البيولوجيا وعلوم الحياة

دور “اللُقاح” في القضاء على الفيروسات

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

اللقاح دور اللقاح في القضاء على الفيروسات الفيروسات البيولوجيا وعلوم الحياة

يحتل لُقاح مرض شلل الأطفال مرتبةً عاليةً كواحد من أعظم الانتصارات الطبية الحديثة، بينما يُعد غياب علاج لمرض البرد الشائع مصدراً لشكوى متكررة ضد البحث العلمي الطبي، والسبب في هذا التناقض اللافت للنظر بسيط، وهو ناتج من الفرق الجوهري بين الفيروسين المتشابهين والمسببين للمرضين.

فهناك ثلاث سلاسلات رئيسية من فيروس شلل الأطفال، تختلف عن بعضها بشكل طفيف في البروتينات الموجودة في غلاف الفيروس.

ولذلك فلو تمكنت أجسامنا من تكوين أجسام مضادة لتدمير هذه السلالات الثلاث ، فسوف يكون لدينا القدر على التحكم في أي عدوى نواجهها من شلل الأطفال.

 

إلا أنه يوجد أكثر من 100 سلالة من فيروس الأنف يمكنها أن تسبب مرض البرد، وذلك إلى جانب عشرات من الطرز الأخرى من الفيروسات.

وعند إصابتنا بالبرد فإن هذا يعني إصابتنا بسلالة من الفيروس لم يسبق لنا مواجهتها من قبل، وبالتالي فلن يكون من الممكن عملياً تحضير لقاح لحمايتنا من كل السلالات.

 

تعمل اللقاحات على تجهيز الجهاز المناعي ليتمكن من محاربة العدوى بمسببات الأمراض في المستقبل.

فعند إصابتنا بفيروس ما، فإن الجهاز المناعي يعمل على حشد نظام دفاعي للتصدي له، ويقوم هذا النظام بدوره ببناء أجسام مضادة للتعرف على الفيروس مع إنتاج خلايا دم بيضاء لالتهامه وتدميره.

وتصبح الفيروسات مميتة عندما لا يستطيع الجهاز المناعي أن يتصدى لهجومها بشكل سريع وكافٍ مع تضاعف الفيروس بمعدلات أكثر سرعة من معدلات تدميرها بواسطة هذا الجهاز.

 

والحيلة الماهرة التي يقوم بها اللقاح هي أنه يعمل على تحدي الجهاز المناعي بواسطة جزيء شبيه بالفيروس، بحيث يقوم ببناء كل الأنظمة الدفاعية الضـرورية قبل التعرض لخطر الإصابة بالفيروس الحقيقي. وبذلك فإن الجهاز المناعي يصل إلى أقصـى درجات الاستعداد ويكون جاهزاً في حالة حدوث العدوى الحقيقية.

أكثر اللقاحات فعالية هي تلك التي تتركب من فيروسات حقيقة، تم إبطال نشاطها أو إضعافها بواسطة طرق كيماوية، ولكنها تظل قادرة على تحفيز الجسم لكي يقوم بعمليات الدفاع المناسبة. 

ولقد تم تحضير أول اللقاحات المضادة لشلل الأطفال بواسطة سولك (Salk)  ويونجر (Youngner) وذلك عن طريق إبطال نشاط فيروس شلل الأطفال الذي تمت تنقيته من الفيروسات الأخرى بواسطة مادة الفورمالدهيد.

ولكن بعد ذلك ببضع سنوات، تم تطوير لقاح أكثر فاعلية على يد ألبرت سابين Albert Sabin)). حيث احتوى هذا اللقاح على فيروسات حية تم إحداث طفرات بها وذلك بإرغامها على النمو داخل خلايا غير آدمية على درجات حرارة منخفضة.

 

وتقوم هذه الفيروسات الطافرة – والتي تم إضعافها – بالتضاعف في خلايا الأمعاء ولكن لفترة قصيرة، وذلك يؤدي إلى تحفير الجهاز المناعي لكي يقوم ببناء أجسام مضادة لفيروس شلل الأطفال.

ولكن هذه الفيروسات لا تكون قادرة على إصابة الخلايا العصبية، وبالتالي فهي لا تسبب شلل الأطفال. واللقاح المضاد لشلل الأطفال فعال بشكل خاص نظراً لغمكانية تحضيره ليعطي حماية ضد الثلاث سلالات المعروفة من الفيروس المسبب للمرض.

شكراً لهذه اللقاحات، فبواسطتها تم القضاء على مرض شلل الأطفال إلى حد كبير على مستوى العالم.

 

عندما نقوم كل عام بالتطعيم ضد الإنفلونزا، فإننا نلعب على الإحتمالات. فهناك العديد والعديد من سلاسلات فيروس الإنفلونزا التي تنتشر على مستوى العالم.

كما أن هناك سلالات أكثر تتطور كل عام مع حدوث تبادل للجينات فيما بين السلالات الموجودة بالفعل وتعرضها للطفرات.

وفي كل عام، يقوم الخبراء في المعاهد العلمية مثل «مراكز السيطرة على الأمراض» (Centers for Disease Control) بدراسة مدى انتشار سلالات معينة من الإنفلونزا على مستوى العالم، ومن خلال ذلك يمكنهم توقع السلالات التي قد تكون الأكثر خطورة في العام التالي.

 

ويلي ذلك تحضير لقاح للحماية ضد السلالات. وهناك نوعان من لقاح الإنفلونزا لهما رواج في الوقت الحالي وهما: «حقن الإنفلونزا» (Flu Shots) وهي عبارة عن فيروسات تم إبطال نشاطها، ولقاح «رذاذ الأنف» والذي يحتوي على فيروس الإنفلونزا حياً ولكن بعد إضعافه.

هناك حاجة كبيرة لتطوير لقاح لمنع عدوى الأيدز، ولكن ما زال هناك الكثير من التحديات التي تواجه تحقيق ذلك. فمن الصعب محاربة فيروس الأيدز وذلك للعديد من الأسباب. فمثلاً يقوم إنزيم «النسخ العكسي» بالعديد من الأخطاء

وهذا يؤدي إلى حدوث طفرات بشكل سريع في الفيروس، وبالتالي تظهر منه سلالات مقاومة لأي معاملة طبية ممكنة.

 

الفيروس مقاوم أيضاً للمضادات الحيوية وذلك لأن البروتينات الموجودة على سطحه تكون مغطاه بسكريات عديدة غير مميزة، كما أن مواقع الارتباط على السطح تكون مختبئة بعيداً في أخاديد صغيرة جداً يصعب على المضادات الحيوية الوصول إليها.

كذلك لا بد أن يعمل لقاح الأيدز على تحفيز الجهاز المناعي لاتخاذ فعل مناسب عند التعرض للفيروس بطريقة أكثر سرعة وأكثر كفاءة عن المعتاد.

حيث يحتاج فيروس الأيدز إلى أسبوع واحد فقط حتى يرتبط الـ "دنا" الخاص به بجينوم الخلية، وبعد ذلك، يصبح "دنا" الأيدز المرتبط غير مرئي للجهاز المناعي.

 

ومن الصعب جداً دراسة فيروس الأيدز ، وذلك لأن الفيروسات المشابهة له والتي تصيب القرود والقطط لديها ايضاً بعض الاختلافات الجوهرية عنه، وبالتالي فإن العديد من المبادىء العلمية التي تم معرفتها من خلال دراسة هذه الفيروسات لا يمكن تطبيقها في حالة عدوى الأيدز.

فعلى سبيل المثال، هناك لقاح فعال في حماية القرود من «مرض نقص المناعة في القرود» (Simian Immunodeficiency Virus) أو (SIV) تم اكتشافه في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن لقاحاً مشابهاً له لم يظهر أي كفاءة في علاج الإصابة بفيروس الأيدز.

ورغماً عن كل هذه التحديات ، فإن هناك العديد من الأساليب المبتكرة يتم اختبارها حالياً لمكافحة هذا الخطر العالمي المهدد لصحة الإنسان.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى