العلوم الإنسانية والإجتماعية

مسألة الاستدامة في مجتمع السوق النابض بالحياة

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

ساهم الافتراض القائل بأن أنماط النمو الاقتصادي في منتصف القرن العشرين كانت غير مستدامة من في الطعن بشرعية الطريقة التي يتمّ عبرها تنظيم مجتمعات السوق. كما أنّ القلق من خسارة التنوع البيولوجي وبقاء الإنسان في ظلّ السعي المتزايد إلى تعزيز "التنمية"، قد دفع بالأمم المتحدة إلى إنشاء اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية (WCED). وطرحت اللجنة في تقريرها المعنون "مستقبلنا المشترك" أفكاراً بشأن الاستدامة، وقد تمّ تبنيها على نطاقٍ واسع (WCED 1987)، فيما أصبح مفهوم "التنمية المستدامة" هدفا رئيسياً في الحوكمة الوطنية والدولية. ولكن، ما يزال التدهور البيئي قائماً وظهرت موجة جديدة من القلق البيئي بسبب التغير المناخي. وترتبط هذه الظروف بموضوع "الاستدامة" الذي يتطلب جهوداً مستمرةً على المستوى النظري والممارساتي لإحداث تحولات اجتماعية واقتصادية.

مقاربات بديلة لمسألة البيئة

يعيد النهج الاقتصادي التقليدي أسباب الأضرار البيئية إلى عدم إدراج البيئة في نظام السوق. وفي المقابل، هناك عدد من وجهات النظر المُنتقدة التي ترى أنّ الأضرار البيئية تتصل مباشرةً بالتفاعل مع العمليات الاقتصادية القائمة على السوق. وتعتبر المقاربات الماركسية وتلك المرتبطة بالعلوم الاجتماعية أنّ الرأسمالية هي التي تقف وراء التدهور البيئي. وفي المقابل، عززت التطورات في العلوم الطبيعية الأفكار التي توفر بدائل عن"علم الاقتصاد".

حالة عدم اليقين والمبدأ الوقائي

لقد كان لتطورات نظرية النظم المعقدة انعكاسات كبيرة على فهمنا للبيئة. تختلف هذه الأساليب عن الاقتصادات الكلاسيكية الجديدة التقليدية، والفيزياء القديمة، من خلال التركيز على كيفية عمل الأنظمة بأكملها، بدلاً من التركيز على المكونات الفردية. ويكشف هذا التحليل الشامل كيف يمكن للأنظمة المعقدة تغيير السلوكيات بطرق لا يمكن التنبؤ بها بفضل الديناميكيات غير الخطية. وينتج عن ذلك "نقاط تحول" (Tipping Points) بحيث أنّه يكون للتغيير على مستوى معيّن من النظام تأثير كلّي لا يُذكر ولكن على مستويات أخرى يكون للتغيير آثار كبيرة، ومن هنا يجوز القول بأنها "القشة التي قصمت ظهر البعير" (راجع (Waldrop 1992)).

وفضلاً عن الديناميكيات الكلية للبيئة والاقتصاد، تسلّط نظرية النظم الضوء على حالة عدم اليقين، وهو مفهوم أساسي في الاقتصاد الكينزي والنمسوي. ما زلنا لا نفهم النظم البيئية كما يجب، وبما أنّ التغيرات الصغيرة نسبياً يمكن أن يكون لها آثار كبيرة، لا يمكن التنبؤ بما سينتج عن العلاقة ما بين النظم البيئية والاقتصادية. ونظراً لهذا الغموض، يرى العديد من الاقتصاديين أن المخاطر البيئية الناشئة عن العوامل الخارجية السلبية هي في الأساس مجهولة وبالتالي لا يمكن مواجهتها بالأساليب الاقتصادية العادية. ومن هنا يوصون اعتماد سياسة "المبدأ الوقائي" (Precautionary Principle) في مواجهة المجهول وقد تمّ الآن تبني هذا الاقتراح على نطاق واسع عند معظم الحركات البيئة.

ويقضي المبدأ الوقائي، على سبيل المثال، بأن تتخذ الدول إجراءات للحدّ من أنشطة الشركات التي قد تكون ضارة للإنسان أو البيئة الطبيعية (Holt، Pressman & Spash 2009). وذلك مهمّ بالنسبة إلى موضوع الإنصاف بين الأجيال أيضاً. وعلى عكس العديد من النماذج الاقتصادية، التي لا تُدخل في حساباتها الاستهلاك في المستقبل على أساس أن الوقت الحاضر هو الأهمّ، يُقرّ المبدأ الوقائي بالواجب الأخلاقي لحماية البيئة من أجل الأجيال القادمة. ويعترف الكثيرون بأهمية المبدأ الوقائي بالنسبة للتحديات البيئية وفي إزالة الغموض حول "مجتمع المخاطر" على نطاق أوسع (Giddens 1998). (راجع الفصل الثامن).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى