علم الفلك

مسابير المذنبات

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

مسابير المذنبات

كان نجاح الأسطول الذي غزا مذنب هالي مشجعا جدا، وبما أن هالي أمكن الوصول إليه فقد تكون المذنبات الأخرى في مدى الوصول أيضا. لم يكن هناك زوار ساطعون متوفرون وقتها وبالتالي كان على مخططي ناسا أن يرضوا بصيد أقل، أحدها كان المذنب 19P/بوريللي و الذي كان صديقا قديما قد تم اكتشافه في 1904 وكان مداره معروفا بدقة مع أنه لم يصل إلى سطوع كاف لأن يرى بالعين المجردة، ودورته تبلغ 6.8 سنة.

أطلقت السفينة الفضائية الفضاء العميق 1 في 24 أكتوبر 1998 واتخذت طريقها إلى المذنب، وهي في طريقها مرت على الكويكب 9969 برايل من باب المجاملة، وهو جسيم ممدود أبعاده 2.2×1 كيلومتر (1.4×0.6 ميل)، وتم تخطي المذنب 19P/بوريللي في 21 سبتمبر2001. كانت النواة مليئة بالفوهات كما كان متوقعا إضافة إلى نافورتا غبار جليتان، لكن المذنب كان أقل نشاطا بكثير من مذنب هالي لأنه أمضى وقتا أكبر داخل المنظومة الشمسية وأهدرت كمية أكبر من مادته.

كان للمسبار المذنبي التالي “غبار النجم” (Stardust) برنامج أكثر طموحا، فبالإضافة إلى المرور بكويكب آخر هو 5535 آنفرانك، فقد كان مخططا له أن يحلق قريبا من المذنب الدوري 81P/ وايلد (وايلد 2)، ويجمع عينات من مادة المذنب ثم يرسلها إلى الأرض في كبسولة خاصة، وكانت هذه هي التجربة الأولى من نوعها.

أطلق غبار النجم في 7 فبراير 1999 وقام بفحص الكويكب من على بعد 3000 كيلومتر. كان آنفرانك بعرض 4 كيلومترات (2.5 ميل) وكان كما هي العادة مليئا بالفوهات. تم اللقاء بـ 81P/وايلد في 2 يناير 2004، فقد مر غبار النجم به على بعد 250 كيلومتر (155 ميل) وبسرعة نسبية تساوي 21,000 كيلومتر (13050 ميل) في الساعة. يعتبر وايلد 2 في حد ذاته مذنبا عاديا، له دورة قدرها 6.4 سنة وهو دائما باهت. (ينطق اسمه “فيلت” حيث أن المكتشف بول وايلد كان سويسريا.) أرسل غبار النجم 70 صورة ونقتبس عن أحد المحققين عندما قال “أفضل مما كنا نجرؤ أن نحلم به في أكثر أحلامنا جموحا”. كانت النواة الكروية بعرض 5.4 كيلومتر (3.4 ميل) وكانت منقرة بخشونة، وكان هناك منخفضات مسطحة القاع و ذات حوائط شديدة الانحدار قد تكونت بسبب اصطدام أو اندفاع الغازات، كما كانت هناك نوافير من مواد مختلفة. حلق مسبار غبار النجم عبر إحدى هذه النوافير وجمع بعض الجزيئات في حاوية مليئة بمادة مسامية شبيهة بالإسفنج تدعى إيروجيل (هلام الفضاء)وهي الأقل كثافة بين المواد الصلبة المعروفة، إذ يحتل الفراغ أكثر من %99.98 منها. وعندما تصطدم الجزيئات بهذا الهلام الفضائي تلتصق بها مباشرة. عاد مسبار غبار النجم بنجاح إلى الأرض وفي 15 يناير 2006 أرسل حمله الثمين ليهبط في صحراء سولت ليك سيتي العظيمة في يوتاه بالضبط كما خطط له. كانت سرعة الهبوط تقريبا 12 كيلومتر (7.5 ميل) في الثانية، وأخبر المراقبون في ولايتي نيفادا و يوتاه برؤية كرة نارية ساطعة و سماع انفجار صوتي هائل، أما غبار النجم نفسه فلازال تحت السيطرة ومستمرا في مداره الشمسي.

غمرت السعادة علماء ناسا فبعضهم لم يكن متفائلا بفرص النجاح، وعندما فحصوا الجزيئات كانوا أكثر ابتهاجا، إذ كان قد حجز مليون جزيء غبار مجهري في الهلام الفضائي وأيضا القليل منها بأحجام أكبر وصلت حتى مليمتر عرضا. وكانت هناك مفاجأة كبرى فقد كان يظن أن المذنبات تولد في الجزء الخارجي من المنظومة الشمسية بحيث تبقى في حالة التجمد العميق معظم دورة حياتها لكن بعض هذه الجزيئات كانت مسخنة بشدة مما يثبت أن بعض قناعاتنا كانت بحاجة إلى مراجعة جذرية.

أتبع غبار النجم في 12 يناير 2005 بمسبار “الاصطدام العميق” (Deep Impact) والذي وجه إلى مذنب آخر هو9P /تمبل (تمبل 1) ذو دورة تبلغ 5.5 سنة. و قد تغير مداره عدة مرات منذ اكتشافه من قبل إرنست تمبل (Ernst Tempel) في 1867 (بل إنه فقد تماما بين 1881 و 1967)، وهو شديد الإعتام ولا يزيد قدره عن 11 أبدا. كانت الخطة هذه المرة هي الاصطدام بالمذنب ورصد ما يحدث، ولم يكن هناك خوف من عرقلة المذنب لكن اصطدام قذيفة نحاسية بحجم وكتلة سيارة صغيرة بسرعة عالية بالمذنب سيتسبب بالتأكيد في تفجير فوهة جديدة.

حدث التصادم في 4 يوليو 2005 وسجلت المقاريب الأرضية والفضائية ازديادا في السطوع بأقدار عديدة، و صور الجزء الدائر من مسبار الاصطدام العميق نفسه وابلا ساطعا من على بعد 500 كيلومتر (320 ميل) من موقع الاصطدام.

قد وجد لاحقا أن الفوهة الناجمة بلغ قطرها 200 متر (650 قدم) وعمقها 50 متر (160 قدم). وقد أظهر التحليل الطيفي وجود كمية كبيرة من الغبار الدقيق والعديد من المواد المختلفة منها السيليكات وحتى الهيدروكربونات. وسرعان ما عاد المذنب إلى حالته الطبيعية و استمر في رحلته حول الشمس.

توجد مهمة أخرى على الطريق الآن وهي روسيتا التي أرسلت في 2 مارس 2004 و ستلتقي بمذنب صغير ذي اسم يلوي اللسان وهو 67P/شوريوموف-جيراسيمينكو. وعلى كل فإن روسيتا لن تصل هدفها قبل 2014 و يمكن أن يحدث الكثير قبل ذلك.

منذ أمد غير بعيد لم يتعد بضعة عقود، بدت فكرة الاتصال بمذنب كجزء من عوالم الخيال العلمي، لكننا الآن قد تعلمنا الكثير، رغم أنه ليس لدينا حتى الآن فهما كاملا لهذه الأعضاء الغريبة الشبيهة بالأشباح من عائلة الشمس.

 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى