مناسبة.

بالإضافة إلى إنزيم «بلمرة رنا يعتمد على الرنا» في صورة خاصة وذلك لصناعة سلاسل رنا جديدة باستخدام الـ "رنا" الفيروسي كقالب، مع وجود عدد قليل من بروتينات صغيرة الحجم للمساعدة في أداء هذه العملية.

وهذه الحفنة القليلة من البروتينات هي كل ما تتم الحاجة إليه لتنظيم دورة حياة الفيروس والتي تنتهي بموت خلية العائل، وانطلاق آلاف الفيروسات الجديدة منها.

 

تبدأ دورة حياة الفيروس عند سطح الخلية. حيث تنتشـر الفيروسات بطريقة عشوائية إلى أن تصادف خلية يحتوي سطحها على جزيء مستقل خاص بالفيروس.

ويبحث فيروس شلل الأطفال على المستقبل الخاص به والذي يكون شبيهاً بالجسم المضاد، بينما يبحث فيروس الأنف على حمض السيلك (Sialic Acid) وهو مركب كربوهيدراتي يكون متصلاً بالبروتينات على سطح الخلية.

 

ويحتوي غلاف الفيروس على شبكة من الجيوب التي يمكنها التعرف على هذه المستقبلات الخلوية، بحيث تعمل على ربط الفيروس بسطح الخلية.

ويعمل هذا الارتباط على إحداث تغير في تركيب الغلاف الفيروسي، يؤدي بدوره إلى قيام الفيروس بحقن الـ "رنا" الخاص به خلال أغشية الخلية وإلى داخلها.

 

وبمجرد دخول "الـ "رنا" الفيروسي، تقوم ريبوسومات الخلية بترجمته إلى جزىء «عديد البروتينات» (Polyprotein) طويل.

حيث يحتوي هذا الجزىء على كل البروتينات الفيروسية متراصة مع بعضها مثل الخرز في المسبحة. ثم يقوم إنزيمان محللان للبروتين (Proteases) بفصل نفسهما من هذه السلسلة البروتينية، ثم يستمران في دورهما ليقوما بفصل باقي البروتينات الموجودة. بعد ذلك، تبدأ الفاعلية الحقيقية للبروتينات الناتجة في الظهور.

تبدأ إنزيمات البلمرة الفيروسية في العمل سريعاً لإنتاج نسخ جديدة من الـ "رنا" الفيروسي مستخدمةً في ذلك المخزون الخلوي من النيوكليوتيدات. حيث يرتبط جزىء بروتيني صغير يُسمى VPg بإحدى نهايتي الـ "رنا" ، وهذا يساعد على إستمرار تضاعفه.

 

ويقوم أحد الإنزيمات الفيروسية المحللة للبروتين بالبحث عن مركب خاص يعمل على بدء عملية الترجمة في الخلية، بحيث يعمل على تكسيره إلى نصفين.

ونظراً لأن هذا المركب يكون أساسياً في عملية بناء البروتين بالخلية من «الرنا المرسال» الخاص بها، فإن هذا التكسير يؤدي إلى إيقاف العملية المعتادة لبناء البروتين بها.

ولكن ال"رنا" الفيروسي تم تصميمة بحيث لا يكون في حاجة إلى هذا المركب لكي يبدأ بناء البروتين، ولذلك فإن الريبوسومات تعمل على توجيه كافة طاقتها لصناعة البروتينات الفيروسية.

 

ومع بناء نسخ أكثر من جزيئات ال "رنا" الفيروسي واستخدام هذه الجزيئات في بناء عدد أكبر من الجزيئات البروتينية المكونة للغلاف الفيروسي، فإن فيروسات جديدة تتكون بشكل تلقائي.

ويحتوى كل فيروس جديد على جزيء "رنـا " تمت تعبئته في غلاف من البروتينات التي تم بناؤها مجدداً.

 

ويتم ترك إنزيمات البلمرة والبروتينات المساعدة الأخرى في الخلية _ وذلك وببساطة لأنه لا يوجد حيز كافٍ داخل الفيروس لأي شيء سوى ال"رنا".

وفي النهاية، يحدث تمزق في الخلية لتخرج الفيروسات الجديدة في حشد يقوم بإصابة الخلايا الأخرى ، وتبدأ الدورة من جديد.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى