البيولوجيا وعلوم الحياة

دور مراقبة البيئة التي قادها نشطاء شبكة “الحصيرة” في التعبئة للحركة الاجتماعية

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

تحديات هذه القضية هي ثنائية بسيطة، تطرح تناقضاً بين «العلوم والتكنولوجيا العالمية» و«ثقافة المقاومة للسكان الأصليين والمحليين».

فنشطاء الذرة، سواء كانوا من ضمن شبكة «الحصيرة» أو هم نشطاء بصورة أعم، فإنهم جميعاً أصحاب توجه نحو المناقشات العلمية العالمية وخطاب المخاطر.

وحينما ادعت شبكة «الحصيرة» وجود التشوّهات الخلقية في الذرة، لم تقدّم ادعاءتها على أنها من السكان الأصليين أو من أصحاب المعرفة المحلية، بل استندت بدلاً من ذلك إلى المعرفة العلمية التي لم يعترف بها العلميون لحد الآن.

وبالفعل، إن شبكة «الحصيرة» قد أعادت بناء تكنولوجيات مراقبة الذرة لتلبّي احتياجات ذاتية محدّدة، كان الغرض منها الحصول على معلومات وإذكاء الوعي. ومع ذلك، ولكونهم كانوا لا يثقون أبداً بالمؤسسات العلمية والسياسية (لربما لسبب جيد) فقد كان أعضاء الشبكة لا يقبلون حكم الخبراء، وهو ما قادهم إلى تأكيد الادعاءات التي قد يعتبرها آخرون مشكوكاً فيها. في مقابل ذلك، فإن النشطاء الذين أعربوا عن ثقة أكبر في الخبراء العلميين، وببعض المؤسسات الحكومية على الأقل، كانوا الأكثر حذراً في تجنّب طرح مزاعم قد لا تكون ذات مصداقية على نطاق واسع.

فنشطاء الذرة من داخل أو خارج شبكة «الحصيرة» على حدٍّ سواء التزموا بعمليات توليد استقلالية ذاتية للتجمعات السكانية، وبالتنمية الشعبية، وبالزراعة البيئية. فمعظمهم رفض السياسات الزراعية والتجارية الليبرالية الجديدة، وأرادوا فرض حظر على الذرة المهندسة وراثياً. لكنهم افترقوا حول تقييم ما يمكن اكتسابه من خلال الضغط على الحكومة الاتحادية، وحول درجة الاحترام لسلطة العلميين.

قدمت حالة الشبكة في الدفاع عن الذرة العديد من الأفكار نفاذ بصيرة حول مراقبة البيئة التي قادها النشطاء ودورها في عمليات أوسع في التعبئة للحركة الاجتماعية.

 

أولاً، المراقبة التي قادها النشطاء لا تقتصر فقط على توليد الحقائق فحسب، لكنها أيضاً عملية لرفع الوعي وخلق التضامن.

فالنشطاء الذين ساهموا في تنسيق الدراسة على وعي بهذا الأمر، قاربوا البحث استراتيجياً كفرصة لجلب عدد أكبر من المشاركين للنضال ضد الذرة المهندسة وراثياً. فاستراتيجية مراقبة البيئة لربما كانت تعبير في بدايتها ردّاً على الثغرات المعرفية، أو على عيوب متصورة في عمليات تقييم المخاطر الرسمية. لكن المعرفة حول التلوث ليست بالضرورة النتيجة المهمة الوحيدة في مشروع المراقبة، ففي حالة شبكة «الحصيرة» أصبحت المشاركة في مشروع بحثي قاعدة أساسية لمجموعة من التضامنات الجديدة بين المنظمات غير الحكومية، وجماعات النشطاء، والمجتمعات الريفية المشتتة على نطاق واسع.

 

ثانياً، تُظهر هذه الحالة أن الجمهور المتوقع لنتائج المراقبة التي يقودها النشطاء سيؤثّر في أنواع الادعاءات التي يودّ النشطاء تقديمها. فالمستهدف من جهود المراقبة ليست دائماً السلطات العلمية أو السياسية.

وبالتأكيد، في المراحل المبكرة من الجهد البحثي سيضع منسّقو الدراسة تصوّراً للمشروع، باعتباره طريقة لتحدّي الادعاءات الرسمية التي تعتبر الذرة ملوّثةً كانت بحدٍّ أدنى، أو أنها غير موجودة. كما تبيّن بوضوح أن المسؤولين الناظمين المكسيكيين لم يقتنعوا باكتشاف النشطاء [للتلوث] ولم يتأثروا  بالاحتجاجات، ومع ذلك، فإن شبكة «الحصيرة» توقفت عن اعتبار الدولة هدفاً مركزياً أساسياً لنضالها، وعززت التزامها بالمشاريع الثقافية في المجتمعات الريفية.

وفي ذات الوقت، واصل أعضاء التجمعات الريفية بحثهم عن معلومات واقعية عن وجود الجينات المحورة وراثياً في الذرة. لذا استمرّت أنشطة المراقبة، لكن مع الوعي الذاتي، الذي يركز على توفير المعلومات التي من شأنها تمكين المجتمعات الريفية، بدلاً من الخوض في مناقشات الموثوقية العلمية.

فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن المنظمين كانوا على علمٍ بأن الادّعاء [بوجود] التشوّهات الخلقية، سيتمّ رفضه من قِبل الأوساط العلمية، فهم كانوا يعلمون أيضاً أن المعرفة التي جُمعت ستكون مفيدةً لجمهور منتجي الذرة، مما سيسهل نشر تظلّماتهم بشكل عام.

 

ثالثاً، أشارت الحالة إلى أن جهود المراقبة باستخدام وسائل كشفٍ علميةٍ، قد لا تكون دائماً مفيدةً في جعل «المخاطر غير المرئية» [للدولة] لكنها مرئية للجمهور. وعلى الرغم من طبيعة مشروع البحث التشاركية، إلا أن المراقبة العلمية للجينات المحوّرة وراثياً على المستوى الجزيئي، لم تكن لتجعل التلوث الجيني بالضرورة مفهوماً لدى المجتمعات الريفية.

لذا عندما أثارت المرحلة الأولى، من الاختبارات الجينية، احتمال أن يكون التلوّث بالجينات المهندسة وراثياً قد سبّب تشوّهات خلقية مرئية، لقيت هذه الفرضية اهتماماً خاصاً من لدى أعضاء شبكة «الحصيرة»، ليس فقط لأنها كانت إشارة إلى أن النباتات المشوهة خلقياً يتردّد صداها مع فكرة أن للتكنولوجيا الحيوية آثاراً لا يمكن التنبوء بها فحسب، بل كان يبدو أن هذه التشوهات كانت تتحدث إلى المعتقدات الشعبية التي تدعي أن للذرة روحاً ويمكن أن تُتلف [كما تُتلف أي روح في أي كائن حي].

فبالنسبة للكثيرين كانت التشوّهات الخلقية ذاتها، أيّاً كان سببها، [مادةً] دعائية حاسمة، لأنها تشير إلى مشاكل سكان الذرة، وإلى الحاجة لاتخاذ إجراءات مشتركة لحماية زراعة الذرة الأصلية. بعض المنظمين كانوا يعتقدون بوجود علاقة سببية بين الجينات المحورة وراثياً والتشوّهات الخلقية، ويوحون أن التشوّهات المرئية جعلت مراقبة الجينات المحورة وراثياً ممكنة من دون الحاجة إلى اختبارات مكلفة وخبراء بعيدين.

فبالنسبة لأولئك المشاركين في شبكة «الحصيرة»، كانت التشوّهات المرئية القابلة للتصوير الفوتغرافي ويمكن التعرّف عليها بسهولة، أكثر الدلائل إقناعاً في البيانات المستخلصة من الاختبارات الجينية.

 

رابعاً، كشف الخلاف ما بين النشطاء بشأن تشوه نباتات الذرة أن تلك الشبكة تحتوي على شرائح وفصائل مختلفة. فكلٌ منها يختار أهدافاً مختلفة عن الآخرين (مثل الدولة، أو الثقافة، أو مؤسسات أخرى)، وقد ينشأ بينهم نزاعات [بسبب اختلاف هذه الأهداف] تتعلق بأنواع ادعاءات المعرفة التي تكون مناسبة للطرح. فالخلافات حول مصداقية بيانات مراقبة الذرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية الجماعية التي يمكن صهرها [بين أطراف الشبكة] وعلاقتها بمصادر السلطة السياسية.

لقد أعربت جميع المنظمات المشاركة في الحركة الاجتماعية لحركة الذرة في المكسيك مظالمها، من خلال استخدام عبارات المخاطر، وتوجهت في ذاتها إلى النقاش مع العلميين، وقد فعلوا ذلك باستخدام أنماط مختلفة مع أهداف مختلفة، ومع مبرّرات مختلفة لتأكيد مصداقيتهم. الجدير بالذكر إن أعضاء شبكة «الحصيرة» كانوا أكثر تشكّكاً من نشطاء الذرة الآخرين حول المكاسب التي يمكن أن تُجنى من خلال المؤسسات الحكومية القائمة، وكانوا يميلون إلى عدم الثقة بأي ادعاء يصدر عن علميي الحكومة، في حين أن نشطاء الذرة الذي كانوا على اتصال متكرر مع مسؤولي الرقابة الناظمة، كانوا يميلون إلى تبادل الآراء مع تلك الجهات الرسمية حول ما يمكن اعتباره معرفة علمية ذات مصداقية.

أخيراً، لنواصل مناقشة النقطة السابقة، فمن غير المرجح أن يكون للمراقبة البيئية تأثير في اللوائح الناظمة أو في السياسة العامة عندما يكون عميقاً عدم الثقة والعداء بين الدولة ومنافسيها.

فالحالة الراهنة تتناقض مع بعض الأمثلة البارزة في بحوث المجتمع المدني، حين يطوّر النشطاء علاقةً مع العلميين الأكاديميين والناظمين، مما يؤدّي في نهاية المطاف إلى تأثيريهم في اللوائح الناظمة للكيمياويات أو في القرارات الناظمة أو القانونية لصالحهم(9).

 

ولعله من الممكن أن نتصوّر أن مثل هذه النتيجة كان يمكن حدوثها لشبكة «الحصيرة»، إذا كانت توفرت بعض الثقة المتبادلة ما بين النشطاء وأحد العاملين في الوكالات الحكومية البيئية أو مع علميٍّ من العلميين المعنيين الذين هم على استعداد للتعاون معها علناً.

فكما ذكرتُ أعلاه، هذا قد حدث فعلاً في حالة واحدة على الأقل، حين كانت المجتمعات الريفية تتعامل مع إحدى المنظمات، تشاركت في عينات الذرة مع علميي الحكومة في معهد علم البيئة الوطني، مما جعلهم يشعرون بالأمان للنتائج المعلنة التي كانت تتسم بعدم اكتشافها أي تحور وراثي.

لقد شاركت المنظمات غير الحكومية في مناقشات السياسة العامة على المستوى الاتحادي، على الرغم من وجود معارضة قوية للسياسات الحالية. في حين إن المنظمات المنضوية مع شبكة «الحصيرة» لم تكن تتمتع بإمكانية الوصول إلى المسؤولين الحكوميين، كما لم تعطهم [نتائج] تجاربهم سبباً ليثقوا بالحكومة في التعامل بأمانة في قضية الذرة الملوثة.

تتصدّى حركة الدفاع عن الذرة لخطاب المخاطر المهيمن بواسطة مزاعمها الخاصة حول المخاطر والخبرات العلمية. فحتى بعد أن أصبح الجدل الحاصل حول الذرة المهندسة وراثياً، علمائياً للغاية أعاد نشطاء الذرة بناء طرق التحليل العلمي – أولاً تقييم الخبراء (كما لاحظنا في الفصل السابق)، وثانياً بالمراقبة البيئية- وذلك من أجل بناء حركة أوسع لدعم بناء بدائل للصناعة الزراعية.

 

في الفصل القادم، [سنتطرق إلى] الاختبار الجزيئي الذي يعتبر مرة أخرى جزءاً أساسياً من نشاط المناهضين للتكنولوجيا الحيوية، ولكن مع التطرّق إلى قضايا مختلفة مطروحة. ففي كندا، حيث توجد تلك الشركات التكنولوجيا الحيوية التي تدّعي حقها ببراءة الاختراع للجينات المحوّرة وراثياً، أثارت الجينات الناشزة مشاكل للمزارعين الذين يزاولون حفظ البذور.

فهناك، كان الكفاح للدفاع عن مسارات زراعية بديلة يلعب دوراً خارجياً ليس ضمن المدى العلمي؛ لكن في قاعة المحكمة، حيث يتمّ تحديد الأهمية الاجتماعية للجين الناشز في سابقة قانونية [لمشكلة مماثلة] أو أحكام قضائية.

ففي حين وجد نشطاء الذرة الفرصة لإعادة تشكيل الطرق العلمية لتخدم صراعاتهم الأوسع من أجل استقلال ذاتي لمجتمعات السكان الأصليين، وإصلاحات زراعية، وجد النشطاء المناهضون للتكنولوجيا الحيوية النظام القضائي، أقل تقبّلاً بكثير لتساؤلاتهم حول الآثار الاجتماعية للمحاصيل المهندسة وراثياً.  

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى