علم الفلك

مسافات النجوم وتحركاتها

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

مسافات النجوم وتحركاتها

من السهل جدا أن تلتقط صورة جيدة لنجم ما، فكل ما عليك فعله هو استخدام آلة تصوير تستطيع أن تمنحك خاصية تحديد وقت التعرض. باستخدام فيلم سريع (انظر ص274-277 للإرشادات حول استخدام كاميرا رقمية للتصوير الفلكي)، افتح مصراع الكاميرا ووجهها نحو السماء في ليلة مظلمة صافية. انتظر لمدة نصف ساعة تقريبا- ليس من المهم أن تكون المدة مضبوطة تماما- ثم قم بإنهاء التعرض. ستجد أن الصورة التي حصلت عليها تُظهر المسارات التي خلفتها النجوم وهي تزحف عبر مجال الرؤية بفضل دوران الكرة الأرضية، ولو حالفك الحظ ستجد أيضا أنك قد التقطت شهابا أو قمرا صناعيا. وربما تأتي أفضل النتائج عند تصويب الكاميرا باتجاه القطب السماوي.

أول مرة تم قياس المسافة التي يبعدها نجم ما بنجاح كانت في عام 1838 وقام بقياسها الفلكي الألماني فريدريك بيسيل (Friedrich Bessel)، واستخدم لهذا طريقة اختلاف المنظر التي تستند إلى نفس المبدأ الذي يستخدمه الفاحصون الذين يريدون قياس مسافة جسم لا يمكن الوصول إليه مثل قمة الجبل، حيث يتم قياس خط أساس بالإضافة إلى رصد اتجاه النقطة المقصودة من الناحيتين المتقابلتين. بهذه الطريقة، يمكنهم قياس الزاوية عند الهدف، ونصف هذه الزاوية هو ما يسمى اختلاف المنظر. وهكذا، فهم يعرفون طول خط الأساس، وبالقيام ببضع عمليات بسيطة باستخدام حساب المثلثات يمكنهم معرفة المسافة إلى الهدف، وهذا هو ما يريدون التوصل إليه.

أما بالنسبة للنجوم، يجب أن يكون خط الأساس أطول كثيرا ولهذا اختار بيسيل قطر مدار الأرض ليكون خط الأساس. في الرسم المبين يسارا، تمثل A موقع الأرض في شهر يناير و B تمثل موقع الأرض في شهر يوليو بعدما تكون قد تحركت إلى الناحية الأخرى من مدارها، وبما أن مسافة الأرض من الشمس (S) هي 150 مليون كيلومتر (93 مليون ميل) فإن المسافة ما بين A-B تكون ضعف ذلك، أو 300 مليون كيلومتر )186 مليون ميل(. تمثل X النجم المقصود 61 الدجاجة، والذي قام بيسيل بقياسه لأنه اعتقد لأسباب معينة أنه قريب نسبيا. وقام بحساباته وتوصل إلى أن اختلاف المنظر يساوي 0.29 ثانية من القوس مما يعادل مسافة 11.2 سنة ضوئية.

تُطَبَّق طريقة اختلاف المنظر جيدا حتى مسافة تصل إلى بضع مئات سنوات ضوئية، ولكنها عند الاستخدام مع مسافات أبعد من ذلك تصبح الانزياحات السنوية أصغر كثيرا لدرجة أن أخطاء المراقبة التي لا يمكن تفاديها تقوم بالتغطية على هذه الانزياحات تماما وترغمنا على اللجوء لطرق أخرى أقل مباشرة، إذ يقومون بمعرفة درجة تألق النجم الحقيقية باستخدام التحليل المطيافي، وبعد معرفة التألق تتبع معرفة المسافة طبعا بشرط أن تؤخذ في الاعتبار التعقيدات الأخرى مثل امتصاص الضوء في الفضاء.

النجم الواقع على بعد 3.26 سنة ضوئية يكون اختلاف منظره ثانية واحدة من القوس ولهذا تسمى هذه المسافة بارسك، يستخدمها عادة الفلكيون المحترفون بدلا من استخدام السنة الضوئية. والواقع أنه لا توجد أي نجوم على بعد أقل من بارسك واحد منا (عدا الشمس طبعا) وأقرب جار لنا وهو نجم القريب قنطورس الجنوبي الخافت له اختلاف منظر سنوي يساوي 0.76 ثانية من القوس مما يعادل مسافة 4.249 سنة ضوئية.

القدر المطلق هو القدر الظاهري للنجم لو أنه شوهد من المسافة القياسية 10 بارسك أو 32.6 سنة ضوئية. والقدر المطلق للشمس يساوي 4.8+ فلو تم مشاهدتها من المسافة القياسية ستظهر للعين المجردة كجسم خافت. والشعرى اليمانية (ألفا الكلب الأكبر) له قدر مطلق يساوي 1.4+ ولكن القدر المطلق لرِجل الجبار (بيتا الجبار) يساوي 7.1- فلو كان من الممكن مشاهدته من المسافة القياسية لألقى ظلالا قوية.

(والجدير بالذكر أن مسافات النجوم ودرجات تألقها ليست مؤكدة، وتختلف القيم المُسَجَّلة في الفهارس المختلفة. وأنا في في هذا الأطلس اتبعت فهرس كامبردج الموثوق. وقد عدَّل ’القمر الصناعي للقياسات الفلكية’ هيباركوس على بعض المسافات ولكن المبادئ العامة ظلت كما هي).

مع أن الحركات الحقيقية أو الفردية للنجوم بسيطة بسبب المسافات الهائلة التي تتحرك فيها، فإنه يمكن قياسها. و ’الرقم القياسي للسرعة’ يحتفظ به نجم قزم أحمر خافت هو نجم برنارد الذي يبعد 5.8 سنة ضوئية وهو أقرب جيراننا بعد النجوم الثلاثة من مجموعة ألفا قنطورس، والحركة الحقيقية السنوية هي 10.27 ثاني من القوس وهذا يعني أنه بعد مرور 190 عاما سيزحف عبر الخلفية قاطعا مسافة تساوي القطر الظاهر للقمر المكتمل. (تألقه يساوي فقط 0.0005 من تألق الشمس ويعتبر ضعيفا جدا وفقا للمعايير النجمية).

مع مرور مدة زمنية طويلة بما فيه الكفاية تتغير أشكال الكوكبات. مثلا، في كوكبة الدب الأكبر نرى شكل النجوم السبعة المعروف والذي يسمى بالمغرفة أو كما يسمونه في أمريكا بنات نعش الكبرى. تتحرك خمسة من النجوم عبر السماء في نفس الاتجاه وبنفس السرعة تقريبا ولهذا نفترض أنها من نفس المصدر ولكن النجمين الآخرين – القيض (إتا الدب الأكبر) والدُبة(ألفا) – يتحركان في الاتجاه المعاكس، فبعد مرور 100,000 سنة سيتغير تماما شكل المغرفة عن الشكل الذي نعرفه الآن. ولا تبعد نجوم المغرفة بنفس المسافة عنا، فالنجمان الموجودان على الطرف هما المئزر (زيتا) الذي يبعد 59 سنة ضوئية والقيض الذي يبعد 108 سنة ضوئية، وهذا يعني أن القيض يبعد عن المئزر تقريبا بنفس المسافة التي نبعدها عنه. يعتبر هذا تذكيرا آخربأن شكل الكوكبة ليس إلا نتيجة لظاهرة ’خط الرؤية’ وليس له أي أهمية على الإطلاق. لو كنا رصدنا السماء من موقع آخر لكان من الممكن أن يقع النجمان المئزر والقيض على ناحيتين متقابلتين في السماء.

61 الدجاجة، وهو أول نجم تقاس مسافته، له حركة سنوية حقيقية تزيد عن 4 ثانية من القوس وهو أيضا ثنائي عريض مكون من عنصرين مترابطين جاذبيا. كانت حركته الحقيقية هي التي دفعت بيسيل للاعتقاد بأنه قريب منا نسبيا- وكان محقا.

علينا أيضا أن نتعامل مع الحركة الشعاعية وحركة الاقتراب-و-الابتعاد للنجوم والتي يمكن معرفتها عن طريق استخدام مطياف. وكما رأينا، فإن طيف الشمس مكون من خلفية من ألوان قوس قزح تقطعها خطوط فراونهوفر المعتمة وهذا هو حال كل النجوم العادية مع الاختلاف الشاسع في التفاصيل.

لو كان النجم يقترب باتجاهنا ستنزاح كل خطوط الطيف نحو الأزرق أو ناحية الموجات القصيرة لحزم قوس قزح، بينما لو كان النجم يبتعد عنا لحدث الانزياح نحو الأحمر أو الموجات الطويلة (يسمى هذا بانزياح دوبلر والذي سنتناوله بعمق أكثر عندما نتحدث عن المجرات).

يمكننا معرفة إذا ما كان النجم يتجه نحونا أو يبتعد عنا عن طريق قياس انزياحات الخطوط، والحركة الحقيقية الظاهرية لنجم ما في السماء عبارة عن مجموع الحركتين الشعاعية والعرضية. وللسهولة، تأخذ السرعة الشعاعية قيمة سالبة لو كان النجم يقترب وقيمة موجبة لو كان يبتعد. وفي هذه اللحظة، يتجه نجم برنارد نحونا بسرعة 108 كيلومتر (67 ميل) في الثانية، ولكنه لن يظل على هذا الحال إلى ما لا نهاية ودعوني أؤكد لكم أنه لا خوف من حدوث اصطدام للنجم مع كوكب الأرض.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى