التاريخ

منهج أبو بكر الرَّازي في مجال الطب

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

مجال الطب منهج أبو بكر الرَّازي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

للرَّازي في عمله الطبي منهجه الخاص، والذي نستطيع أن نحدد أهم ملامحه في السمات التالية:

 

1-اهتمامه بالدروس السريرية (الإكلينيكية): إذ هي الطريقة المثلى لفهم طلاب الطب النظريات الطبية على (الطبيعة) أي على المرضى أنفسهم، فتكون خبراتهم مباشرة ومعلِّمة. كما تعطى تلك الدروس المريض الفرصة لأن يرى طبيبه والفرصة للطبيب أن يواسي مريضه.

2-عنايته بتاريخ المريض: وتسجيله تطورات مرضه حتى يتمكن من فهم حالته تمهيدا لحسن العلاج. وقد أخذ عنه أطباء أوروبا عنايته تلك بمراحل تطور حالة المريض، مع الملاحظة المقصودة والتشخيص الدقيق في كل مرحلة من تلك المراحل.

3-متابعته حالة المريض: حتى بعد بُرئه تَحسُّباً من حدوث مضاعفاتٍ له أو انتكاسات.

4-إشراك تلاميذه من طلاب الطب في استشاراته الطبية: فكان يجلس في بهوٍ كبيرٍ وهم حوله قاعدون، المبتدئون منهم في الدائرة الخارجية، وذوو الخبرة في الدائرة القريبة منه، فإذا ما حضر مريض عرض حالته أولاً على المبتدئين، فإن شق عليهم إدراك كُنهها وتعذر انتقل إلى الدائرة الداخلية، فإذا استعصى الأمر عليهم تولى هو بنفسه فحص المريض ومعالجته.

 

5-لجوؤه إلى التجربة العلمية:

أ- والقصة المتواترة عنه في هذا الصدد مؤداها: أن عضد الدولة استشاره في موقع بناء (البيمارستان العضدي) في بغداد، فلم يقرر الرَّازي رأيا إلا بعد أن لجأ إلى التجربة: علَّق قطعاً من اللحم في أماكن متفرقة من المدينة وتركه مدة، وبعد فحصه اقترح على الخليفة اختيار المكان الذي كان فيه اللحم أقل تعفُّناً، مما يدل على أنه أجف هواء.

وقد اختار الخليفة عشرة أطباء للعمل بالمستشفى من بين قائمة تحوي مائة طبيب فكان الرَّازي منهم، ثم اختير مديراً للمستشفى مما يدل على مكانته بين أطباء عصره.

ب- قيامه بنفسه بكثيرٍ من التجارب على الحيوان: كالقردة

والفئران والأرانب، يعطيها الدواء ويلاحظ مدى تأثيره فيها، فإن نجح طبق التجربة على الإنسان، فإن نجح قرر الدواء وعمَّمه على البشر. وهو ما يفعله علماء الطب والصيدلة الآن من تجريبهم للدواء على الحيوان قبل إقرار صلاحيته على بني الانسان.

ج) ابتكاره التجربة الضابطة: إذ كان يجرب العلاج على نصف المرضى، تاركا النصف الآخر –عامداً كما يقول- دون علاج، ليرى أثر العلاج على من يتناولونه ويقارنهم بمن لم يتناولوه.

 

6-ممارسته التشريح: يدل على ذلك قوله (سقط رجل عن دابته، فذهب حس الخنصر والبنصر ونصف الوسطى من يديه. فلما علمت أنه سقط على آخر فقار في الرقبة، عرفت أن مخرج العصب الذي بعده الفقارة السابعة أصابها في أول مخرجها، لأني كنت أعلم من التشريح أن الجزء الأسفل من أجزاء العصبة الأخيرة النابت من العنق، يصير إلى الأصبعين الخنصر والبنصر، ويتفرق في الجلد المحيط بهما وفي النصف من جلد الوسطى). ولا شك أن ممارسته التشريح لما ساعدته على الفهم الكامل لدينامية المرض.

 

7-اهتمامه بالنواحي النفسية للمريض: فقد أدرك تماما العلاقة القوية والمتبادلة بين طب النفس وطب البدن. يقول: (ينبغي على الطبيب أن يوهم مريضه بالصحة أو يُرجِّيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس).

8-مواظبته على النظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها والجديد فيها.

9-دستوره في العلاج الذي تميز به: ويتلخَّص فيما يلي:

 

• بالنسبة لعلماء الطب وجهابذته:

أ) متى اجتمع جالينوس وأرسطو على معنى فذلكم الصواب بعينه، أما اذا اختلفا صعب على العقول إدراك الصواب.

• بالنسبة للأطباء:

أ)ينبغي أن تكون حالة الطبيب معتدلة، لا مقبلاً على الدنيا كلية ولا معرضا عن الآخرة البتة، وإنما يكون بين الرغبة والرهبة.

ب) متى اقتصر الطبيب على التجريب من غير القياس، خذل.

ج) الحقيقة في الطب غاية لا تُدرك، والعلاج بما تنصه الكتب من غير إعمال الطبيب عقله، خطر.

د) الأطباء: الأميون، والمقلدون، والأحداث الذين لا تجربة لهم، ومن قلت عنايتهم وكثرت شهوتهم، قتَّالون.

هـ) إن استطاع الطبيب أن يعالج بالأغذية دون الأدوية، وافقته السعادة ومريضه.

و) العمر قصير عن الوقوف على فعل كل نباتات الأرض، فعليك بالأشهر مما أُجمعَ عليه، ودع الشاذ واقتصر على ما جُرِّب.

ز) على الطبيب ألا يدع مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن تتولَّد عنه علته من داخل ومن خارج، ثم يقضي بالأقوى.

ح) إذا كان الطبيب عالماً والمريض مطيعاً، فما أسرع زوال العلة.

بالنسبة للمرضى:

أ) للمريض أن يقتصر على طبيب واحدٍ ممن يوثق به من الأطباء. فالمريض الذي يتطبَّب عند كثيرهم يوشك أن يقع في خطأ كلٍ منهم.

ب) إذا قدرت أن تعالج بدواء مفرد، فلا تعالج بدواءٍ مركَّب.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى