الحيوانات والطيور والحشرات

مظاهر الحياة التي كانت سائدة في العصر الجاهلي عند العرب

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العصر الجاهلي الحيوانات والطيور والحشرات البيولوجيا وعلوم الحياة

الحَديثُ عَنْ «العَصْرِ الجاهِلِيِّ» للعَرَبِ يَدْفَعُنَا إلَى ذِكْرِ حَالِ المُجْتَمَعِ في ذَلِكَ الحينِ، حَيْثُ كانَتْ القَبيلةُ في الجاهِلِيَّةِ جماعاتٍ من الأَعْرابِ البُدائِيِّينَ، يَسْكنونَ الخِيامَ في الصَّحراء.

وكانَتْ بَعْضُ هذه القبائِلِ تَسْكُن في المُدُنِ والقُرَى. ومِنْ تِلْكَ القبائِلِ قبيلةُ قُرَيْشٍ، وثقيفٍ، وتَغْلِبَ، وبَكْرٍ، والأَوْسِ والخَزْرَجِ، وغيرِها من القبائِلِ الّتي كانَتْ تَسْكُنُ شِبْهَ الجزيرَةِ العَرَبِيَّةِ.

ولَمْ يَكُنْ عَرَبُ الجاهِلِيَّةِ مُجْتَمَعًا واحِدًا. بلْ كانوا طبقاتٍ اجْتِماعِيَّةً مُخْتَلِفَةً. وظهَرَتْ الفُروقُ الاجْتِماعِيَّةُ بَيْنَ تِلْكَ الطَّبقاتِ، فمثلاً كانَ عَرَبُ اليَمَنِ يَحْيَوْنَ حياةً اجْتماعِيَّةً مُتْرَفَةً، أمَّا عَرَبُ الصَّحْراءِ فكانوا يسكنونَ الخيامَ، وكانوا يَكْسِبونَ رِزْقَهُم مِنْ رَعْي الأَغْنامِ، ويَبْحَثون عن العُشْبِ في أنحاءِ الصّحراءِ والسُّهولِ الواسِعَةِ.

 

أمَّا العَرَبُ الّذين كانوا يَسْكنونَ في المناطِقِ القريبَةِ من البَحْرِ فَقَدْ قامَتْ حياتُهم علَى الزِّراعَةِ والتِّجارَةِ، حيثُ كانوا يبيعون ويشترُون في مواسِمِ التِّجارَةِ وأَسْواقِها.

كانَ عَرَبُ الجاهِلِيَّةِ يَنْقَسِمونَ قِسْمَيْن: الملوكِ، وغَيْرِ الملوكِ. كذلِكَ كانَ غيرُ الملوكِ يَنْقسمونَ قِسْمَيْن: أهْلِ المُدُنِ، وأَهْلِ البادِيَةِ.

أمَّا أَهْلُ المُدُنِ فَهُم سُكَّانُ الحواضِرِ والقُرَى، ويَعْتَمدونَ علَى الزِّراعَةِ والتِّجارَةِ. أمَّا أَهْلُ البادِيَةِ فيَعْتَمدونَ علَى كَسْبِ عَيْشِهم مِنْ رَعْي الإبِلِ والأَغْنامِ، يَبْحَثونَ عن العُشْبِ في أَرْجاءِ الصّحراءِ الواسِعَةِ، ويَتْبَعونَ مواقِعَ المَطَرِ والخِصْبِ. ولِذَلِكَ نَجِدُهم لا يَسْتقِرُّونَ في مكانٍ واحِدٍ، وإنَّما يَتَّجِهونَ إلَى طَلَبِ العُشْبِ والمَطَرِ فَهُم في تَرْحالٍ دائِمٍ.

 

وحضارَةُ العَرَبِ في العَصْرِ الجاهِلِيِّ الأَوَّلِ تَظْهَرُ من خِلالِ النُّقوشِ والآثارِ الّتي اكْتُشِفَتْ في بَعْضِ بلادِ العَرَبِ كاليَمَنِ حَيْثُ قامَتْ دُوَلُ مَعين وسَبَأ وحِمْيَر.

وبالتَّالِي فالعَرَبُ المسلمونَ الّذين انْطَلقوا من الجَزيرَةِ العَرَبِيَّةِ وفَتَحوا العالَمَ وأَسَّسُوا المَمَالِكَ كانوا من نَسْلِ أولَئِكَ الّذين كانَ لَهُم في العَصْرِ الجاهِلِيِّ الأَوَّلِ حضارَةٌ مُزْدَهِرَةٌ مُتَحَضِّرَةٌ، حَيْثُ كانَ للعَرَبِ مُنْذُ القِدَمِ عَلاقَةٌ بِغَيْرِهِمْ من الأُمَمِ المُجاوِرَةِ مثلِ المِصْرِيِّين، والأَحْباشِ، والهنودِ، والفُرْسِ، واليونانِ، والرُّومانِ.

ومِنَ الأمورِ المُهِمَّةِ الّتي ظَهَرَتْ في هذا العَصْرِ انْتِشارُ الكِتابَةِ بَيْنَ العَرَبِ. فقَدْ كانَ العَرَبُ يكتبونَ في الجاهِلِيَّةِ. والخَطُّ الّذي كَتَبوا بِهِ هُوَ نَفْسُ الخَطِّ الّذي عَرَفَه المُسْلِمونَ.

 

وكانَتْ مَعْرِفَةُ عَرَبِ الجاهِلِيَّةِ بالكِتابَةِ مَعْرِفَةً قديمةً، حَيْثُ كانوا يَعرفونَ الكِتابَةَ منذُ قُرونٍ قَبْلَ الإسْلامِ.

وكانَتْ الكِتابَةُ في العَصْرِ الجاهِلِيِّ تُعَلَّم في الكُتَّابِ، حَيْثُ تُوجَدُ مجالسُ لِلْعُلماءِ تُدَرَّسُ فيها الأَخْبارُ والأَشْعارُ والأَنْسابُ. وكانَ هناكَ أَيضًا من يُعَلِّم الأَخْبارَ وقِصَصَ التَّاريخِ.

واشْتَهَرَتْ الطَّائِفُ وقبيلَةُ ثقيفٍ بالكِتابَةِ وإتْقانِها منذُ الجاهِلِيَّةِ، وهذا قَدْ دَعَا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ لأَنْ يَجْعَلَ كَتَبَةَ المُصْحَفِ مِنْ قريشٍ وثقيفٍ.

 

ولِشيُوعِ الكتابَةِ في العَصْـرِ الجاهِلِيِّ، ظَهَرَ كاتبونَ كثيرونَ تَخَصَّص كلُّ واحِدٍ مِنْهم في نَوْعٍ من الكِتابَةِ. وكانَتْ الكتابَةُ شرطًا لابُدَّ مِنْه للعَرَبِيِّ ليكونَ ذا مكانَةٍ في قَوْمِهِ.

ومِنْ هنا نَجِدُ أنَّ بَعْضَ من اشْتَهَروا بالكِتَابَةِ، ويُسَمَّوْنَ الكُتَّابَ، كانوا يَكْتُبونَ بَيْنَ يَدَيْ الرَّسولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في أمورِ الدّينِ بَعْدَ ظُهورِ الإسْلامِ، وآخرونَ يَكتبونَ بَيْنَ النَّاسِ المُدايَنَاتِ والعُقودِ والمُعاملاتِ، وآخرون يكتبونَ أَمْوالَ الصَّدَقاتِ.

وهناكَ مَنْ تَخَصَّص في كِتابَة رَسائِلِ الرَّسولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، إلَى المُلوكِ. وظَهَرَ أيضًا كُتَّابُ الوَحْيِ، بلْ إنَّ بَعْضَهم تَعَلَّم الكِتابَةَ باللُّغاتِ الأُخْرَى كالفارِسِيَّةِ.

 

وكانَتْ موضوعاتُ الكتابَةِ في العَصْرِ الجاهِلِيِّ مُتَنَوِّعَةً، حَيْثُ كانَ الكُتَّابُ يكتبونَ في شُؤون حياتِهِمْ إلَى جانِبِ موضوعاتٍ أُخْرَى مُتَعَدِّدَةٍ.

فَظَهَرَتْ الكُتُبُ الدّينِيَّةُ، والكُتُبُ الخاصَّةُ بالعُهودِ والمواثيقِ، والكُتُبُ الّتي يُسَجِّلونَ فيها حِسابَ تجارَتِهِمْ وحُقوقَهُم، وكُتُبُ الرَّسائِلِ بينَ الأَفْرادِ، والّتي كَثُرَتْ وانْتَشَرَتْ.

كذلِكَ تَنَوَّعَتْ أغراضُ الشِّعْرِ وفنونُهُ في العَصْرِ الجاهِلِيِّ، حيثُ تناوَلَ الغَزَلَ والمَدْحَ والفَخْرَ والهِجاءَ والرّثاءَ والوَصْفَ والحَماسَةَ والاعْتِذارَ.

 

ومن النَّماذِجِ للشِّعْرِ الجاهِلِيِّ قَوْلُ عَمْرو بنِ كُلْثوم يَفْتَخِرُ بِأَيَّام قَوْمِه وغاراتِهِم المَشْهورةِ:

أَبَا هِنْدٍ فلا تَعْجَلْ عَلَيْنَا

                                    وَأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقينا

بأنَّا نُورِد الرَّايَاتِ بِيضًا 

                                   وَنُصْدِرُهُنْ حُمْرًا قَدْ رَوينا

وأيامٍ لنا غُرٍّ طِوالٍ      

                                   عَصَيْنا المَلْكَ فيها أنْ نَدينا

 

ومِنْ هِجاءِ الحُطَيْئَةِ قَوْلُه:

دعِ المكارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها

                                                      واقْعُدْ فإنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الكاسِي

 

وقالَ امْرؤ القَيْس يَصِفُ الفَرَس:

وقَدْ أغْتَدِي والطّيرُ في وُكُناتِها            

                                                   بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوابدِ هيكلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبلٍ مُدْبِرٍ معًا       

                                                 كجُلمودِ صَخْرِ حطَّهُ السَّيلُ من علِ

[وُكُناتُ الطيور: عِشاشُها؛ مُنْجَرِدٍ: ماضٍ في سيرِهِ؛ قيدُ الأوابِدِ: يتبعُ الوحوشَ؛ هيكل: فرس كبير الحجم].

 

كذلِكَ ظَهَرَ من ألوانِ الشِّعْرِ الجاهِلِيِّ ما يُسَمَّى بِشِعْرِ الحِكَمِ والأَخْلاقِ، حيثُ يَتَحَدَّثُ عن الشّجاعَةِ والحِلْمِ والكَرَمِ والدِّفاعِ عن القَبيلَةِ. وفي حُسْنِ الخُلُق يقولُ حاتمٌ الطّائِيُّ:

تحلَّمْ عن الأَدْنَيْنَ واسْتَبقْ وُدَّهُمْ        

                                                 ونَفْسَكَ أَكْرِمْها فإنَّكَ إنْ تَهُنْ

ولَنْ تَستَطيعَ الحِلْمَ حتَّى تَحلَّماعَلَيْكَ

                                                فَلَنْ تَلْقَى لها الدَّهْرَ مُكْرِمَا

 

وكانَ العَرَبُ في جاهِلِيَّتِهِمْ لا يَرْضَوْنَ بالذُّلِّ والهَوانِ، واعْتادُوا علَى المُخاطَرَةِ والقِتالِ، فصارَتْ الحَرْبُ عِنْدَهُم تَشْتَعِلُ لأَدْنَى وأَبْسَطِ سَبَبٍ، وأَقَلِّ حادِثٍ، وقَدْ تَظَلُّ مُلْتَهِبَةً بَيْنَ القبائِلِ أَعْوامًا طويلَةً لا تَهْدَأُ نَارُها.

ولِذَلِكَ كانَ لِلْعَرَبِ كثيرٌ من الوقائِعِ العظيمَةِ، والّتي تَحَدَّث عنها الشُّعَراءُ في أَشْعارِهِمْ. وسُمِّيَتْ هذه الوقائِعُ بأيَّامِ العَرَبِ، وهي يُنْبوعٌ من ينابيعِ الأَدَبِ، لما اشْتَمَلَتْ عليه من روائِعِ القَصَصِ، ومَأثورِ الحِكَمِ، وبليغِ الخُطَبِ والشِّعْرِ. وكانَتْ تَعْكِسُ الصّورَةَ الحقيقيَّةَ لعاداتِ العَرَبِ وتقاليدِهِم، وتُصَوِّرُ بأسْلوبٍ صادِقٍ حياتَهُمْ.

ومن هذه «الأَيَّام» يَوْمُ ذي قار الّذي كانَ بَيْنَ العَرَبِ والفُرْسِ، وهو أَوَّلُ يومٍ يَنْتَصِـرُ فيهِ العَرَبُ علَى الفُرْس، وحَرْبُ داحِسَ والغَبْراءِ الّتي دامَتْ أربعينَ سَنَةً بَيْنَ قَبيلَتَيْ عَبْسٍ وذَبْيانَ (وداحِسُ: خيلٌ لعَبْس؛ والغَبْراءُ: مُهْرَة لذُبيانَ)، وكذلِكَ حَرْبُ البَسوسِ بَيْنَ بَكْرٍ وتَغْلِبَ الّتي دامَتْ أربعينَ سَنَةً.

 

ولِذَلِكَ ارْتَبَط الشِّعْرُ الجاهِلِيُّ بهذه الأيّامِ ارْتباطًا وثيقًا حَيْثُ كانَتْ أَكْثَرُ القَصائِدِ في هذا العَصْرِ تَتَّصِلُ وتَتَحَدَّثُ عن الفَخْرِ والحَماسَةِ والرِّثاءِ والهجاءِ، حيثُ نَظَمَها الشُّعَراءُ فَخْرًا بمآثِرِ القَبيلَةِ ودِفاعًا عن أَحْسابِها، أو هجاءً لِخُصومِهِمْ، أو حماسًا لأَبْناءِ القَبيلَةِ ليَهُبُّوا للدِّفاعِ عن كِيانَ القبيلَةِ وشَرَفِها، أو رِثاءً للقَتْلَى من أبناءِ القبيلَةِ في ميادينِ القِتالِ.

كذَلِكَ اشْتَهَرَ الشُّعراءُ في هذا العَصْـرِ بوصْفِ المعارِكِ والدَّعْوَةِ إلَى السّلامِ وتَصْويرِ فظائِعِ الحَرْبِ، أو الدَّعْوَةِ إلَى الانْتِقامِ وطَلَبِ الأَخْذِ بالثَّأْرِ. كما امتازَ الشِّعْر الجاهِلِيُّ بوصفِ الخُيولِ والرِّماحِ والسُّيوفِ.

ولكنْ كما اشْتَهَر في العَصْرِ الجاهِلِيِّ الشِّعْرُ ظَهَرَ النَّثْرُ أيْضًا. والنَّثْرُ يَخْتَلِفُ عن الشِّعْرِ، فهُوَ كلامٌ لا تُعَقِّدُه قُيودُ الوَزْنِ والقَافِيَةِ، بلْ هُوَ ألفاظٌ عَذْبَةٌ تُعَبِّرُ عن أَجْمَلِ المَعانِي، وأَسْمَى الأَفْكار بِلُغَةٍ مُهَذَّبَةٍ مُنَقَّحَةٍ، تَظْهَر فيها آثارُ الفَنِّ ومَلامِحُ المَوْهِبَةِ.

 

فالنَّثْرُ الأَدَبِيُّ الّذي ظَهَرَ في هذا العَصْـرِ لَيْسَ كلامًا عادِيًّا، ولا يَعْنِي لُغَةَ التَّخاطُبِ الّتي يَتَحَدَّثُ بها النّاسُ، وإنَّما هو نَوْعٌ له خَصائِصُ ومُمَيزاتٌ.

فَقَدْ يَأتي كلامًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَزْنٍ وقافِيَةٍ؛ وأحيانًا تكونُ الكَلِمَةُ الأَخيرَةُ من الجُمْلَةِ فيه مُتَّفِقَةً في الوَزْنِ ولا تَتَّفِقُ في القافِيَةِ.

وأَنْواعُ النَّثْرِ الّتي ظَهَرَتْ في العَصْـرِ الجاهِلِيِّ تَتَمَثَّلُ في الحِكَمِ والأَمْثالِ والخُطَبِ والوصايَا والمُحاوراتِ. ونذكرُ من تِلْكَ الأَنواعِ ما يُسَمَّى بالوَصايا، وهي جَمْعُ «وصِيَّة»، وهي لونٌ من أَلْوانِ الخَطابَةِ يَقْتَصِرُ علَى الأَهْلِ والأَقارِبِ والأَصْدِقاءِ.

 

وقَدْ اشْتَهَرَتْ الوَصايا في العَصْـرِ الجاهِلِيِّ، وامْتازَتْ بِجَمالِها وتَنَاسُبِ جُمَلِها وأَساليبِها، وما فيها مِنْ حِكْمَةٍ وصِدْقٍ تَعْبيرٍ.

ومن المشهورينَ بالوَصايا ذو الإصْبَعِ العَدْوانِيِّ، ومِنْ وَصيَّتِه لابْنِه:

«أَلِنْ جانِبَك لِقَومِكَ يُحِبّوك، وتواضعْ لَهُم يَرْفَعُوكَ. وابْسِطْ لَهُم وَجْهَك يُطيعوكَ، لا تَسْتَأْثِرْ عَلَيْهم بشيءٍ يُسَوِّدُوكَ. وأَكْرِمْ صِغَارَهُم كما تُكْرِمُ كِبارَهم يُكْرِمْك كبارُهُم، ويَكْبُرْ علَى مَوَدَّتِك صِغارُهُم».

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى