البيولوجيا وعلوم الحياة

مكتشفات جديدة حول النواة المخصبة والانقسام الخلوي والصبغي ومكونات الخلية

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

أصبح السؤال الجديد كيف يعمل الإخصاب. ما الذي يحدث عند اجتماع نواتي الخليتين معاً ويجعل التطوّر والتمايز ممكناً؟

في تسعينات القرن التاسع عشر، لم يكن تيودور بوفري (Theodor Boveri) يعرف الإجابة لكنه يتوق إلى معرفتها. فأخذ عدداً من بيوض وأجنّة قنفذ البحر بعد حدوث عدة انقسامات خلوية وقسّمها إلى أجزاء. كان هدفه أن يسأل "ماذا يحدث لو…" ثم يختبر عدداً من أسئلة "إذا" المختلفة. ما الذي يحدث بحيث تستمرّ بعض الأجزاء في الانقسام والتمايز، في حين تستكين الأجزاء الأخرى وتموت؟ ماذا يمكن أن يتعلّم من الاختلافات بين تلك التي ازدهرت وتلك التي لم تزدهر؟ هل هناك مطلب أدنى منتظم ويمكن التنبّؤ به للمحافظة على الحياة، وإذا كان كذلك ما هو؟

اكتشف بوفري، وهو اختصاصي بارز في السيتولوجيا، أن الأجزاء الوحيدة التي تتطوّر بالنماء والتمايز هي تلك التي لديها مجموعة كاملة من الصبغيات في النواة. وأثبت ذلك مرة تلو الأخرى. وهكذا لم يتضح الآن فقط أن الأمهات يحملن البيوض، وأن هذه البيوض خلايا، وأنها تنتقل إلى التولّد التالي، ثم تخصّب لتطلق التمايز وتشكّل الجنين، وإنما اتضح أيضاً أن لخلية البيضة المخصبّة نواة مكوّنة من نواتي الوالدين اللتين تجتمعان معاً في أثناء الإخصاب.

كما يجب أن تحتوي تلك النواة الهجينة على مجموعة الصبغيات الكاملة. وأظهر بوفري أن المادة في النواة منظمة في صبغيات متميّزة وأن كل صبغي يحتفظ بصفاته الفردية المميّزة في أثناء انقسامات الخلية. لم يكن ذلك واضحاً على الإطلاق إلا عندما اعتمد على دراساته ودراسات الآخرين المتراكمة ذات الأدلة القاطعة. يمكن تلوين بعض المادة في النواة – وبخاصة في الصبغيات – ولهذا السبب أسميت "كروماتين" (Chromatin). وبإظهار أن الكروماتين منظّم في أجسام متميّزة، أو صبغيات، سرعان ما ساعد بوفري في تحديد المركز المفترض للوراثة في تلك الصبغيات.

 

توافق عمل بوفري جيداً مع دراسات الصبغيات نفسها في سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر. واجتمع فول وهيرتويغ ووالتر فلمنغ (Walther Flemming) ، وكادر متنام من اختصاصيي السيتولوجيا الآخرين، لاستكشاف حدود المعرفة هذه في عمق وحدة الحياة الخلوية الأساسية. بعد التوصّل إلى الطرق التي تنقسم فيها الصبغيات خلال الانقسام الخلوي العادي، اكتشفوا أن العملية تكون مختلفة تماماً عندما تنقسم الخلايا المُنتشة. أي عندما تنقسم خلية بيضة أو خلية نطفية (Sperm Cell)، تمرّ نواتها وصبغياتها على وجه الخصوص عبر حركة مختلفة جداً عما يحدث في انقسام خلايا الجسم.

السؤال الواضح ثانية هو لماذا؟ كما هو الحال اليوم، كان من المعقول في ذلك الوقت البدء بافتراض وجوب وجود سبب إذا كان هناك شيء معقّد بطريقة منتظمة ويمكن توقّعها. ويجب أن يكون ذلك السبب، ضمن العلوم على الأقل، مادياً وطبيعياً وليس غامضاً وخارقاً للطبيعة.

في خلايا الجسم العادية (الخلايا الجسدية)، تتضاعف الصبغيات ثم تنفصل بحيث تنتهي كل من الخليتين الابنتين إلى العدد نفسه والمجموعة المتممة نفسها من الصبغيات.

هذا الانقسام هو الانقسام الفتيلي (Mitosis)، وينتج عن الانقسام تناقص المادة المكتنفة. تنتهي كل خلية إنجابية (Reproductive Cell) إلى نصف عدد صبغيات الخلايا الجسدية (Somatic cell) – ليس نصف عدد أنواع الصبغيات، ولكن نصف العدد العادي للصبغيات.

ويعمل ذلك على نحو أكمل عندما تجتمع البيضة مع نطفة لديها أيضاً نصف مجموعة، فيصبح لدى الخلية المخصّبة مجموعة كاملة من الصبغيات. ويقدّم هذا التفسير الجميل للوراثة، إلى جانب التطوّر، رواية مادية وطبيعية وسببية للتطوّر، ولكن ليست حيوية أو غائية.

 

بحلول تسعينات القرن التاسع عشر، حان وقت ملخّصات الكتب الدراسية لبيولوجيا الخلايا. فقد نشر هيرتويغ في ألمانيا وإدموند بيتشر ويلسون (Edmund Beecher Wilson) في الولايات المتحدة إصدارات قوية تظل مدهشة حتى اليوم في أوصافها وتفسيراتها المفصّلة والدقيقة للعمليات المعقّدة للخلايا. وبقدر ما كانت الخلايا الوحدات الأساسية للعضويات الحيّة، بنيوياً ووظيفياً، فقد كانت السيتولوجيا نقطة الانطلاق للبيولوجيا بأكملها. ولم تكن البيولوجيا التطوّرية استثناء.

في سنة 1895، فيما كان ويلسون يؤلف الإصدار الأول لكتابه المدرسي، "الخلية في التطوّر والوراثة" (The Cell in Development and Inheritance) ، نشر كتابه الرائع "أطلس الإخصاب والحرائك النووية للبيضة" (Atlas of the Fertilization and Karyokinesis of the Ovum).

ضمّ هذا العمل عشر لوحات توضح تفاصيل السيتوبلازما (Cytoplasm) والخلية وتظهر بالضبط ما يفعله كل صبغي في عشر مراحل منتقاة من الانقسام الخلوي. عرض ويلسون تقنية علمية رائعة. غير أن ما يثير الإعجاب على نحو خاص أنه شعر بأهمية نشر هذه اللوحات بمثابة صور فوتوغرافية في مشروع لا بدّ أنه كلّف كثيراً.

تعاون ويلسون مع زميل مصوّر في جامعة كولومبيا، إدوارد ليمنغ (Edward Leaming) ، وبيّن بدقّة خطوات الانقسام الخلوي والصبغي التي تبدأ عملية تشطّر الخلية. هنا توجد صورة واقعية للنظرية الجديدة للوراثة والتطوّر. وبحلول السنة التالية، لم يعد يشعر بالحاجة إلى نشر صور فوتوغرافية مكلفة وبدلاً من ذلك أدخل رسوماً وصوراً بيانية في الطبعة الثانية.

في الوقت نفسه تقريباً، في سنة 1900، كما هو موثّق جيداً، أعاد اختصاصيو البيولوجيا اكتشاف عمل غريغور مندل (Gregor Mendel) الذي نُشر في الأصل قبل عقود، في ستينات القرن التاسع عشر. شدّدت الوراثة المندلية، كما فُسّرت في سياق سنة 1900، على الوحدات الموروثة التي توجّه التطوّر.

كانت هذه الوحدات الصلة المادية عبر الأجيال التي تجعل الذرية شبيهة بآبائها. بيد أن إعادة جمع الوحدات الوراثية عبر التكاثر الجنسي يقدّم فرصاً للتنوّع أيضاً. وهكذا نرى توازناً للمحافظة عبر الوراثة والتجدّد عبر التطوّر.

وبحلول سنة 1910، جمعت النظرية المندلية الصبغية للوراثة هذين النمطين من التفكير معاً، كما سنبحث في الفصل التالي. وأخيراً بدا هنا أن هناك أساساً صلباً للقيام بتحريات حديثة عن مزيد من موادّ الحياة وطبيعة الحياة نفسها.

مع ذلك، عندما تأمّل ويلسون في أفكاره المبكّرة في محاضرة ألقاها في سنة 1922 تكريماً لصديقه ومعاونه في بعض الأحيان وليام تومبسون سيدغويك (William Thompson Sedgwick) ، ذكر أن "الأدلة من جميع المصادر تبيّن أن الخلية كائن معقّد، وكون مصغّر، ونظام حي". لكن معرفة ذلك لا تقودنا بعيداً في فهم الحياة.

 

إننا ننظر في الخلية ونرى البنية المعقّدة للنواة والبروتوبلازما (أو السيتوبلازما) التي تحيط بها. وهذه ليست مادة متجانسة وغير متمايزة، لكنها خلية مادية شديدة التنظيم وموروثة تحتوي على جسيمات غولجي (Golgi Bodies)، وصانعات (Plastids)، وحُبيبات، ولُييفات (Fibrils)، وكثير من المكوّنات الأخرى. "تبدو بعض هذه الأجسام المشكّلة دائمة، والأخرى تشكيلات عابرة تأتي وتذهب في العمليات السريعة لحياة الخلية. أي منها حية؟ وأي منها، إن وجد، تشكّل الأساس المادي للحياة؟ وبعبارة أخرى، ما هي البروتوبلازما"؟

اعترف ويلسون بسرور أن "هذه أسئلة محرجة، إذ والحقّ يقال إنه كلما درسنا السؤال بمزيد من التروّي، اتضح لنا أكثر أننا لا نستطيع أن نفرد أي مكوّن معيّن من مكوّنات الخلية باعتباره المادّة الحية، من غير منازع".

ومضى ليظهر أن الخلايا، بدءاً بخلية البيضة الموروثة الوحيدة، هي التي تحمل الحياة. وعندما تنقسم خلية واحدة إلى كثير من الخلايا، يصبح التفاعل بين الخلايا نظاماً حياً طبيعياً ومادياً. وتحوّل التفاعلات الخاصة والعمليات الديناميكية الجسيمات غير العضوية جوهرياً إلى الكائن الحي. وهكذا يشكّل تنظيمُ الكلِّ الحياةَ بطريقة ما.

 

إذاً كيف تعمل الوحدات الموروثة في النواة مع السيتوبلازما لإنشاء حياة فردية؟ قال آخرون متلهّفون للتوصّل إلى جواب، إنه "فعل الكائن الحي بأكمله"؛ وإنه "خاصية النظام بحدّ ذاته"؛ وإنه "التنظيم". مع ذلك أكّد ويلسون بقوّة أن هذه الكلمات لا تعني شيئاً. بل إن "معناها في الحديث العادي للحياة اليومية أننا لا نعلم".

لكن بعيداً عن المعنى بأننا لا نستطيع اكتشاف الأجوبة أو أن علينا الابتعاد عن الأساس المادي للحياة، أصرّ ويلسون على أن لأننا لا نعلم لا يعني أننا لا نستطيع أن نعلم، أو أن "لا نعلم لا يعني أن علينا أن نقول أيضاً إننا لن نعلم". إن عدم تمكّننا الآن من تفسير كيف يعمل التطوّر بعبارات طبيعية ومادية لا يعني أن ذلك مستحيل، أو أن علينا اللجوء إلى الإغراءات غير العلمية، إلى مذهب حيوي خارق للطبيعة أو ماورائي.

 بدلاً من ذلك، "ربما يجب ألا نتجاوز تسجيل النظام القائم للظواهر في النظم الحية وتحليله، من دون أن تؤرّقنا المشكلة الوهمية للمبدأ التوحيدي". "ومن جانبي، أجد أن من المسلّي التطلّع إلى الأمام نحو يوم يتخلّى فيه اللغز العظيم عن سرّه". وسنلتفت الآن إلى ذلك التسجيل والتحليل والتطلّع إلى الأمام.

 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى