البيولوجيا وعلوم الحياة

نبذة تعريفية عامة حول خلايا “الإيشريشيا كولاي”

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

خلايا الإيشريشيا كولاي البيولوجيا وعلوم الحياة

عندما نفكر في الخلايا، فإن البكتيريا تُعد حالةً عظيمةً يمكننا البدء بها.

فالبكتيريا كائنات صغيرة، ذات دهاء وذات كيان مستقل، ويمكنها النمو والتكاثر بسرعة عندما تتاح المصادر اللازمة لذلك بوفرة.

وفي نفس الوقت فإن لديها القدرة على استخدام طرق عالية الفاعلية لمقاومة أوقات الجفاف والتي تصبح فيها البيئة المحيطة غير مواتية.

 

ويعتقد بعض الباحثين أن البكتيريا هي أكثر الكائنات الحية نجاحاً على سطح الأرض.

فهي توجد تقريباً في أي مكان، بدايةً من البحيرات المتجمدة إلى ينابيع الماء الساخن حتى الغليان، ولديها القدرة على إيجاد طرق لاستغلال أي مصدر ممكن للحصول على الغذاء.

عندما ننظر إلى البكتيريا، فإن الإيشريشيا كولاي  (Escherichia coli)  هي أفضل اختيار يمكن لنا أن نستكشفه. حيث إن الإيشريشيا كولاي هي أكثر كائن خلوي تمت دراسته علمياً.

 

فمنذ اكتشافه في عام 1885 بواسطة تيودور إيشـرش (Theodor Escherich)  لا يزال الباحثون عاكفين على استخدام هذا الميكروب كمحور هام في دراسات الكيمياء الحيوية، وذلك لوفرته في الطبيعة بصفة عامة ، وسهولة إكثاره، وقد يرجع ذلك ايضاً وبشكل جزئي إلى الصدفة البحتة.

ولقد لعبت دراسة خلايا الإيشريشيا كولاي دوراً رئيسياً في ظهور العديد من الاكتشافات الأساسية والرائدة في الكيمياء الحيوية بما في ذلك اكتشاف الشفرة الوراثية، ودورة تحلل السكريّات (Glycolysis) ، وتنظيم بناء البروتين بالخلية.

ومن خلال استخدم بروتينات تم عزلها وتنقيتها من خلال الإيشريشيا كولاي مع استخدم سلالات تحتوي على طفرات في جزيئات البروتين، فإن العديد من العمليات الأساسية في الحياة أمكن دراستها في خلايا هذا الميكروب.

 

وحديثاً، أصبح العلماء يدرسون الخلايا بكاملها محاولين أن يتوصلوا إلى الطريقة التي تعمل بها أجزاؤها معاً.

ولقد كانت الإيشريشيا كولاي من أوائل الكائنات التي تم تحديد تتابعات القواعد النيوكلوتيدية بالـ "دنا" (DNA) الموجود بها، ولذلك فيمكننا الآن النظر على الجينوم الخاص بهذا الميكروب لكي نتعرف على جميع الخطط التي يحتاجها لصناعة ما يحتاجه من بروتينات.

 

وبالإضافة إلى ذلك فإنه تم إجراء العديد من التحليلات لبروتيوم (Proteome)  وإنتراكتوم (Interactome) الخلايا.

وهو الأمر الذي ساعد على إعطاء ثقل لمعرفتنا بالمجموعة الكاملة من البروتينات التي تقوم الخلية بصناعتها، وكذلك الطريقة التي تتفاعل بها هذه البروتينات، وتغير بها من صفاتها مع تغير الظروف البيئة المحيطة.

 

وعن طريق دمج هذه المعلومات مع ما نعرفه عن التركيب الذري للعديد من الجزئيات الحيوية بالإيشريشيا كولاي. 

فإننا نكون قريبين جداً من حصولنا على قائمة تشمل كافة الأجزاء وتوصيف كل جزء في خلية هذا الميكروب والتي تمت دراستها بعناية (أنظر الأشكال   1.4 ،  2.4 ،  3.4).

                   

شكل 1.4 داخل الخلية البكتيرية: عند النظر عن قرب إلى خلية الإيشريشيا كولاي ، فإننا سنلاحظ زحماً من النشاط المنظم، ويوضح هذا الشكل جزءً من خلية تم تكبيرها إلى الحد الذي يمكن معه رؤية الجزيئات المنفردة.

ولكن الذي يظهر هنا هو الجزيئات الحيوية الكبيرة فقط بما ذلك البروتينات والأحماض النووية، والسكريّات العديدة، والأغشية الدهنية.

تمتلىء الفراغات بين هذه الجزيئات بالماء، والسكريّات والنيوكليوتيدات، والأحماض الأمينية، والأيونات المعدنية، والعديد من الجزيئات الصغيرة الأخرى، وذلك كما هو مبين في شكل 3.4 (قوة التكبير: مليون مرة).

 

شكل 2.4 خلية الإيشريشيا كولاي: التصميم العام لبناء هذه الخلية بسيط في منظوره ولكنه معقد جداً في تفاصيله. حيث تحاط كل خلية بجدار خلوي مزدوج الطبقات مع تعبئة كل المكونات القابلة للذوبان في الماء بداخل الخلية.

وهناك الأسواط الطويلة ذات الشكل الحلزوني والتي يتم تحريكها بواسطة "محرك الأسواط" المغروس في الغشاء الخلوي، كذلك فإن شعيرات "الفمبري" (Fimbriae) تمتد عند كل الزوايا لكي تعمل مثل الخطاطيف المستخدمة في رسو السفن فتقوم بتثبيت الخلية عندما تجد مكاناً لتستريح فيه.

أما داخل الخلية فهو مقسم بصفة تقريبية إلى منطقتين – منطقة الذوبان والتي يوجد بها أغلب ما تحتويه الخلية من ريبوسومات وأنزيمات و"منطقة شبه النواة" (Nucleoid) وهي تمتلىء بشكل أساسي بجينوم الـ "دنا المتشابك.

المنطقة المحاطة بمربع في الصورة توجد مكبرة في الشكل السابق، كما أن هناك صورة للخلية بكاملة في شكل 1.1 (قوة التكبير: 10 آلاف مرة).

 

شكل 3.4 الماء والجزيئات الصغيرة: يوضح الشكل جزءً صغيراً من الخلية تم تكبيره، ويظهر به تزاحم الجزيئات الصغيرة فميا بين جزيئات البروتين والأحماض النووية الأكبر حجماً.

تظهر الأحماض الأمينية ، والسكريّات ، وجزيئات الأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)، والعديد من الجزيئات العضوية الصغيرة الأخرى باللون الوردي. 

أما الأيونات المعدنية  فتظهر باللون الأحمر الغامق، وأيونات الفوسفات باللون الأصفر والبرتقالي، وأيونات الكلوريد باللون الأخضر.

وتمتليء الفراغات المتبقية بجزيئات الماء باللون الفيروزي (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

الماء هو أكثر المكونات وفرةً في خلايا الإيشريشيا كولاي، حيث إنه يكوّن حوالي 70% من وزن الخلية الواحدة. ويتكون باقي الثلاثين في المائة من وزن الخلية من البروتينات, والأحماض النووية، والأيونات، وكافة الجزيئات الأخرى.

وقد يبدو لنا من هذا أن الخلية بها الكثير من الماء، إلا أنها في الواقع أكثر تركيزاً من أغلب السوائل المعروفة.

فعلى سبيل المثال، يتكون بياض البيض من خليط لزج يحتوي على ما يقرب من 90% ماءً  و10% بروتيناً- ولك أن تتخيل مدى لزوجة محلول أكثر تركيزاً من ذلك.

 

وتظهر جزيئات الخلية معبأةً بها بإحكام وفي أشكال وأحجام مختلفة. حيث يحمل جينوم الإيشريشيا كولاي شفرات لتصنيع أكثر من 4300 سلسلة بروتينية مختلفة بالإضافة إلى 191 جزيئا مختلفاً من الـ "رنا" (RNA).

 وتستطيع كل هذه الجزيئات أن تقوم بأداء 1250 تفاعلا إنزيميا و 225 مهمة لنقل المكونات من أو إلى الخلية.

 

وهناك ما يقرب من 1220 نوعاً من الجزيئات الصغيرة – مثل الأحماض الأمينية، والنيوكليوتيدات، والسكريّات، ومجموعة أخرى من الجزيئات – والتي يتم تدويرها فيما بين الفراغات الموجودة بين الجزيئات الأكبر حجماً.

وهذا يعني بوضوح أن هذه الخلية المتناهية الصغر مكان مشغول بالعمل.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى